قصة أصحاب السبت كاملة
أصحاب السبت
قد قصَّ علينا القرآن الكريم قصصاً كثيرة من الأمم السابقة بشقيها؛ قصص الأنبياء ، أو من هم من أتباعهم كقصة أصحاب السبت، وقصص غيرهم كقصة أصحاب الجنة، وكما قص علينا بعضا من الأحداث التي حصلت في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ مثل قصة الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك.
وقصتنا في هذا المقال عن أصحاب السبت؛ فقد ذكر غير واحد من أهل السير والتفسير، وذكروا في التعريف بهم أنهم قوم من بني إسرائيل، وكانوا يسكنون في منطقة أيلة؛ وهي بين المدينة ومكة، وكانوا من الأقوام المتمسكة بدين التوراة؛ في أن يوم السبت محرم في ذلك الزمان، وكان يحرم فيه الاصطياد في البحر، وكذلك كانت محرمة في جميع الصناعات والتجارة والكسب.
ومكان أيلة منطقة العقبة الآن، كما ذكر ذلك ياقوت الحموي أيلة مدينة على ساحل بحر القلزم -وهو البحر الأحمر الآن-؛ مما يلي الشام وقيل هي آخر الحجاز وأول الشام، وهي المنطقة التي وقعت بها أحدث هذه القصة.
قصة أصحاب السبت
وردت قصة أصحاب السبت في عدة سور من القرآن الكريم؛ كسورة البقرة والنساء، وكان التفصيل في القصة في سورة الأعراف التي ذكرت القصة من بدايتها إلى نهايتها، مع موقف أهل السبت، مما فعلوا والعاقبة التي حلت بهم.
قال الله -تعالى-: (وَاسأَلهُم عَنِ القَريَةِ الَّتي كانَت حاضِرَةَ البَحرِ إِذ يَعدونَ فِي السَّبتِ إِذ تَأتيهِم حيتانُهُم يَومَ سَبتِهِم شُرَّعًا وَيَومَ لا يَسبِتونَ لا تَأتيهِم كَذلِكَ نَبلوهُم بِما كانوا يَفسُقونَ* وَإِذ قالَت أُمَّةٌ مِنهُم لِمَ تَعِظونَ قَومًا اللَّـهُ مُهلِكُهُم أَو مُعَذِّبُهُم عَذابًا شَديدًا قالوا مَعذِرَةً إِلى رَبِّكُم وَلَعَلَّهُم يَتَّقونَ* فَلَمّا نَسوا ما ذُكِّروا بِهِ أَنجَينَا الَّذينَ يَنهَونَ عَنِ السّوءِ وَأَخَذنَا الَّذينَ ظَلَموا بِعَذابٍ بَئيسٍ بِما كانوا يَفسُقونَ* فَلَمّا عَتَوا عَن ما نُهوا عَنهُ قُلنا لَهُم كونوا قِرَدَةً خاسِئينَ).
سبب إيراد القصة
ذكرت الآيات الكريمة أصل سبب إيراد القصة؛ وهو قوله -تعالى-: (واسألهم)، أي يا محمد -صلى الله عليه وسلم- أسأل اليهود عن أهل هذه القرية، وماذا حل بهم؟، ولماذا يسألهم النبي -عليه السلام-!؛ فقد ذكر ابن كثير في تفسيره الجواب.
إذ قال: "أَيْ وَاسْأَلْ هَؤُلَاءِ الْيَهُودَ الَّذِينَ بِحَضْرَتِكَ؛ عَنْ قِصَّةِ أَصْحَابِهِمُ الَّذِينَ خَالَفُوا أَمْرَ اللَّهِ، فَفَاجَأَتْهُمْ نِقْمَتُهُ عَلَى صَنِيعِهِمْ، وَاعْتِدَائِهِمْ وَاحْتِيَالِهِمْ فِي الْمُخَالَفَةِ، وَحَذِّرْ هَؤُلَاءِ مِنْ كِتْمَانِ صِفَتِكَ الَّتِي يَجِدُونَهَا فِي كُتُبِهِمْ؛ لِئَلَّا يَحِلَّ بِهِمْ مَا حَلَّ بِإِخْوَانِهِمْ وَسَلَفِهِمْ".
تفسير الآيات
طلبت الآية الأولى من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يسأل اليهود؛ وفي هذا تعريض لهم للاعتبار بما حصل ببعض أهل دينهم، لما تنكروا وتحايلوا على الشرع، حيث إن هذه القرية الساحلية، والتي كانت على دين اليهود؛ الذي يُحَرِم الصيَد يوم السبت، فكانت القرية ملتزمة ذلك الأمر، ثم إن الله -تعالى- ابتلاهم بكون الأسماك أصبحت لا تأتي إلا يوم السبت، ولا تأتي في بقية أيام الأسبوع.
وهنا في لحظة الابتلاء؛ يظهر التسليم لأمر الله -تعالى-، والصبر واللجوء إلى الله -تعالى-؛ فبدلاً من أن يلجأ أهل القرية إلى الله -تعالى- لجؤوا إلى الحيلة؛ ليحللوا ما حرم الله، فاحتالوا لانتهاك حرمات الله بما تعاطوا من الأسباب الظاهرة، التي معناها ففي الباطن تعاطي الحرام، كما ذكر ذلك ابن كثير في تفسيره.
ونصبوا الشباك وحفروا البِرك؛ وربطوا الحيتان قبل يوم السبت، فتجيء الحيتان يوم السبت وتقع في البرك، والشباك والأربطة، فإذا انقضى السبت أخذوها بكونهم لم يصطادوها يوم السبت كما زعموا؛ فلما انتشرت هذه الحيلة في أهل القرية، كان لأهل القرية منها مواقف.
موقف أهل القرية
انقسم أهل القرية إلى ثلاثة أقسم، وهذه عادة الناس عند فُشُوِ السوء، وهي كما يأتي:
- قسم منكر
وهؤلاء أنكروا على المحتالين فعلهم؛ بأن يقدموا العذر إلى الله -تعالى-، أنهم لا يرضون بهذه المعصية والحيلة، ولعل المحتالين أن يتوبوا ويتقوا الله -تعالى-.
- قسم متوقف
يستفسرون من القسم الأول؛ لماذا تعظون وتنكرون على المحتالين؟!
- قسم المحتالين
وهم الفَسَقة الذين احتالوا على أمر الله -تعالى-.
العقاب
تذكر الآيات الكريمة أن المحتالين لمَّا لم ينتهوا عن غيِّهم، ولَمَّا لم يمتثلوا أمر الله -تعالى-، ولم ينتهوا إذ نهاهم المنكرون الصالحون من أهل الحق؛ فالمنكرون نجاهم الله، والمحتالون عُذِبوا ومُسخوا قردةً ذليلةً حقيرةً مهانةً.
العبرة من القصة
قصة أصحاب السبت لها عبر عظيمة جليلة، ونذكر بعضها فيما يأتي:
- الصبر على البلاء هو أهم ابتلاء، وآخر ابتلاء.
- أهمية الأمر بالمعروف والنهي فيه استمرار شرائع الدين، وفيه النجاة من العذاب الأليم.
- أن يبقى المؤمن مستمراً التذكر لوظيفته في الأرض؛ وهي إقامة دين الله -تعالى-.
- قدرة الله -تعالى- ورحمته بأهل الحق، وشدة غضبه وأليم عقابه على أهل الباطل.