قصة أصحاب الكهف
قصة أصحاب الكهف
لقد أخبرنا المولى في كتابه العظيم العديد من أخبار الأمم السابقة التي لم نشهدها، وإنما جاءت بالآثار موثقة لأحداث جليلة، تخدم دعوة التوحيد، وتهدف إلى غايات سامية، ومن هذه الأخبار؛ قصة أصحاب الكهف التي ذكرت في سورة الكهف، والتي تضمنت عدداً من القصص الأخرى والتي تحرك رغبة المرء في التعرف على الغاية من ذكرها وما وراء الأخبار والإشارات القرآنية.
من هم أصحاب الكهف
يقول -سبحانه- في وصف أصحاب الكهف: (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا)، فالكهف: هو الغار، والرقيم: هو الجبل الذي فيه الكهف، أو هو الواد، وهم فتيةٌ آمنوا بالله -تعالى- كما وصفهم القرآن: (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى)، ومعهم كلبهم: (وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ)، وقيل إنهم كانوا على الديانة النصرانية، جاؤوا بعد زمن المسيح -عليه السلام-، وإن قومهم كانوا على عبادة الأصنام.
استضعاف الفتية وفرارهم
يحكى أن اجتماعهم في الكهف وافق يوم عيدٍ من أعياد قومهم؛ فرأوا ما يصدر من قومهم من سجود للأوثان وتعظيم لها، وبعض الممارسات التي ترفضها الفطرة السليمة، فخرجوا عن قومهم وفروا منهم، وقيل إنهم لما وقع في قلوبهم التوحيد، رفضت نفوسهم ما يرونه من قومهم فلجأوا إلى الكهف، ثم ضرب الله -تعالى- على آذانهم النوم فيه، وقيل أيضاً إن ملكهم كان جباراً متسلطاً، يقال له:" دِقْيَانُوسُ"، كان يدعو الناس إلى عبادة الأصنام.
قال -تعالى-: (إذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ)، أي لما علم الفتية عدم قدرتهم على إظهار أمر دينهم لقومهم، واتفقوا فيما بينهم على هذا الأمر، لجأوا إلى الكهف خوفاً على دينهم، وهرباً من فتنة قومهم، فضرب الله -تعالى- عليهم النوم، وتكفل برعايتهم وحفظهم، كما ألقى الله الرعب حول الكهف حتى لا يقربه أحد من قومهم.
دعاؤهم وابتهالهم
بعدها لجأ أصحاب الكهف إلى المولى خائفين يرجون منه أن يهب لهم رحمةً ولطفاً، ويسترهم عن قومهم، وأن يجعل عاقبة أمرهم خيراً، ويجعلهم مهتدين راشدين، قال -تعالى-: (فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا)، وهذا حال المؤمن الذي يجعل من الله -سبحانه وتعالى- ركنه الحصين، وسنده المتين، فيتصل به في الشدة والرخاء.
صفاتهم
قال -تعالى-: (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى)، وفي هذه الآية الكريمة بيان لأهم صفاتهم:
- فتية: أي شبان .
- الإيمان بالله -سبحانه وتعالى-.
- معية الله -تعالى- لهم وهجران قومهم.
كما رودت صفات الأخرى لفتية الكهف، في قوله -سبحانه وتعالى-: (ورَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهًا ۖ لَّقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا)، فالناظر يرى أنهم:
- استعانوا بالله -عز وجل- وفروا إليه.
- تخلوا عن كل الشهوات في سبيل الحفاظ على عقيدتهم.
- توحيد الله -تعالى- دون إشراك أو شكوك.
فلما صدقوا بالأخذ بالأسباب والفرار بدينهم إلى الله -سبحانه وتعالى-، نزلت عليهم سكينة القلب، وأغناهم الله -سبحانه وتعالى- عمن سواه، وحماهم مما يخافون.
نوم أصحاب الكهف السنين العديدة
يقول الله -سبحانه وتعالى-: (فَضَرَبْنَا عَلى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا)، أي أن الله ألقى عليهم نوماً ثقيلاً داخل كهفهم، فلم يسمعوا بعدها صوتاً، وناموا سنين متتابعة.
لقد بقي أصحاب الكهف نائمين إلى أن بعثهم الله ليتساءلوا عن حالهم، وذلك بعد ثلاثمئة وتسع سنين، وهذا ما أخبرنا الله -تعالى- به، إذ قال: (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَمِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا)، وأما قوله -سبحانه وتعالى-: (قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا)، فهو رد على المتسائلين زمن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فيكون المعنى بذلك: أن الله -تعالى- أعلم بما لبثوا بعد أن قبض أرواحهم من بعد الاستيقاظ من نومهم وتساؤلهم.
ومن عجائب قدرة الله -سبحانه وتعالى-، ما سخّر لهم من أمور كانت سبباً في حفظهم، ومن هذه العجائب ما يأتي:
- (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ)؛ أي أن الشمس إذا طلعت كانت تميل باتجاه اليمين في كهفهم، وإذا غربت تتركهم وتعدل عنهم.
- (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ ۚ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ)؛ أي أن الناظر إليهم يظنهم مستيقظين لكثرة تقلبهم، أو لأن أعينهم كانت مفتوحة أثناء نومهم، وأما التقليب فكان لئلا تأكل الأرض أجسادهم.
استيقاظ أصحاب الكهف من نومهم
لما استيقظ الفتية ظنوا أنهم ناموا فقط من الصباح حتى المساء، فلما رأوا أظافرهم قد طالت وأن شعورهم قد تغيرت تعجبوا من حالهم، واستبعدوا أمر نومهم لفترة قصيرة، ثم شعروا بالجوع فأرسوا واحداً منهم ليشتري لهم من السوق، وقد كانوا يملكون بعض الدراهم، فلما أراد صاحبهم الخروج حذروه من الملك المتجبر، ظناً منهم أن الدنيا على حالها وأن ملكهم ما زال حياً، فلما خرج تعجب من المدينة وعلم أن الأمر قد تغير، وكان كل من يراه يتعجب منه حتى تهافت الناس واجتمعوا على أمره.
ويرى أهل العلم أن الزمن الذي بعثوا فيه أصحاب الكهف كان أهله أصحاب دين، لذا عظموا أمرهم بعد أن عرفوا قصتهم، وقرروا بناء مسجدٍ فوق كهفهم، وإن كان هذا الأمر مخالفاً لتعاليم ديننا،، قال -تعالى-: (قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا).
دروس وعبر من قصة أصحاب الكهف
احتوت قصة أهل الكهف على العديد من الدروس والعبر، نلخصها بالآتي:
- الصبر والثبات على الدعوة.
- توحيد الله -سبحانه وتعالى-.
- الالتزام بالحق ولو كنت وحيداً.
- الرفقة الصالحة من أسباب التواصي بالخير والثبات على الحق.
- الاعتزال عند خشية الفتنة.
- التوكل على الله -تعالى- والأخذ بالأسباب.
- محبة الله -تعالى- توجب الهداية والرعاية.
- تفويض الأمور لله -سبحانه وتعالى-.
- التحري في طلب الرزق الطيب.
- الاستعانة بالكتمان حتى تنقضي الحوائج.
- اللجوء إلى التخفي خوف الفتنة.
إن الثبات على الدين من أعظم الأمور وأكثرها جهاداً، وتزداد العوائق حين يكون الإنسان غريباً بقيمه ومبادئه وسط قوم لا يعترفون بها ويحاربونها، فتكون المشقة ويكون الأجر على قدرها، ولنا في قصص القرآن العظة والعبرة، ومن ذلك قصة أصحاب الكهف؛ والذين فروا بدينهم إلى الله تعالى ولجأوا إلى الكهف، فحماهم الله تعالى به، ونجاهم مما كانوا يخافون منه.