قصائد بشار بن برد في المدح
قصيدة: جفا وده فازور أو مل صاحبه
قال بشار بن برد في مدح الخليفة مروان بن محمد:
جَفا وِدُّهُ فَاِزوَرَّ أَو مَلَّ صاحِبُه
- وَأَزرى بِهِ أَن لا يَزالَ يُعاتِبُه
خَليلَيَّ لا تَستَنكِرا لَوعَةَ الهَوى
- وَلا سَلوَةَ المَحزونِ شَطَّت حَبَاِئبُه
شَفى النَفسَ ما يَلقى بِعَبدَةَ عَينُهُ
- وَما كانَ يَلقى قَلبُهُ وَطَبائِبُه
فَأَقصَرَ عِرزامُ الفُؤادِ وَإِنَّما
- يَميلُ بِهِ مَسُّ الهَوى فَيُطالِبُه
إِذا كانَ ذَوّاقاً أَخوكَ مِنَ الهَوى
- مُوَجَّهَةً في كُلِّ أَوبٍ رَكائِبُه
فَخَلِّ لَهُ وَجهَ الفِراقِ وَلا تَكُن
- مَطِيَّةَ رَحّالٍ كَثيرٍ مَذاهِبُه
أَخوكَ الَّذي إِن رِبتَهُ قالَ إِنَّما
- أَرَبتُ وَإِن عاتَبتَهُ لانَ جانِبُه
إِذا كُنتَ في كُلِّ الذُنوبِ مُعاتِباً
- صَديقَكَ لَم تَلقَ الَّذي لا تُعاتِبُه
فَعِش واحِداً أَو صِل أَخاكَ فَإِنَّهُ
- مُفارِقُ ذَنبٍ مَرَّةً وَمُجانِبُه
إِذا أَنتَ لَم تَشرَب مِراراً عَلى القَذى
- ظَمِئتَ وَأَيُّ الناسِ تَصفو مَشارِبُه
وَلَيلٍ دَجوجِيٍّ تَنامُ بَناتُهُ
- وَأَبناؤُهُ مِن هَولِهِ وَرَبائِبُه
حَمَيتُ بِهِ عَيني وَعَينَ مَطِيَّتي
- لَذيذَ الكَرى حَتّى تَجَلَّت عَصائِبُه
وَماءٍ تَرى ريشَ الغَطاطِ بَجَوِّهِ
- خَفِيِّ الحَيا ما إِن تَلينُ نَضائِبُه
قَريبٍ مِن التَغريرِ ناءٍ عَن القُرى
- سَقاني بِهِ مُستَعمِلُ اللَيلِ دائِبُه
حَليفُ السُرى لا يَلتَوي بِمَفازَةٍ
- نَساهُ وَلا تَعتَلُّ مِنها حَوالِبُه
أَمَقُّ غُرَيرِيٌّ كَأَنَّ قُتودَهُ
- عَلى مُثلَثٍ يَدمى مِنَ الحُقبِ حاجِبُه
غَيورٍ عَلى أَصحابِهِ لا يَرومُهُ
- خَليطٌ وَلا يَرجو سِواهُ صَواحِبُه
إِذا ما رَعى سَنَّينَ حاوَلَ مَسحَلاً
- يَجِدُّ بِهِ تَعذامُهُ وَيُلاعِبُه
أَقَبَّ نَفى أَبناءَهُ عَن بَناتِهِ
- بِذي الرَضمِ حَتّى ما تُحَسُّ ثَوالِبُه
رَعى وَرَعَينَ الرَطبَ تِسعينَ لَيلَةً
- عَلى أَبَقٍ وَالرَوضُ تَجري مَذانِبُه.
قصيدة: أبا مسلم ما طول عيش بدائم
قال بشار بن برد في مدح أبي جعفر المنصور.
أَبا مُسلِمٍ ما طُولُ عَيشٍ بِدائِمِ
- وَلا سالِمٌ عَمّا قَليلٍ بِسالِمِ
عَلى المَلِكِ الجَبّارِ يَقتَحِمُ الرَدى
- وَيَصرَعُهُ في المَأزِقِ المُتَلاحِمِ
كَأَنَّكَ لَم تَسمَع بِقَتلِ مُتَوَّجٍ
- عَظيمٍ وَلَم تَسمَع بِفَتكِ الأَعاجِمِ
تَقَسَّمَ كِسرى رَهطُهُ بِسُيوفِهِم
- وَأَمسى أَبو العَبّاسِ أَحلامَ نائِمِ
وَقَد كانَ لا يَخشى اِنقِلابَ مَكيدَةٍ
- عَلَيهِ وَلا جَريَ النُحوسِ الأَشائِمِ
مُقيماً عَلى اللَذّاتِ حَتّى بَدَت لَهُ
- وُجوهُ المَنايا حاسِراتِ العَمائِمِ
وَقَد تَرِدُ الأَيّامُ غُرّاً وَرُبَّما
- وَرَدنَ كُلوحاً بادِياتِ الشَكائِمِ
وَمَروانُ قَد دارَت عَلى رَأسِهِ الرَحى
- وَكانَ لِما أَجرَمتَ نَزرَ الجَرائِمِ
فَأَصبَحَت تَجري سادِراً في طَريقِهِم
- وَلا تَتَّقي أَشباهَ تِلكَ النَقائِمِ
تَجَرَّدتَ لِلإِسلامِ تَعفو سَبيلَهُ
- وَتُعري مَطاهُ لِلُّيوثِ الضَراغِمِ
فَما زِلتَ حَتّى اِستَنصَرَ الدينُ أَهلَهُ
- عَلَيكَ فَعادوا بِالسُيوفِ الصَوارِمِ
فَرُم وَزَراً يُنجيكَ يا اِبنَ وَشيكَةٍ
- فَلستَ بِناجٍ مِن مُضيمٍ وَضائِمِ
لَحى اللَهُ قَوماً رَأَّسوكَ عَلَيهِمُ
- وَما زِلتَ مَرؤوساً خَبيثَ المَطاعِمِ
أَقولُ لِبَسّامٍ عَلَيهِ جَلالَةٌ
- غَدا أَريَحِيّاً عاشِقاً لِلمَكارِمِ
مِنَ الهاشِمِيِّينَ الدُعاةِ إِلى الهُدى
- جِهاراً وَمَن يَهديكَ مَثلُ اِبنِ هاشِمِ
سِراجٌ لِعَينِ المُستَضيءِ وَتارَةً
- يَكونُ ظَلاماً لِلعَدُوِّ المُزاحِمِ
إِذا بَلَغَ الرَأيُ المَشورَةَ فَاِستَعِن
- بِرأيِ نَصيحٍ أَو نَصيحَةِ حازِمِ
وَلا تَجعَلِ الشُورى عَلَيكَ غَضاضَةً
- مَكانُ الخَوافي قُوَّةٌ لِلقَوادِمِ
وَما خَيرُ كَفٍّ أَمسَكَ الغُلُّ أُختَها
- وَما خَيرُ سَيفٍ لَم يُؤَيَّد بِقائِمِ
وَخَلِّ الهُوَينا لِلضَعيفِ وَلا تَكُن
- نَؤوماً فَإِنَّ الحَزمَ لَيسَ بِنائِمِ
وَحارِب إِذا لَم تُعطَ إِلّا ظُلامَةً
- شَبا الحَربِ خَيرٌ مِن قَبولُ المَظالِمِ
وَأَدنِ عَلى القُربى المُقرِّبَ نَفسَهُ
- وَلا تُشهِدِ الشُورى اِمرَأً غَيرَ كاتِمِ
فَإِنَّكَ لا تَستَطرِدُ الهَمَّ بِالمُنى
- وَلا تَبلُغُ العَليا بِغَيرِ المَكارِمِ
إِذا كُنتَ فَرداً هَرَّكَ القومُ مُقبِلاً
- وَإِن كُنتَ أَدنى لَم تَفُز بِالعَزائِمِ
وَما قَرَعَ الأَقوامَ مِثلُ مُشَيَّعٍ
- أَريبٍ وَلا جَلّى العَمى مِثلُ عالِمِ
قصيدة: إذا جئته للحمد أشرق وجهه
قال بشار بن برد في مدح خالد بن برمك:
إِذا جِئتَهُ لِلحَمدِ أَشرَقَ وَجهُهُ
- إِلَيكَ وَأَعطاكَ الكَرامَةَ بِالحَمدِ
لَهُ نِعَمٌ في القَومِ لا يَستَثيبُها
- جَزاءً وَكَيلُ التاجِرِ المُدُّ بِالمُدِّ.
قصيدة: حييا صاحبي أم العلاء
قال بشار بن برد في مدح عقبة بن سلم والي البصرة:
حَيِّيا صاحِبَيَّ أُمَّ العَلاءِ
- وَاِحذَرا طَرفَ عَينِها الحَوراءِ
إِنَّ في عَينِها دَواءً وَداءً
- لِمُلِمٍّ وَالداءُ قَبلَ الدَواءِ
رُبَّ مُمسٍ مِنها إِلَينا عَلى رَغ
- مِ إِزاءٍ لا طابَ عَيشُ إِزاءِ
أَسقَمَت لَيلَةَ الثُلاثاءِ قَلبِي
- وَتَصَدَّت في السَبتِ لي لِشَقائِي
وَغَداةَ الخَميسِ قَد مَوَّتَتني
- ثُمَّ راحَت في الحُلَّةِ الخَضراءِ
يَومَ قالَت إِذا رَأَيتُكَ في النَو
- مِ خَيالاً أَصَبتَ عَيني بِداءِ
وَاِستَخَفَّ الفُؤادُ شَوقاً إِلى قُر
- بِكَ حَتّى كَأَنَّني في الهَواءِ
ثُمَّ صَدَّت لِقولِ حَمّاءَ فينا
- يا لقَومي دَمي عَلى حَمّاءِ
لا تَلوما فَإِنَّها مِن نِساءٍ
- مُشرِفاتٍ يَطرِفنَ طَرفَ الظِباءِ
وَأَعينا اِمرَأً جَفا وُدَّهُ الحَيُ
- وَأَمسى مِنَ الهَوى في عَناءِ
اِعرِضا حاجَتي عَلَيها وَقولا
- أَنَسيتِ السَرارَ تَحتَ الرِداءِ
وَمَقامي بَينَ المُصَلّى إِلى المِن
- بَرِ أَبكي عَلَيكِ جَهدَ البُكاءِ
وَمَقالَ الفَتاةِ عودي بِحِلمٍ
- ما التَجَنّي مِن شيمَةِ الحُلَماءِ
فَاِتَّقي اللَهَ في فَتىً شَفَّهُ الحُب
- بُ وَقَولُ العِدى وَطولُ الجَفاءِ
أَنتِ باعَدتِهِ فَأَمسى مِنَ الشَو
- قِ صَريعاً كَأَنَّهُ في الفَضاءِ
فَاِذكُري وَأيَهُ عَلَيكِ وَجودي
- حَسبُكِ الوَأيُ قادِحاً في السَخاءِ
قَد يُسيءُ الفَتى وَلا يُخلِفُ الوَع
- دَ فَأَوفي ما قُلتِ بِالرَوحاءِ
إِنَّ وَعدَ الكَريمِ دَينٌ عَلَيهِ
- فَاِقضِ وَاِظفَر بِهِ عَلى الغُرَماءِ
فَاِستَهَلَّت بِعَبرَةٍ ثُمَّ قالَت
- كانَ ما بَينَنا كَظِلِّ السَراءِ
يا سُلَيمى قومي فَروحي إِلَيهِ
- أَنتِ سُرسورَتي مِنَ الخُلَطاءِ.
قصيدة: يطوف العفاة بأبوابه
قال بشار بن برد في مدح قيس ومضر:
يَطوفُ العُفاةُ بِأَبوابِهِ
- كَطَوفِ الحَجيجِ بِبَيتِ الحَرَم
أَبى طَلَلٌ بِالجِزعِ أَن يَتَكَلَّما
- وَماذا عَلَيهِ لَو أَجابَ مُتَيَّما
وَبِالفِرعِ آثارٌ بَقينَ وَباللِوى
- مَلاعِبُ لا يُعرَفنَ إِلاّ تَوَهُّما
إِذا ما غَضِبنا غَضبَةً مُضَرِيَّةً
- هَتَكنا حِجابَ الشَمسِ أَو تُمطِرَ الدَما
إِذا ما أَعَرنا سَيِّداً مِن قَبيلَةٍ
- ذُرى مِنبَرٍ صَلّى عَلَينا وَسَلَّما
وَإِنّا لَقَومٌ ما تَزالُ جِيادُنا
- تُساوِرُ مَلكاً أَو تُناهِبُ مَغنَما
خَلَقنا سَماءً فَوقَنا بِنُجومِها
- سُيوفاً وَنَقعاً يَقبِضُ الطَرفَ أَقنَما
وَمَحبِسِ يَومٍ جَرَّتِ الحَربُ ضَنكَهُ
- دَنا ظِلُّهُ وَاِحمَرَّ حَتّى تَحَمَّما
تَفَوَّقتُ أَخلافَ الصِبا وَتَقَدَّمَت
- هُمومِيَ حَتّى لَم أَجِد مُتَقَدَّما
فَهَذا أَوانَ اِستَحيَتِ النَفسُ وَاِرعَوى
- لِداتي وَراجَعتُ الَّذي كانَ أَقوَما
وَيَومٍ كَتَنّورِ الإِماءِ سَجَرنَهُ
- وَأَوقَدنَ فيهِ الجَزلَ حَتّى تَضَرَّما
رَمَيتُ بِنَفسي في أَجيجِ سَمومِهِ
- وَبِالعيسِ حَتّى بَضَّ مِنخَرُها دَما.