قصة سيدنا إبراهيم مع ابنه إسماعيل وزوجته هاجر
زواج إبراهيم من هاجر وولادة إسماعيل
لمّا نجّا الله تعالى سيدنا إبراهيم من النّار التي ألقاه فيها قومه، أمره بالهجرة من العراق إلى فلسطين، وهناك تزوّج سارة، وكانت عقيمةً لا تُنجب ومعها جاريتها هاجر، فلمّا رأت سارة رغبة إبراهيم في الولد؛ أهدت هاجر إليه فتزوجها، وأنجب منها إسماعيل -عليه السلام- بعد طول انتظارٍ، فكانت ولادته منَّةً وعطيَّةً من الله تعالى؛ إذ إنّ إبراهيم كان يبلغ من العمر ستًّا وثمانين سنةً.
ترك إبراهيم لزوجته وابنه في مكة
لمّا أنجبت السيدة هاجر إسماعيل -عليه السلام- دبّت الغيرة في نفس السيدة سارة؛ فطلبت من سيدنا إبراهيم أن يبعدها عنها، وكان ذلك موافقًا لأمر الله تعالى، فأخذ سيدنا إبراهيم زوجته هاجر وابنه إسماعيل إلى مكّة المكرّمة ، وتركهما في مكانٍ لا ماء فيه ولا طعام، ثمّ رجع والحزن يتفطر في قلبه عليهما إلى فلسطين، ولكنّ سيدنا إبراهيم أخذ بالأسباب، ودعا الله تعالى أن يتولّاهما، وأن يرزقهما من فضله، ويُرشد النّاس إليهما، فقال الله تعالى على لسان إبراهيم: (رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ).
موقف السيدة هاجر من ترك إبراهيم لها وابنها
لمّا علمت السيدة هاجر أن ترك إبراهيم لها ولابنها كان بأمرٍ من الله تعالى؛ سلّمت أمرها وابنها له، وقالت: "رَضِيتُ باللَّهِ"، وكلامها هذا إن دلّ على شيءٍ؛ فإنّما يدلّ على حسن الظنّ بالله والتوكل عليه، وأخذت السيدة هاجر تأكل وابنها ما ترك لها زوجها من طعامٍ وشرابٍ، ثمّ إنّه لما نفذ الماء واشتدّ عليهما العطش، أخذت تركض بين جبلين هما الصفا والمروة؛ باحثًا عن الماء، خوفًا على رضيعها، وفعلت ذلك سبع مرَّاتٍ، حتى بلغ منها التعب مبلغًا عظيمًا، ونظرت لرضيعها؛ فوجدت أنّ الماء ينساب بين قدميه، فاستبشرت، وشربت وابنها حتّى ارتويا، وكان ذلك استجابةً لدعاء إبراهيم لهما، وجزاءً لها على حسن صبرها، وتوكّلها عليه.
موقف إسماعيل من رؤيا إبراهيم
كبر سيدنا إسماعيل وأكرمه الله تعالى بالزواج، وكان سيدنا إبراهيم كبيرًا في السنّ، وكان يزوره بين الحين والآخر، حتّى إنّه في أحد الأيام رأى في منامه رؤيا، ورؤيا الأنبياء حقٌّ، وكانت رؤياه أنّ الله يأمره بذبح ابنه إسماعيل، وهذا اختبارٌ من الله لهما؛ فلمّا أخبر إبراهيمُ إسماعيلَ، ما كان من ابنه إلّا التسليم لأمر الله ، وهذا كان ابتلاءً عظيمًا لإبراهيم عليه السلام؛ إذ إن إسماعيل ابنه الوحيد، وكان قد أصابه الكبر، فلا يستطيع الإنجاب إلا بقدرة الله تعالى، قال تعالى: (فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ* فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ).
فداء إسماعيل عليه السلام
لمّا أراد سيدنا إبراهيم تنفيذ أمر الله بذبح ابنه، وحدّ سكينه وطرح ابنه ليذبحه، امتنعت السكّين عن الذبح، وتعجّب إبراهيم من أمرها، ولكنّه علم أنّ هذه -رحمة الله- وفرجه عليهما، وافتدى الله تعالى إسماعيل بكبشٍ عظيمٍ نزل من السّماء؛ جزاءً لإبراهيم وابنه على استجابتهما لأمر الله والصبر على ذلك واستسلامه لأمره، وهذا الفداء أصبح سنَّةً إلى يومنا هذا بما يُعرف بالعقيقة ، قال تعالى: (فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ* وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ* إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ* وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ).
بناء إبراهيم وإسماعيل لبيت الله الحرام
أمر الله سيدنا إبراهيم ببناء أوّل بيتٍ لعبادة الله تعالى، وهو بيت الله الحرام في مكّة المكرّمة؛ فتوجّه إبراهيم عليه السلام؛ استجابةً لأمر الله إلى مكّة وأخذ يبني البيت مع ابنه إسماعيل عليه السلام؛ فلمّا انتهيا أخذ يدعو وابنه ربهما ويستغفرانه، وقد استشهد العلماء في ذلك على فضل استغفار المسلم لله ودعائه بعد الانتهاء من العبادة، قال تعالى في حكايته عنهما: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)، وأمرهما بدعوة النّاس إلى الحجّ ، وتطهير البيت من النجاسات والشركيّات؛ فحطما الأصنام التي كانت عند البيت.