قصة سعد بن معاذ
قصة إسلام سعد بن معاذ
كان من عادة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنَّه يستغلُّ موسم الحجِّ من أجل أن يدعو النَّاس إلى الإسلام، وفي عامٍ من الأعوام التقى سبعة رجالٍ من الخزرج ممَّن كانوا يعبدون الأصنام عند مكان اسمه العقبة، فدعاهم إلى الإسلام، وكانوا قد سمعوا عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- من اليهود الذين يعيشون معهم، فعلموا أنَّه نبيٌّ من عند الله -تعالى-، فصدَّقوه وآمنوا به واستجابوا لدعوته، وعادوا إلى المدينة يبلِّغون النَّاس رسالته.
وفي العام القادم أقبل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اثنا عشر رجلاً من الأنصار، فبايعوه في العقبة، فكانت بيعة العقبة الأولى ، ولمَّا انصرفوا أرسل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معهم مصعب بن عمير -رضي الله عنه- ليعلِّمهم القرآن والإسلام، وأقام في المدينة عند أسعد بن زرارة، فسمع بأمره سعد بن معاذ وأسيد بن حضير -رضوان الله عليهم أجمعين-، فتوجه إليه أسيد لكي ينهاه عن دعوة النَّاس، لكنَّه لمَّا سمع منه استجاب وآمن، ثمَّ ذهب سعد بن معاذ -رضي الله عنه- فسمع من مصعب -رضي الله عنه- وآمن أيضاً.
وتوجه مع أسيد بن حضير إلى القوم، فقال لهم سعد: "يا بني الأشهل، كيف تعلمون أمري فيكم؟ قالوا: سيدنا وأفضلنا، قال: فإنَّ كلام رجالكم ونسائكم عليَّ حرامٌ حتى تؤمنوا بالله ورسوله"، فما كان المساء حتى أسلموا جميعاً، واستمرَّ مصعب بدعوته في المدينة، فلم يبقَ فيها بيتٌ إلَّا ودخله الإسلام ، وقد كان إسلام سعد بن معاذ -رضي الله عنه- نصراً كبيراً للإسلام وفتحاً مبيناً، وأشرقت شمس الإسلام في المدينة بإسلامه حتى أنارت قلوب الكثيرين، ثمَّ ظهر دور قبيلة بني عبد الأشهل لمَّا هاجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة، فاستقبلوا المهاجرين وقاسموهم أموالهم وممتلكاتهم من غير منٍّ ولا أذى.
قصَّة سعد بن معاذ في غزوة بدر
استشار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أصحابه في غزوة بدر فأشاروا عليه، فأراد منهم الأنصار، فقال له سعد: "والله لكأنك تريدنا يا رسول الله"؟ فقال: أجل، فقال معاذ: "فقد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به الحق، وأعطيناك مواثيقنا عَلَى السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت، فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق، لو استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدًا، إنا لصبر عند الحرب، صدق عند اللقاء، لعل اللَّه يريك فينا ما تقر به عينك، فسر بنا عَلَى بركة اللَّه"، فكان هذا دافعاً لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- لخوض المعركة.
وخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لملاقاة المشركين في بدر في اليوم الثامن من شهر رمضان المبارك، وجعل ابن أمِّ مكتوم إماماً بالنَّاس في المدينة، وسلَّم اللّواء لمصعب بن عمير -رضي الله عنه-، وكان لونه أبيضاً، وجعل أمامه رايةً سوداء يحملها علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- اسمها العقاب، وأخرى مع جماعةٍ من الأنصار بقيادة سعد بن معاذ -رضي الله عنه-، وكان القوم على سبعين من البعير يتناوبون عليها، ووكَّل السِّقاية لقيس بن أبي صعصعة -رضي الله عنه-، وقد تكوَّن جيش الأنصار بقيادة سعد -رضي الله عنه- من الأوس وعددهم واحدٌ وستون رجلاً، والخزرج وعددهم مئة وسبعون رجلاً، ويشكِّل هذا العدد ثلثي عدد رجال بدر، ممَّا يعني أنَّ القيادة العظمى لأكبر عددٍ من الجيش كانت تحت ولاية سعد -رضي الله عنه-، ولهذا السَّبب اهتزَّ عرش الرحمن لوفاته -رضي الله عنه-.
وحرص سعد بن معاذ -رضي الله عنه- على حراسة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وحمايته في عريشه مع مجموعةٍ من رجال الأنصار يحملون سيوفهم، حتى إذا انقضَّ العدو على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قاموا بحمايته، ثمَّ لمَّا انتصر المسلمون وأخذوا أسرى كره ذلك، وقال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أوَّل وقعةٍ أوقعها الله بالمشركين كان الإثخان أحبُّ إليَّ من استبقاء الرِّجا"ل، فكان يرى أنّ قتل المشركين في أوَّل غزوةٍ أفضل من أسرهم؛ وذلك كي لا يجترئون على المسلمين مرةً أخرى.
قصَّة حكم سعد بن معاذ لبني قريظة
اجتمع الأحزاب حول المدينة المنورة من أجل حصارها، لكنَّهم يئسوا من تحقيق هدفهم فعادوا خائبين إلى مكَّة المكرَّمة، فكان قرار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنَّ عدوانهم المتكرر على المدينة متى أرادوا لا بدَّ من إيقافه، فأمر أصحابه بالتجهُّز والتوجُّه نحو بني قريظة، فحاصروهم خمسةً وعشرين يوماً، ولمَّا يئسوا من فكِّ الحصار عنهم نزلوا عند أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وطلبوا منه أن يجعل سعد حكماً عليهم، وقد كان في الجاهليَّة حليفهم، وكان حينها مصاباً ومريضاً.
وقد روى أبو سعيد الخدري عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فقال: (أرْسَلَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى سَعْدٍ فأتَى علَى حِمَارٍ، فَلَمَّا دَنَا مِنَ المَسْجِدِ قَالَ لِلْأَنْصَارِ: قُومُوا إلى سَيِّدِكُمْ، أوْ خَيْرِكُمْ، فَقَالَ: هَؤُلَاءِ نَزَلُوا علَى حُكْمِكَ، فَقَالَ: تَقْتُلُ مُقَاتِلَتَهُمْ، وتَسْبِي ذَرَارِيَّهُمْ، قَالَ: قَضَيْتَ بحُكْمِ اللَّهِ ورُبَّما قَالَ: بحُكْمِ المَلِكِ)، وكان قد جرح في الغزو وانقطع الدَّم من جرحه، فلمَّا حكم فيهم عاد الدَّم من جديد.
قصَّة استشهاد سعد بن معاذ
قام رجل من قريش اسمه حبَّان ابن العرِقة برمي سعد بن معاذ يوم الخندق فأصابه في كاحله، فأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بإقامة خيمة تمريضٍ في المسجد ليكون قريباً منه، فلمَّا عاده رسول الله -صلى الله عليه وسلم- روت عائشة فقالت: (حضَرَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأبو بَكرٍ وعُمَرُ سَعدَ بنَ مُعاذٍ، وهو يَموتُ في القُبَّةِ التي ضرَبَها عليه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في المسجدِ، قالتْ: والذي نَفْسُ محمَّدٍ بيَدِه، إنِّي لأعرِفُ بُكاءَ أبي بَكرٍ مِن بُكاءِ عُمَرَ، وإنِّي لفي حُجرَتي، فكانا كما قال اللهُ: {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ})، وكان جرحه يزداد سوءاً يوماً بعد يوم، حتى أتاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فضمَّه إلى صدره ودعا له، فكانت هذه الكلمات برداً وسلاماً عليه، فرفع رأسه ووجّه بصره إلى رسول الله علّ وجه الرسول يكون آخر ما يراه، وقال: "السلام عليك يا رسول الله، أما إني لأشهد أنك رسول الله"، فبشّره رسول الله بالخير.
وانفجر جرحه فضمّه حتى سالت دماؤه على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-: "وانكسار ظهراه"! ثمّ جاء عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فقال: "إنا لله وإنا إليه راجعون"، وذهب رسول الله من جنازته ودموعه تنحدر على خدّيه، وروى جابر عن رسول الله فقال: (اهْتَزَّ عَرْشُ الرَّحْمَنِ لِمَوْتِ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ)، وقال: (هذا الذي تحركَ له العرشُ، وفُتحتْ له أبوابُ السماءِ، وشهِدَه سبعونَ ألفًا من الملائكةِ، لقد ضُمَّ ضمةً، ثمَّ فُرِّجَ عنه)، وروت عائشة -رضي الله عنها- في فضله عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ثلاثةٌ من الأنصارِ لم يكن أحدٌ يعْتدِ عليهم فضلًا كلُّهم من بني عبدِ الأشهلِ: أُسَيدُ بنُ حُضَيرٍ وسعدُ بنُ مُعاذٍ وعبادُ بنُ بِشرٍ)، وكان موته في السَّنة الخامسة من الهجرة بعد غزوة الخندق بشهرٍ وبعد بني قريظة ببضعة ليالٍ.