قصة إبراهيم ابن الرسول
قصة إبراهيم ابن الرسول
رُزق سيّدنا محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- بابنه إبراهيم، وقد كانت أُمّه ماريّة القبطيّة، أهداها المقوقس حاكم الإسكندرية لرسول الله، وأرسلها له مع حاطب بن أبي بلتعة، فلمّا وصلت لرسول الله عرض عليها حاطب الإسلام فأسلمت، وأسكنها رسول الله بالعالية، فحملت بإبراهيم وأنجبته هناك، وقد ولّدتها سلمى مولاة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، فجاء أبو رافع زوج سلمى إلى النبيّ يبشّره بمجيء ابنه، فأهداه رسول الله هديّة فَرحاً بتلك البشرى، ولما أراد أن يسمّيه قال: (وُلِدَ لي اللَّيْلَةَ غُلَامٌ، فَسَمَّيْتُهُ باسْمِ أَبِي إِبْرَاهِيمَ)، وقد وُلِد إبراهيم في شهر ذي القعدة من السنة الثامنة للهجرة، وقد كانت أُمّه قليلة اللّبن، فبدأ نساء الأنصار يتسابقْن لإرضاعه، فأرضعته أُم سيف و كان زوجها حداداً، ويصف أنس بن مالك -رضي الله عنه- رحمةَ رسول الله بعياله فيقول: (كانَ إبْرَاهِيمُ مُسْتَرْضَعًا له في عَوَالِي المَدِينَةِ، فَكانَ يَنْطَلِقُ وَنَحْنُ معهُ، فَيَدْخُلُ البَيْتَ وإنَّه لَيُدَّخَنُ، وَكانَ ظِئْرُهُ* قَيْنًا*، فَيَأْخُذُهُ فيُقَبِّلُهُ، ثُمَّ يَرْجِعُ)، ثمّ أخذته أمّ بردة بنت المُنذر الأنصاريّ، وزوجها من بني مازن، ليبقى عندها فتُرضعه، ثم تعودُ بِهِ لأمّه كي تراه.
فرح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بولادة ابنه إبراهيم فرحاً شديداً، فلازمه ولم يفارقه، وكان ينظر إلى وجهه باستمرار ويأخذه إلى حضنه، ثم يحمله ويطوف به على زوجاته، يُخبرهنّ عن الشّبه الذي بينهما، وعندَ ولادته طلبَ رسول الله حلْق شعر رأسه، فحلقه أبو هند البياضي من الأنصار، وأخرجَ رسول الله فضّةً بوزن شعره صدقةً، ثم دفن شعره في التّراب، وذلك في اليوم السّابع من ولادته، وأُتي بكبشٍ فذبحه عقيقةً عنه.
وفاة إبراهيم وحزن النبيّ عليه
بَعث مجيء إبراهيم الفرح والأمل والسرور إلى بيت النبي -صلّى الله عليه وسلّم-، وما لبِث إبراهيم حتى مرض، فقامت ماريّة وأختها سيرين بتمريضه، لكن المرض كان يزداد، حتى بانت عليه علامات الاحتضار ودنوّ الأجل، فبعثت أمّه لسيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- تخبره، فحزن حزناً شديداً، وأقدم إليه فوجده في حضن أمّه، فتناوله منها وضمّه إلى صدره وبكى، وكانت أمّه وخالته تبكيان، وفاضت روح إبراهيم إلى بارئها، وانطفأت شمعة الأمل التي أنارت بقدومه، فقال رسول الله: (يا إبراهيمُ، لولا أنه قولٌ حقٍّ، ووعدُ صادقٍ، وسبيلُ مأتيّةٌ، وأن آخرَنا يلحقُ بأولنا؛ لحزنّا عليكَ حزنا هو أشدُّ من هذا)، ثم أراد أن يخفف عن مارية ويواسيها، فقال: (إنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ، والقَلْبَ يَحْزَنُ، ولَا نَقُولُ إلَّا ما يَرْضَى رَبُّنَا، وإنَّا بفِرَاقِكَ يا إبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ).
وحضرته المنيّةُ أثناء وجوده في بيت أمّ بردة، وعُمرهُ ثمانيةَ عشرَ شهراً، وقيل ستةَ عشرَ شهراً، فقام بتغسيله الفضل بن العباس عمّ النبي، ويُقال إنّ التي غسّلته هي أم بردة، ووضعوه على سريرٍ صغيرٍ، وأمر النبيُّ أن يُدفنَ بجانب عثمان بن مظعون في البقيع، فجلس رسول الله على حافة القبر، ونزل فيه الفضل وأسامة بن زيد فدفنوه، وطلب رسول الله حجراً فوضعه عند رأس إبراهيم، ورشّ على قبره الماء، واقتضت حكمة الله وفاة إبراهيم ؛ كون رسول الله محمد -صلّى الله عليه وسلّم- آخر الأنبياء ، ولو كان هناك نبيٌّ بعدهُ لعاشَ إبراهيم.
كسوف الشمس يوم وفاة إبراهيم
وافقَ يومُ موت إبراهيم كسوف الشمس، فاعتقد بعض الناس أنّ الشّمس كُسِفَت لِموته، فقام رسول الله خطيباً بالناس، وقال: (إنَّ الشَّمْسَ والقَمَرَ لا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أحَدٍ ولَا لِحَيَاتِهِ، ولَكِنَّهُما آيَتَانِ مِن آيَاتِ اللَّهِ يُرِيهِما عِبَادَهُ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذلكَ، فَافْزَعُوا إلى الصَّلَاةِ)، وإنّ الله -عزّ وجلّ- يُجري الكسوف والخسوف على الشمس والقمر لِيُري عباده أنّهما تسيران وفق إرادته، وقد قال الله -تعالى-: (وَما نُرسِلُ بِالآياتِ إِلّا تَخويفًا)، فكان ذلك دافعاً إلى العباد للإقبال على الله، والإكثار من عبادته، ولذلك لمّا كُسِفت الشمس بعث رسول الله منادياً وأَمَره أن ينادي بالناس: " الصلاة جامعة" وكرّرها ثلاثاً، ليُعْلِم الناس بالكسوف، فلمّا اجتمعوا صلّى بهم ركعتين وخطب بهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الهامش
* ظِئْرُهُ: يُقال ظَأرَت المرأَةُ: أي اتّخذتْ وَلَدًا تُرْضِعُهُ.
* قَيْنًا: من القَيْنُ؛ وهو الحدَّادُ.