قصائد الحلاج
قصيدة: إذا هجرت فمن لي
إِذا هَجَرتَ فَمَن لي
وَمَن يُجَمِّلُ كُلّي
وَمَي لِروحي وَراحي
يا أَكثَري وَأَقَلّي
أَحَبَّكَ البَعضُ مِنّي
وَقَد ذَهَبتَ بِكُلّي
يا كُلَّ كُلّي فَكُن لي
إِن لَم تَكُن لي فَمَن لي
يا كُلَّ كُلّي وَأَهلي
عِندَ اِنقِطاعي وَذُلّي
ما لي سِوى الروحِ خُذها
وَالروحُ جُهدُ المُقِلِّ.
قصيدة: لي حبيب أزور في الخلوات
لي حَبيبٌ أَزورُ في الخَلَواتِ
حاضِرٌ غائِبٌ عَنِ اللَحَظاتِ
ما تَراني أُصغي إِلَيهِ بِسِرّي
كَي أَعي ما يَقولُ مِن كَلِماتِ
كَلَماتٍ مِن غَيرِ شَكلٍ وَلا نَق
طٍ وَلا مِثلِ نَغمَةِ الأَصواتِ
فَكَأَنّي مُخاطِبٌ كُنتُ إِيّا
هُ عَلى خاطِري بِذاتي لِذاتي
حاضِرٌ غائِبٌ قَريبٌ بَعيدٌ
وَهوَ لَم تَحوِهِ رُسومُ الصِفاتِ
هُوَ أَدنى مِنَ الضَميرِ إِلى الوَه
مِ وَأَخفى مِن لائِحِ الخَطَراتِ.
قصيدة: سكنتَ قلبي
سَكَنتَ قَلبي وَفيهِ مِنكَ أَسرارُ
فَلتَهنِكَ الدارُ بَل فَليَهنِكَ الجارُ
ما فيهِ غَيرُكَ مِن سِرٍّ عَلِمت بِهِ
فَاِنظُر بِعَينِكَ هَل في الدارِ دَيّارُ
وَلَيلَة الهَجرِ إِن طالَت وَإِن قَصُرَت
فَمُؤنِسي أَمَلٌ فيهِ وَتِذكارُ
إِنّي لَراضٍ بَما يُرضيكَ مِن تَلَفي
يا قاتِلي وَلِمَا تَختارُ أَختارُ.
قصيدة: كتبت ولم أكتب إليك
كَتَبتُ وَلَم أَكتُب إِلَيكَ وَإِنَّما
كَتَبتُ إِلى روحي بِغَيرِ كِتابِ
وَذَلِكَ أَنَّ الروحَ لا فَرقَ بَينَها
وَبَينَ مُحَبّيها بِفَصلِ خِطابِ
وَكُلُّ كِتابٍ صادِرٍ مِنكَ وارِدٌ
إِلَيكَ بِلا رَدِّ الجَوابِ جَوابي.
قصيدة: يا موضع الناظر من ناظري
يا مَوضِعَ الناظِرِ مِن ناظِري
وَيا مَكانَ السِرِّ مِن خاطِري
يا جُملَةَ الكُلِّ الَّتي كُلُّها
أَحَبُّ مِن بَعضي وَمِن سائِري
تُراكَ تَرثي لِلَّذي قَلبُهُ
مُعَلَّقٌ في مِخلَبَي طائِرِ
مُدَلَّهٍ حَيرانَ مُستَوحِشٍ
يَهرُبُ مِن قَفرٍ إِلى آخَرِ
يَسري وَما يَدري وَأَسرارُهُ
تَسري كَلَمحِ البارِقِ النائِرِ
كَسُرعَةِ الوَهمِ لِمَن وَهمُهُ
عَلى دِقيقِ الغامِضِ الغائِرِ
في لُجِّ بِحرِ الفِكرِ تَجري بِهِ
لِطائِفٌ مِن قُدرَةِ القادِرِ.
قصيدة: رقيبان مني شاهدان لحبه
رَقيبانِ مِنّي شاهِدانِ لِحُبِّهِ
وِاِثنانِ مِنّي شاهِدانِ تَراني
فَما جالَ في سِرّي لَغَيرِكَ خاطِرٌ
وَلا قالَ إِلّا في هَواكَ لِساني
فَإِن رُمتُ شَرقًا أَنتَ في الشَرقِ شَرقُهُ
وَإِن رُمتُ غَرباً أَنتَ نُصبُ عِياني
وَإِن رُمتُ فَوقاً أَنتَ في الفَوقِ فَوقُهُ
وَإِن رُمتُ تَحتاً أَنتَ كُلُّ مَكانِ
وَأَنتَ مَحَلُّ الكُلِّ بَل لا مَحَلُّهُ
وَأَنتَ بِكُلِّ الكُلِّ لَيسَ بِفانِ
بِقَلبي وَروحي وَالضَميرِ وَخاطِري
وَتَردادِ أَنفاسي وَعَقدِ لِساني.
قصيدة: شيء بقلي وفيه منك أسماء
يءٌ بِقَلبي وَفيهِ مِنكَ أَسماءُ
لا النورُ يُدري بِهِ كلا وَلا الظُلَمُ
وَنورُ وَجهِكَ سِرٌّ حينَ أَشهَدُهُ
هَذا هُوَ الجودُ وَالإِحسانُ وَالكَرَمُ
فَخُذ حَديثِيَ حِبّي أَنتَ تَعلَمُهُ
لا اللَوحُ يَعلَمُهُ حَقّاً وَلا القَلَمُ.
قصيدة: أنا من أهوى
أَنا مَن أَهوى وَمَن أَهوى أَنا
نَحنُ روحانِ حَلَنا بَدَنا
نَحنُ مُذكُنّا عَلى عَهدِ الهَوى
تُضرَبُ الأَمثالُ لِلناسِ بِنا
فَإِذا أَبصَرتَني أَبصَرتَهُ
وَإِذا أَبصَرتَهُ أَبصَرتَنا
أَيُّها السائِلُ عَن قِصَّتِنا
لَو تَرانا لَم تُفَرِّق بَينَنا
روحُهُ روحي وَروحي روحُهُ
مَن رَأى روحَينِ حَلَّت بَدَنا.
قصيدة: رأيت ربي بعين قلبي
رَأَيتُ رَبّي بِعَنينِ قَلبي
فَقُلتُ مَن أَنتَ قالَ أَنتَ
فَلَيسَ لِلأَينِ مِنكَ أَينٌ
وَلَيسَ أَينٌ بِحَيثُ أَنتَ
وَلَيسَ لَلوَهمِ مِنكَ وَهمٌ
فَيَعلَمُ الوَهمُ أَينَ أَنتَ
أَنتَ الَّذي حُزتَ كُلَّ أَينٍ
بِنَحوِ لا أَينٍ فَأَينَ أَنتَ
فَفي فَنائي فَنا فَنائي
وَفي فَنائي وُجِدتَ أَنتَ
في مَحو اِسمي وَرَسمِ جِسمي
سَأَلتُ عَني فَقُلتُ أَنتَ
أَشمارُ سِرّي إِلَيكَ حَتّى
فَنَيتُ عَنّي وَدُمتَ أَنتَ
أَنتَ حَياتي وَسِرُّ قَلبي
فَحَيثُما كُنتُ كُنتَ أَنتَ
أَحَطتَ عِلماً بِكُلِّ شَيءٍ
فَكُلُّ شَيءٍ أَراهُ أَنتَ
فَمُنَّ بِالعَفوِ يا إِلَهي
فلَيسَ أَرجو سِواكَ أَنتَ.
قصيدة: أما والذي لدمي حلّلا
أَما وَالَّذي لِدَمي حَلَّلا
وَمَن خَصَّ أَهلَ الوَلا بِالبَلا
لَئِن ذُقتُ فيكَ كُؤوسَ الحِمام
لَما قَالَ قَلبي لِساقَيهِ لا
وَما كُنتُ مِمَّن تَشاكى الهَوى
وَلَو قَدَّني مَفصَلًا مِفصَلا
رَضيتُ وَحَقِّكَ كُلَّ الرِضا
إِذا كانَ يُرضيكَ أَن أُقتَلا
فَلا عَيبَ إِن مِتُّ مَوتَ الكِرامِ
كَما ماتَ في الحُبِّ مَن قَد خلا.
قصيدة: عقد النبوة مصباح من النور
عَقدُ النُبُوَّةِ مِصباحٌ مِنَ النورِ
مُعَلَّقُ الوَحيِ في مِشكاةِ تَأمورِ
بِاللَهِ يَنفُخُ نَفخَ الروحِ في خَلَدي
لِخاطِري نَفخَ إِسرافيلَ في الصورِ
إِذا تَجَلّى بِطَوري أَن يُكَلِّمَني
رَأَيتُ في غَيبَتي موسى عَلى الطورِ.
قصيدة: الكأس سهلت الشكوى
كَأسُ سَهَلتِ الشَكوى فَبُحتُ بِكُم
وَما عَلى الكَأسِ مِن شُرّابِها دَرَكُ
هَبني اِدَّعَيتُ بِأَنّي مُدنِفٌ سَقِمُ
فَما لِمَضجَعِ جَنبي كُلُّهُ حَسَكُ
هَجرٌ يَسوءُ وَوَصَلٌ لا أُسَرُّ بِهِ
مالي يَدورُ بِما لا أَشتَهي الفَلَكُ
فَكُلَّما زادَ دَمعي زادَني قَلَقًا
كَأَنَّني شَمعَةٌ تَبكي فَتَنسَبِكُ.
قصيدة: أنتم ملكتم فؤادي
أَنتُم مَلَكتُم فُؤادي
فَهِمتُ في كُلِّ وادِ
رُدّوا عَلَيَّ فُؤادي
فَقَد عَدِمتُ رُقادي
أَنا غَريبٌ وَحيدٌ
بِكُم يَطولُ اِنفِرادي.
قصيدة: أجريت فيك دموعي
رَيتُ فيكَ دُموعي
وَالدَمعُ مِنكَ إِلَيكَ
وَأَنتَ غايَةُ سُؤلي
وَالعَينُ وَسنى عَلَيكَ
فَإِن فَنى فيكَ بَعضي
حُفِظتُ منكَ لَدَيكَ.
قصيدة: جحودي لك تقديس
جُحودي لَكَ تَقديسُ
وَظَنّي فيكَ تَهويسُ
وَقَد حَيِّرَني حِبٌّ
وَطَرفٌ فيهِ تَقويسُ
وَقَد دَلَّ دَليلُ الحُب
بأَنَّ القُربَ تَلبيسُ
وَما آدَمُ إِلّاكَ
وَمَن في البَينِ إِبليسُ.