فوائد من خطبة حجة الوداع
فوائد من خُطبة حجّة الوداع
ترسيخ مبدأ المساواة والكرامة الإنسانيّة
قرّر النبيّ -عليه الصلاة والسلام- في خُطبة الوداع مبدأ المساواة بين الناس، دون التفريق بينهم على أيّ أساسٍ؛ سواء اللون، أو العِرْق، أو المكانة الاجتماعية؛ فالكلّ في ميزان الإسلام سواءٌ، لا تفرقة ولا تفاضُل بينهم إلّا بمعيارٍ واحدٍ؛ ألا وهو التقوى، وهو الذي أكّد عليه الله -تعالى- بقَوْله: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)؛ فالتقوى سبب الفلاح في الدُّنيا والآخرة، وهي سبيل نَيْل الحسنات، والرِّفعة في الدرجات، وهي تتحقّق في القلوب؛ بالاستجابة لأوامر الله -سبحانه-، والانتهاء عمّا نهى عنه، والالتزام بمَنهج الحقّ في الحياة؛ فالمكانة التي ينالها العبد يوم القيامة تكون بقَدْر التقوى المُتحقِّقة في قلبه، وممّا يُؤكّد ذلك قَوْل الله -تعالى-: (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ*فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ*وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَـئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ)، فالنَّسب لا يرفع درجة صاحبه، ولا يكون سبباً في دخول الجنّة، أو بلوغ درجاتها، وإنّما تقوى الله هي التي تنفعه.
كما ورد عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أنّه قال: (مَنْ بطَّأَ بهِ عملُهُ لمْ يُسرِعْ بهِ نسبُهُ)؛ أي أنّ النَّسَب لا يُحقِّق للعبد المنزلة التي سعى إليها فلم يَنَلها، بل ينال العبد المنزلة الرفيعة بما قدّمه من أعمالٍ، ممّا يؤكّد على أهميّة التقوى، والإيمان، والعمل الصالح في بلوغ ما يسعى إليه العبد من نَيْل رضى الله -سبحانه-، ودخول جنّته، وقد ترجم النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، وصحابته -رضي الله عنهم- مبدأ المساواة بين الناس واقعاً عمليّاً في حياتهم؛ فقد نَسَب النبيّ سلمان الفارسيّ إلى أهل بيته وآله الكرام، إذ قال: (سَلمانُ مِنَّا أَهلَ البيتِ)، كما عبّر عمر الفاروق -رضي لله عنه- عن تلك المعاني العظيمة في المساواة بين الخَلْق؛ إذ كان يقول قاصداً عِتْق أبي بكرٍ الصدِّيق لبلال بن رباح: "سيّدُنا أعتقَ سيّدَنا".
الفوائد المُتعلِّقة بالسِّلْم المجتمعيّ
أكّد النبيّ -عليه الصلاة والسلام- في خُطبة الوداع على حُرمة الاعتداء بأيّ شيءٍ على الدماء، والأموال، والأعراض؛ فهي مُحرَّمةٌ في الإسلام كحُرمة اليوم والشهر الذي يُؤدّون فيه مناسكهم، وحُرمة المكان المُجتمعين فيه لأداء شعائرهم؛ تحقيقاً للأمن، والأمان، والاستقرار في المجتمع، إذ أكّد النبيّ على كلٍّ من:
- حُرمة النفس والدم: فلا يجوز بحالٍ من الأحوال قَتْل إنسانٍ، بغضّ النظر عن دِينه، أو عِرقه؛ فحُرمة الدم مُصانةٌ في الدِّين، قال -تعالى-: (وَلا تَقتُلُوا النَّفسَ الَّتي حَرَّمَ اللَّـهُ إِلّا بِالحَقِّ)، وعُدَّ قَتْل الإنسان كقَتْل البشريّة كاملةً، قال -سبحانه-: (مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا)، كما كان لدَمِ الإنسان خصوصيّةٌ، فحُرِّم الاعتداء عليه بأيّ صورةٍ؛ لِما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- من أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (كلُّ المُسْلِمِ علَى المُسْلِمِ حَرامٌ، دَمُهُ، ومالُهُ، وعِرْضُهُ)، فإن حُفِظت النفوس والدماء، فإنّ الناس يأمنون على أرواحهم، ويسود السِّلم والأمن في المجتمع، فلا يجرؤ أحدٌ على إيذاء أحدٍ، أو إزهاق رُوحه.
- حُرمة الأعراض: أكّد النبيّ -عليه الصلاة والسلام- في خُطبة الوداع على حُرمة الأعراض ؛ فلا يحلّ لعبدٍ أن ينال من عِرض أخيه، ولا أن يتّهم أحدهم بالفاحشة؛ ولذلك عدَّ الإسلام ارتكاب الزنا كبيرةً من كبائر الذنوب، وكذلك القذف، قال -تعالى-: (وَلا تَقرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبيلًا)، وأخرج الإمام البخاريّ في الصحيح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ قالوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، وَما هُنَّ؟ قالَ: الشِّرْكُ باللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بالحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَومَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلَاتِ).
- حُرمة الأموال: بيّن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- حُرمة الاعتداء على أموال الآخرين ، والتعرّض لها؛ سواء كان ذلك بالسرقة، أو الغصب، أو الاحتيال، أو غيره؛ فالمال مُصانٌ كصيانة العِرض والنفس، قال -تعالى-: (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)، فلا يحلّ الأخذ من مال الآخرين إلّا بطِيب نَفسٍ منهم؛ فمن اعتدى على ماله أخيه دون وجه حقٍّ، فقد ظلمه ظلماً كبيراً، يُؤيّد ذلك ما ثبت في الصحيح عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: (عَنْ أبِي سَلَمَةَ بنِ عبدِ الرَّحْمَنِ، وكَانَتْ، بيْنَهُ وبيْنَ أُنَاسٍ خُصُومَةٌ في أرْضٍ، فَدَخَلَ علَى عَائِشَةَ فَذَكَرَ لَهَا ذلكَ، فَقالَتْ: يا أبَا سَلَمَةَ، اجْتَنِبِ الأرْضَ، فإنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: مَن ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ طُوِّقَهُ مِن سَبْعِ أرَضِينَ)، فإذا حُفِظت حقوق الآخرين، تحقّقت معاني الأخوّة والمساواة بينهم، وأُزِيلت أسباب الخلاف والشحناء.
الاهتمام بحقوق المرأة
جعل النبيّ -عليه الصلاة والسلام- للنساء حظّاً وافراً من الاهتمام والعناية التي تجلّت في كلماته في خُطبة الوداع؛ فقد أوصى الرجال بهنّ خيراً، ودعا إلى الإحسان إليهنّ في المعاملة، وإعطائهنّ حقوقهنّ كاملةً دون مَنٍّ، أو أذىً، والإنفاق عليهنّ، وكسوتهنّ، ومعاشرتهنّ بالمعروف، كما ثبت في الصحيح أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (واسْتَوْصُوا بالنِّساءِ خَيْرًا، فإنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِن ضِلَعٍ، وإنَّ أعْوَجَ شيءٍ في الضِّلَعِ أعْلاهُ، فإنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وإنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أعْوَجَ، فاسْتَوْصُوا بالنِّساءِ خَيْرًا)، وبذلك فإنّ للمرأة مكانتها الرفيعة؛ إكراماً، وعنايةً، وتقديراً لها على صنيعها، وقد بيّن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أسباب الوصيّة بالنساء؛ فالزوجة أمانةٌ عند زوجها؛ إذ أُحِلّت له بشريعة الله، قال -تعالى-: (فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ).
فوائد مُتعلِّقةٌ بتقويم السلوكيّات
إبطال الربا
تطرّق النبيّ -عليه الصلاة والسلام- إلى عادات الجاهليّة في خُطبة الوداع، ومنها: الربا ، وقد بيّن النبيّ إبطال تلك الممارسات في الإسلام، وأوّل ما وضعه النبيّ من الأموال مال عمّه العباس بن عبد المطّلب، ولا شكّ بأنّ النبيّ أراد أن يُوصل إلى المسلمين رسالةً عظيمةً فيما أُحِلّ لهم، وما حُرِّم عليهم من المعاملات الماليّة، مُؤكِّداً على حُرمة الربا الذي كان يتعامل به أهل الجاهليّة ؛ قال -تعالى- واصفاً حال مَن يأكلون الربا: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّـهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّـهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ).
الحَثّ على ترك العادات الجاهليّة
أبطل النبيّ -عليه الصلاة والسلام- عادات الجاهليّة ؛ باعتبار فسادها، وعدم صلاحيّتها، ومن العادات الباطلة الموضوعة: الثأر للدماء، والتفاخُر بالنَّسَب، والتعالي على الناس، ووَأْد البنات، وقد وضع النبيّ -عليه الصلاة والسلام- دم ابن ربيعة الحارث بن عبد المطّلب الذي قُتِل على يد قبيلة هُذيل.
خُطبة حجّة الوداع
وقف النبيّ -عليه الصلاة والسلام- خطيباً بجُموع المسلمين يوم حجّة الوداع؛ يُذكّرهم بمبادىء دِينهم، وسماحة شريعتهم، وأراد النبيّ أن يُوصي أمّته بجملةٍ من الوصايا؛ لتكون على بصيرةٍ من أمرها؛ فلا تخالف الصراط بعده، ولا تَحيد عن النَّهج القويم الذي أرسى دعائمه، وقد أشعر النبيّ -عليه الصلاة والسلام- المسلمين بأنّ تلك اللحظات التي يلتقيهم فيها ما هي إلّا لحظات المُودِّع لدُنياه، المُفارق لجماعته؛ إذ خاطبهم بعبارةٍ تستدعي انتباههم، فقال: (لعلّي لا ألقاكم بعد عامي هذا).
ولذلك فإنّ خُطبة الوداع كانت بمثابة الرسالة المُوجَّهة إلى البشرية جمعاء، بأجيالها المُتتابعة، والتي أرسى فيها رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- دعائم الحقّ والعدالة، ودعا فيها إلى التسامح والمحبّة، ورسَّخ فيها معانٍ خالدةٍ لا تتغيّر بتغيُّر الأزمان، فكانت خطبته جامعةً لوجوه الخير، وفضائل الأعمال، وأظهر فيها -عليه الصلاة والسلام- شفقته على أمّته، مُبيّناً أداء الأمانة التي أوكله الله بها، وتبليغه الرسالة التي حملها، فكانت كلمات خُطبة الوداع كلمات حَقٍّ صدرت من نبيٍّ مُرسَلٍ مُبلِّغٍ للوحي من ربّه، قال -تعالى-: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى*إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى).
وقد ثبتت خُطبة الوداع فيما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن جابر بن عبدالله -رضي الله عنه- من أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال في خُطبة الوداع : (إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ علَيْكُم، كَحُرْمَةِ يَومِكُمْ هذا في شَهْرِكُمْ هذا، في بَلَدِكُمْ هذا، أَلَا كُلُّ شيءٍ مِن أَمْرِ الجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ، وَدِمَاءُ الجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ، وإنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِن دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بنِ الحَارِثِ، كانَ مُسْتَرْضِعًا في بَنِي سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ، وَرِبَا الجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا رِبَا عَبَّاسِ بنِ عبدِ المُطَّلِبِ، فإنَّه مَوْضُوعٌ كُلُّهُ، فَاتَّقُوا اللَّهَ في النِّسَاءِ، فإنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بأَمَانِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بكَلِمَةِ اللهِ، وَلَكُمْ عليهنَّ أَنْ لا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فإنْ فَعَلْنَ ذلكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غيرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ علَيْكُم رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بالمَعروفِ، وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ ما لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إنِ اعْتَصَمْتُمْ به، كِتَابُ اللهِ، وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي، فَما أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟ قالوا: نَشْهَدُ أنَّكَ قدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ، فَقالَ: بإصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ، يَرْفَعُهَا إلى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إلى النَّاسِ اللَّهُمَّ، اشْهَدْ، اللَّهُمَّ، اشْهَدْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ).
أهمية التّمسك بأصول الدين وضرورة تبليغ الرسالة
ضرورة التمسُّك بكتاب الله وسُنّة نبيّه
حَثّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أمّته في خُطبة الوداع على ضرورة التمسُّك بأصول الوحي المُتمثّلة بكتاب الله وسُنّة نبيّه؛ مُبيِّناً أنّ التمسُّك والامتثال بما ورد فيهما سبيل الفلاح والنجاة في الدُّنيا والآخرة، وسبيل الهداية والخير؛ ولذلك يجدر بالمسلم الإيمان بهما، وتعظيمهما، وإجلالهما، والاعتقاد بوجوب الالتزام بما ورد فيهما، واتِّباع النبيّ- عليه الصلاة والسلام-، قال -تعالى-: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)؛ فالكتاب والسنّة يمثّلان الشريعة الكاملة، والمَنهج الربانيّ المحفوظ من التحريف والتغيير؛ فقد عالجت شريعة القرآن والسنّة جوانب حياة الفرد جميعها؛ من ناحية العقيدة والعبادة والسّلوك، ولم تُغفِل أيّ مظهر من مظاهر الحياة؛ سواء الاجتماعية، أو السياسية، أو الاقتصادية إلّا ووضعت له المنهج القويم، والعلاج السليم، ويكون التمسُّك بتلك الأصول من خلال امتثال ما جاءت به من الأوامر والنواهي، واليقين بأنّ الأخذ بتلك الأصول سبيل النُّصرة والعِزّة، قال -تعالى-: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا).
أهمّية البلاغ
تضمّنت خُطبة الوداع تأكيداً على أهميّة التبليغ؛ كوسيلةٍ من وسائل نَشر الدعوة الإسلاميّة ، وقد بيّن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- تلك الأهميّة؛ حينما أمر مَن شَهِد خطبته، وسَمِع كلامه بتبليغ مَن كان غائباً عنها؛ فلعلّ المُبلَّغَ يكون أوعى من السامع.