في أي سنة فرض الحج
متى فرض الحج؟
وردَت عدّة أقوال في العام الذي فرض الله -تعالى- فيه الحَجّ، نبين هذه الأقوال على النحو الآتي:
- فُرِض في العام الخامس من الهجرة، ومِمّن نقل ذلك أبو الفرج الجوزي، وعلى الرغم من أنّه فُرِض في العام الخامس من الهجرة، إلّا أنّ النبي -عليه الصلاة والسلام- خرج إلى مكّة في العام السابع للهجرة؛ لقضاء العمرة، وخرج في العام الثامن إلى مكّة فاتحاً، وبعثَ في العام التاسع قافلةً للحجّ، وجعل عليها أبا بكر الصدّيق -رضي الله عنه- أميراً، إلّا أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- حجّ في العام العاشر من الهجرة؛ أي أنّه أخَّرَه مدّة، ولم يخرج إلى الحجّ على الفور.
- نقل النوويّ أنّ الحجّ فُرِض في السنة السادسة للهجرة.
- قال ابن الرفعة إنّه فُرِض في السنة الثامنة للهجرة.
- قال الإمام ابن قيم الجوزية إنّه فُرِض في العام العاشر للهجرة.
- قال الجويني إنّه فُرِض قبل الهجرة، وذلك في كتابه (نهاية المطلب في دراية المذهب).
- قال الماوردي وابن عثيمين أنّ الحجّ فُرِض في العام التاسع من الهجرة؛ وأضاف ابن عثيمين أن مكّة كانت قبل ذلك تحت ولاية المشركين، وعندما فتح المسلمون مكّة في العام الثامن، مكثوا في مكّة شهر رمضان وأوائل شهر شوّال، ثمّ خرجوا لقتال ثقيف، وانتهى القتال في شهر ذي القعدة، فلم يُفرَض الحجّ إلّا في السنة التاسعة من الهجرة.
- وقد استدلّ من قال بهذا القول بأنّ آية وجوب الحجّ في القرآن الكريم نزلت في عام الوفود؛ أي في العام التاسع من الهجرة، وهي قوله -تعالى-: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا).
حكم الحجّ في الإسلام
الحجّ رُكن من أركان الإسلام، وهو فرضٌ على المسلم المستطيع مرّة واحدة في العمر؛ قال -تعالى-: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا)، وقد اتّفق الفقهاء على فرضيّته لورود الأدلّة على ذلك في الكتاب والسنّة.
وجاء في فرض الحج مرّة في العمر قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلم-: (أَيُّهَا النَّاسُ قدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الحَجَّ، فَحُجُّوا، فَقالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يا رَسولَ اللهِ؟ فَسَكَتَ حتَّى قالَهَا ثَلَاثًا، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: لو قُلتُ: نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَما اسْتَطَعْتُمْ).
وقد ينتقل حكم الحج من حكمه الأصلي -الوجوب لمرة واحدة- إلى أحكام أخرى نبينها على النحو الآتي:
- قد يكون الحجّ واجباً على المسلم أكثر من مرّة؛ كأن ينذر أن يحجّ، وبذلك يجب عليه الوفاء بالنَّذْر.
- وقد يكون الحجّ مُحرَّماً على المسلم؛ كأن يخرج إلى الحجّ بمالٍ حرام.
- وقد يكون مكروهاً، كأن يخرج إليه وأبواه في حاجة إلى مَن يخدمهما ونحوه.
الحكمة من فرضية الحج
الحجّ رُكن عظيم، وطاعة جليلة فَرَضها الله -تعالى- على عباده، وفي أداء مناسك الحج حِكَم ومنافع عديدة، منها ما يأتي:
- تعظيم شعائر الله -تعالى-؛ وهذا مقصد مُهمّ من مَقاصد الشريعة؛ قال -تعالى-: (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوب).
- تطهير الحاجّ من ذنوبه؛ بمغفرتها وتكفيرها له، فيرجع إلى وطنه نقيّاً من الذنوب كاليوم الذي وُلِد فيه؛ قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (مَن حَجَّ هذا البَيْتَ، فَلَمْ يَرْفُثْ، ولَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كما ولَدَتْهُ أُمُّهُ).
- مُضاعَفة أجر الصلاة في الحَرَم ، وفي ذلك منفعة عظيمة للمسلم؛ حيث تعدل الصلاة في المسجد الحرام مئة ألف صلاة فيما سواه؛ قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (صلاةٌ في المسجدِ الحرامِ أفضلُ من مائةِ ألفِ صلاةٍ فيما سواهُ).
- إبعاد الفقر عن الحاجّ وسلامته منه إذا تابع بين الحجّ والعمرة؛ قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (تابِعوا بينَ الحجِّ والعمرةِ ، فإنَّهما ينفِيانِ الفقرَ والذُّنوبَ).
- تحصيل منافع مادّية في الحَجّ؛ فقد أباح الله -تعالى- للحُجّاج التجارة في الحَجّ إن لم يكن ذلك يشغلهم عن حجّهم.
- تقوية روابط الأُخوّة الإسلاميّة والتعارف بين المسلمين القادمين من مختلف الأعراق والبُلدان، فتتجلّى مظاهر الوحدة الإسلاميّة والإخاء.