قصة من نوادر اشعب
أشعب قبيل السفر إلى مكة
مرّت أيامٌ كثيرةٌ دون أن يتمكن أشعب من معرفة أخبار صاحبه بنان، وكان يُعاني الجوع فلا يرى أحدًا يأكل لكي يُشاركه في طعامه، فخرج في أحد الأيام يمشي في الطُرقات دون هدفٍ أو غايةٍ إلى أن وجد قومًا غرباء يتناولون الطعام فألقى السلام عليهم.
جلس أشعب بينهم يسألهم عن الطعام الذي يأكلونه، فأجابوه بأنّهم يأكلون سمًا، ومدَّ يده دون أن يأخذ الإذن منهم وشاركهم طعامهم، ولمّا تعجبوا من فعله هذا سألوه إن كان على معرفةٍ بأحدهم، فأشار بيده إلى الطعام وقال إنّه يعرفه، فلم يُحاولوا منعه، وراحوا يتبادلون أطراف الحديث معه.
أخبر القوم أشعب بأنّهم قد أتوا من مكة وبحوزتهم رسالة من رجلٍ اسمه بنان موجهةً إلى رجلٍ في المدينة يُدعى أشعب، فملأت السعادة قلب أشعب الذي أخبرهم أنّ الرسالة موجهة إليه.
أخذها وقرأ فيها أنّ بنان تبدلت أحواله من فقرٍ وضيقٍ إلى حالٍ أفضل، وأنّه يعمل في مهنةٍ تجلب له الكثير من المال، ويسأل أشعب أن يتجه إليه في أول قافلة ليُساعده في العمل ويُشاركه.
أشعب مع قافلة إلى مكة
اتجه أشعب إلى مكة مع أول قافلة، ولم يكن معه أيّ مالٍ، فتعجب من أنَّ بنان لم يُرسل له القليل من المال ليتمكن من السفر إليه، لكنه سار على قدميه مع القافلة يُضحكهم ويُغني لهم، وعندما كان يسير بجانب ناقةٍ تحمل شيخًا وشابًا وجد الشاب يبكي كثيرًا فسأل عن السبب.
أخبره بعض الأشخاص أنّ الشاب أحبّ ابنة عمه لكن الظروف فرقتهم، واشترك الشيخ والشاب بالطعام ولم يكن معهما الكثير من المال، فكانا يتقاسمان رغيفان من الخبز كل يوم، وكان الشيخ بطيئًا في الأكل فيقضي الشاب على رغيفه ويجلس ليشتكي، حينها قال أشعب شعرًا فيهما وأضحك من في القافلة.
أحبّه رجال القافلة واستظرفوه، فحمله رجلٌ من التجار معه على جمله، وصار يُشاركه في طعامه، لكن أشعب لم يفعل شيئًا سوى الأكل، فالتاجر يطهو ويحضر الطعام وأشعب يأكل، وطلب منه التاجر أن يطهو فتهرب، ثم طلب منه أن يأكل فأكل طعامًا يكفي لرجلين.
أشعب قد وصل إلى مكة
عندما وصل أشعب إلى مكة وسأل عن صديقه، أخبره الناس أنَّ والي مكة قد نفى بنان إلى عرفات؛ لأنّه استأجر بيتًا في مكة يجمع فيه بين النساء والرجال ويُحضر لهم الطعام والشراب، وبوصول أشعب إلى عرفات رأى أمام منزل بنان قطيعًا من الحمير المربوطة.
دخل إليه فعانقه صديقه، وأخبره أنّه يعيش في رخاءٍ هنا؛ فيجمع النساء والرجال في هذا المنزل ويُقدم لهم الطعام والشراب، لكنه يحتاج لمن يُغني ليُطرب الحضور وأفضل من يُجيد الغناء هو أشعب؛ لذا أرسل يطلب منه المجيء، فتعجب أشعب وسأله هل هذا المال الحلال؟ فأجابه بنان بأنّ هذا أفضل من التطفل على موائد الآخرين.
يقوم بتأجير الحمار بدرهم ليستطيع الناس المجيء إليه وهذه التي بالباب هي حميرهم، فعاش أشعب بسعادةٍ بهذه النعم التي لا تنقطع، وكثرة الدراهم في يديه، وشارك صديقه في كل ما يملكه، ولم يعرف كيف يصرف ماله، فذهب إلى نخاسٍ في مكة واختار أفضل حمار لديه ليشتريه، وعندما عاد وجد بنان ثملًا يُغني والناس تُحاول إسكاته.
أخبرهم أنّه لن يصمت حتى يدفعوا له المال، فدفعوا له وطلبوا من أشعب الغناء فطلب مالًا، وافق الحضور فأسرف أشعب في الشراب، ونظم شعرًا عن سوء صوت بنان وراح يُغني وعمَّ السرور بين الحضور.
أشعب شاعت أخباره في مكة
مرّت الأيام على هذه الحال، فشاعت أخبار منزل بنان وأشعب في عرفات بين أهل مكة وأعاد الناس الشكوى إلى الوالي، فأرسل في طلبهما وكانا قد أفرطا في تناول الطعام والشراب، وعندما رأى خادمهما أفراد الشرطة أخبرهما، فأرسلا الناس برفقة حميرهم إلى سردابٍ قاموا ببنائه سابقًا لهذه الغاية.
عندما دخل الرجال على الوالي بأشعب لم يعرفه، لكن عرف من تصرفاته وحركاته أنّه كان ثملًا، فدخل الرجال ببنان فعرفه الوالي، وقام بنان بإنكار التهمة الموجهة إليه فحبسه الوالي هو وأشعب.
بعد أن أحضر أصحاب الشكوى ليُقدموا له دليلًا على صحة كلامهم، قالوا: أرسِل الحمير إلى عرفات، فإن توقفت عند منزل بنان وأشعب فنكون من الصادقين، ففعل ذلك فإذا بالحمير تتوقف عند المنزل، وعندما قرر الوالي معاقبة بنان وأشعب تحايل بنان عليه وقال سيشمت بنا أهل العراق بأنَّ أهل مكة استشهدوا بالحمير.
أطلق الوالي سراحهما شرط أن يُغادرا هذه البلاد، وعندما ذهبا إلى منزلهما وجدا الخادم قد سبقهما ليقوم بجمع الدراهم ويهرب، ضربه بنان فاعترض أشعب وبينما هما يتجادلان لاذ الخادم بالفرار، وبقيا مشغولين بجمع ما تبقى بحوزتهما وبيعه وخرجا من النعيم نادمين.
العبرة من هذه الحكاية هي أنّه يجب على كل إنسان ألّا يتكاسل في السعي وراء المال الحلال ولا يعتمد على الآخرين، ويكون مسؤولًا عن نفسه ولا يُسرف ماله بالباطل.