أشعار المتنبي عن الحب
قصيدة الحبّ ما منع الكلام الألسنا
الحبّ ما منع الكلام الألسنا
- وألذّ شكوى عاشق ما أعلنا
ليت الحبيب الهاجري هجر الكرى
- من غير جرم واصلي صلة الضّنى
بتنا ولو حلّيتنا لم تدر ما
- ألواننا ممّا استفعن تلوّنا
وتوقّدت أنفاسنا حتى لقد
- أشفقت تحترق العواذل بيننا
أفدي المودّعة التي أتبعتها
- نظراً فرادى بين زفرات ثنا
أنكرت طارقة الحوادث مرّةً
- ثمّ اعترفت بها فصارت ديدنا
وقطعت في الدّنيا الفلا وركائبي
- فيها ووقتيّ الضّحى والموهنا
فوقفت منها حيث أوقفني النّدى
- وبلغت من بدر بن عمّار المنى
لأبي الحسين جداً يضيق وعاؤه
- عنه ولو كان الوعاء الأزمنا
وشجاعةٌ أغناه عنها ذكرها
- ونهى الجبان حديثها أن يجبنا
نيطت حمائله بعاتق محرب
- ما كرّ قطّ وهل يكرّ وما کنثنى
فكأنّه والطّعن من قدّامه
- متخوّفٌ من خلفه أن يطعنا
نفت التّوهّم عنه حدّة ذهنه
- فقضى على غيب الأمور تيقّنا
يتفزّع الجبّار من بغتاته
- فيظلّ في خلواته متكفّنا
أمضى إرادته فسوف له قدٌ
- واستقرب الأقصى فثمّ له هنا
يجد الحديد على بضاضة جلده
- ثوباً أخفّ من الحرير وألينا
وأمرّ من فقد الأحبّة عنده
- فقد السّيوف الفاقدات الأجفنا
لا يستكنّ الرّعب بين ضلوعه
- يوماً ولا الإحسان أن لا يحسنا
مستنبطٌ من علمه ما في غد
- فكأنّ ما سيكون فيه دوّنا
تتقاصر الأفهام عن إدراكه
- مثل الذي الأفلاك فيه والدّنى
من ليس من قتلاه من طلقائه
- من ليس ممّن دان ممّن حيّنا
لمّا قفلت من السّواحل نحونا
- قفلت إليها وحشةٌ من عندنا
أرج الطّريق فما مررت بموضع
- إلاّ أقام به الشّذا مستوطنا
لو تعقل الشّجر التي قابلتها
- مدّت محيّيةً إليك الأغصنا
سلكت تماثيل القباب الجنّ من
- شوق بها فأدرن فيك الأعينا
طربت مراكبنا فخلنا أنّها
- لولا حياءٌ عاقها رقصت بنا
أقبلت تبسم والجياد عوابسٌ
- يخببن بالحلق المضاعف والقنا
عقدت سنابكها عليها عثيراً
- لو تبتغي عنقاً عليه لأمكنا
والأمر أمرك والقلوب خوافقٌ
- في موقف بين المنيّة والمنى
فعجبت حتى ما عجبت من الظّبى
- ورأيت حتى ما رأيت من السّنى
إنّي أراك من المكارم عسكراً
- في عسكر ومن المعالي معدنا
فطن الفؤاد لما أتيت على النّوى
- ولما تركت مخافةً أن تفطنا
أضحى فراقك لي عليه عقوبةً
- ليس الذي قاسيت منه هيّنا
فاغفر فدًى لك واحبني من بعدها
- لتخصّني بعطيّة منها أنا
وانه المشير عليك فيّ بضلّة
- فالحرّ ممتحنٌ بأولاد الزّنى
وإذا الفتى طرح الكلام معرّضاً
- في مجلس أخذ الكلام اللّذ عنى
ومكايد السّفهاء واقعةٌ بهم
- وعداوة الشّعراء بئس المقتنى
لعنت مقارنة اللّئيم فإنّها
- ضيفٌ يجرّ من النّدامة ضيفنا
غضب الحسود إذا لقيتك راضياً
- رزءٌ أخفّ عليّ من أن يوزنا
أمسى الذي أمسى بربّك كافراً
- من غيرنا معنا بفضلك مؤمنا
خلت البلاد من الغزالة ليلها
- فأعاضهاك الله كي لا تحزنا
قصيدة لعينيك ما يلقى الفؤاد وما لقي
لعينيك ما يلقى الفؤاد وما لقي
- وللحبّ ما لم يبق منّي وما بقي
وما كنت ممّن يدخل العشق قلبه
- ولكنّ من يبصر جفونك يعشق
وبين الرّضى والسّخط والقرب والنّوى
- مجالٌ لدمع المقلة المترقرق
وأحلى الهوى ما شكّ في الوصل ربّه
سقى الله أيّام الصّبى ما يسرّها
- ويفعل فعل البابليّ المعتّق
إذا ما لبست الدّهر مستمتعاً به
- تخرّقت والملبوس لم يتخرّق
ولم أر كالألحاظ يوم رحيلهم
- بعثن بكلّ القتل من كلّ مشفق
أدرن عيوناً حائرات كأنّها
- مركّبةٌ أحداقها فوق زئبق
عشيّة يعدونا عن النّظر البكا
- وعن لذّة التّوديع خوف التّفرّق
نودّعهم والبين فينا كأنّه
- قنا ابن أبي الهيجاء في قلب فيلق
قواض مواض نسج داود عندها
- إذا وقعت فيه كنسج الخدرنق
هواد لأملاك الجيوش كأنّها
- تخيّر أرواح الكماة وتنتقي
تقدّ عليهم كلّ درع وجوشن
- وتفري إليهم كلّ سور وخندق
يغير بها بين اللّقان وواسط
- ويركزها بين الفرات وجلّق
ويرجعها حمراً كأنّ صحيحها
- يبكّي دماً من رحمة المتدقّق
فلا تبلغاه ما أقول فإنّه
- شجاعٌ متى يذكر له الطّعن يشتق
ضروبٌ بأطراف السّيوف بنانه
- لعوبٌ بأطراف الكلام المشقّق
كسائله من يسأل الغيث قطرةً
- كعاذله من قال للفلك ارفق
لقد جدت حتى جدت في كلّ ملّة
- وحتى أتاك الحمد من كلّ منطق
رأى ملك الرّوم ارتياحك للنّدى
- فقام مقام المجتدي المتملّق
وخلّى الرّماح السّمهريّة صاغراً
- لأدرب منه بالطّعان وأحذق
وكاتب من أرض بعيد مرامها
- قريب على خيل حواليك سبّق
وقد سار في مسراك منها رسوله
- فما سار إلاّ فوق هام مفلّق
فلمّا دنا أخفى عليه مكانه
- شعاع الحديد البارق المتألّق
وأقبل يمشي في البساط فما درى
- إلى البحر يسعى أم إلى البدر يرتقي
ولم يثنك الأعداء عن مهجاتهم
- بمثل خضوع في كلام منمّق
وكنت إذا كاتبته قبل هذه
- كتبت إليه في قذال الدّمستق
فإن تعطه منك الأمان فسائلٌ
- وإن تعطه حدّ الحسام فأخلق
وهل ترك البيض الصّوارم منهم
- حبيساً لفاد أو رقيقاً لمعتق
لقد وردوا ورد القطا شفراتها
- ومرّوا عليها رزدقاً بعد رزدق
بلغت بسيف الدّولة النّور رتبةً
- أنرت بها ما بين غرب ومشرق
إذا شاء أن يلهو بلحية أحمق
- أراه غباري ثمّ قال له الحق
وما كمد الحسّاد شيءٌ قصدته
- ولكنّه من يزحم البحر يغرق
ويمتحن النّاس الأمير برأيه
- ويغضي على علم بكلّ ممخرق
وإطراق طرف العين ليس بنافع
- إذا كان طرف القلب ليس بمطرق
فيا أيّها المطلوب جاوره تمتنع
- ويا أيّها المحروم يمّمه ترزق
ويا أجبن الفرسان صاحبه تجترئ
- ويا أشجع الشجعان فارقه تفرق
إذا سعت الأعداء في كيد مجده
- سعى جدّه في كيدهم سعي محنق
وما ينصر الفضل المبين على العدى
- إذا لم يكن فضل السّعيد الموفّق
قصيدة واحرّ قلباه ممّن قلبه شبم
واحرّ قلباه ممّن قلبه شبم
- ومن بجسمي وحالي عنده سقم
ما لي أكتّم حبّاً قد برى جسدي
- وتدّعي حبّ سيف الدّولة الأمم
إن كان يجمعنا حبٌّ لغرّته
- فليت أنّا بقدر الحبّ نقتسم
قد زرته وسيوف الهند مغمدةٌ
- وقد نظرت إليه والسّيوف دم
فكان أحسن خلق الله كلّهم
- وكان أحسن ما في الأحسن الشّيم
فوت العدوّ الذي يمّمته ظفرٌ
- في طيّه أسفٌ في طيّه نعم
قد ناب عنك شديد الخوف واصطنعت
- لك المهابة ما لا تصنع البهم
ألزمت نفسك شيئاً ليس يلزمها
- أن لا يواريهم أرضٌ ولا علم
أكلّما رمت جيشاً فانثنى هرباً
- تصرّفت بك في آثاره الهمم
عليك هزمهم في كلّ معترك
- وما عليك بهم عارٌ إذا انهزموا
أما ترى ظفراً حلواً سوى ظفر
- تصافحت فيه بيض الهند واللّمم
يا أعدل النّاس إلاّ في معاملتي
- فيك الخصام وأنت الخصم والحكم
أعيذها نظرات منك صادقةً
- أن تحسب الشّحم فيمن شحمه ورم
وما انتفاع أخي الدّنيا بناظره
- إذا استوت عنده الأنوار والظّلم
سيعلم الجمع ممّن ضمّ مجلسنا
- بأنّني خير من تسعى به قدم
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي
- وأسمعت كلماتي من به صمم
أنام ملء جفوني عن شواردها
- ويسهر الخلق جرّاها ويختصم
وجاهل مدّه في جهله ضحكي
- حتى أتته يدٌ فرّاسةٌ وفم
إذا رأيت نيوب اللّيث بارزةً
- فلا تظنّنّ أنّ اللّيث يبتسم
ومهجة مهجتي من همّ صاحبها
- أدركتها بجواد ظهره حرم
رجلاه في الرّكض رجلٌ واليدان يدٌ
- وفعله ما تريد الكفّ والقدم
ومرهف سرت بين الجحفلين به
- حتى ضربت وموج الموت يلتطم
الخيل واللّيل والبيداء تعرفني
- والسّيف والرّمح والقرطاس والقلم
صحبت في الفلوات الوحش منفرداً
- حتى تعجّب مني القور والأكم
يا من يعزّ علينا أن نفارقهم
- وجداننا كلّ شيء بعدكم عدم
ما كان أخلقنا منكم بتكرمة
- لو أنّ أمركم من أمرنا أمم
إن كان سرّكم ما قال حاسدنا
- فما لجرح إذا أرضاكم ألم
وبيننا لو رعيتم ذاك معرفةٌ
- إنّ المعارف في أهل النّهى ذمم
كم تطلبون لنا عيباً فيعجزكم
- ويكره الله ما تأتون والكرم
ما أبعد العيب والنّقصان من شرفي
- أنا الثّريّا وذان الشّيب والهرم
ليت الغمام الذي عندي صواعقه
- يزيلهنّ إلى من عنده الدّيم
أرى النّوى يقتضيني كلّ مرحلة
- لا تستقلّ بها الوخّادة الرّسم
لئن تركن ضميراً عن ميامننا
- ليحدثنّ لمن ودّعتهم ندم
إذا ترحّلت عن قوم وقد قدروا
- أن لا تفارقهم فالرّاحلون هم
شرّ البلاد مكانٌ لا صديق به
- وشرّ ما يكسب الإنسان ما يصم
وشرّ ما قنّصته راحتي قنصٌ
- شهب البزاة سواءٌ فيه والرّخم
بأيّ لفظ تقول الشّعر زعنفةٌ
- تجوز عندك لا عربٌ ولا عجم
هذا عتابك إلاّ أنّه مقةٌ
- قد ضمّن الدّرّ إلاّ أنّه كلم
قصيدة أتظعَنُ يا قلبُ مع من ظعَنْ
أتظعَنُ يا قلبُ مع من ظعَنْ
- حَبيبَينِ أندُبُ نفسي إذَنْ
ولم لا أصابُ وحربُ البسو
- سِ بينَ جفوني وبينَ الوسَن
وهل أنا بعدَكُم عائشٌ
- وقد بنتَ عنّي وبانَ السكَن
فدى ذلكَ الوجه بدرُ الدجى
- وذاك التثنّي تثنّي الغُصُن
فما للفراق وما للجميع
- وما للرياح وما للدِمَن
كأنْ لم يكن بعد أن كان لي
- كما كان لي بعد أن لم يكُن
ولم يسقني الراح ممزوجَةً
- بماءِ اللِّثَى لا بماءِ المُزَن
لها لونُ خدّيهِ في كفِّهِ
- وريحُكَ يا أحمدَ بنَ الحسَن
ألَم يُلفِكَ الشرفُ اليعرُبيّ
- وأنتَ غريبَةُ أهل الزَمَن
كأنَّ المحاسنَ غارَت عليكَ
- فسَلَّت لدَيكَ سُيوفَ الفِتَن
لَذِكرُكَ أطيبُ من نشرِها
- ومدحُكَ أحلى سماعِ الأُذُن
فَلَم يَرَكَ الناسُ إلا غنوا
- برُؤياكَ عن قولِ هذا ابنُ مَن
ولو قُصِدَ الطفلُ من طَيّئٍ
- لشاركَ قاصِدُهُ في اللبَن
فما البَحرُ في البرِّ إلا نداكَ
- وما الناسُ في الباسِ إلا اليمَن
قصيدة لا تَحسَبوا رَبعَكُم وَلا طَلَلَه
لا تَحسَبوا رَبعَكُم وَلا طَلَلَه
- أَوَّلَ حَيٍّ فِراقُكُم قَتَلَه
قَد تَلِفَت قَبلَهُ النُفوسُ بِكُم
- وَأَكثَرَت في هَواكُمُ العَذَلَه
خَلا وَفيهِ أَهلٌ وَأَوحَشَنا
- وَفيهِ صِرمٌ مُرَوِّحٌ إِبِلَه
لَو سارَ ذاكَ الحَبيبُ عَن فَلَكٍ
- ما رَضِيَ الشَمسَ بُرجُهُ بَدَلَه
أُحِبُّهُ وَالهَوى وَأَدأُرَهُ
- وَكُلُّ حُبٍّ صَبابَةٌ وَوَلَه
يَنصُرُها الغَيثُ وَهيَ ظامِئَةٌ
- إِلى سِواهُ وَسُحبُها هَطِلَه
واحَرَبا مِنكِ يا جَدايَتَها
- مُقيمَةً فَاِعلَمي وَمُرتَحِلَه
لَو خُلِطَ المِسكُ وَالعَبيرُ بِها
- وَلَستِ فيها لَخِلتُها تَفِلَه
أَنا اِبنُ مَن بَعضُهُ يَفوقُ أَبا ال
- باحِثِ وَالنَجلُ بَعضُ مَن نَجَلَه
وَإِنَّما يَذكُرُ الجُدودَ لَهُم
- مَن نَفَروهُ وَأَنفَدوا حِيَلَه
فَخراً لِعَضبٍ أَروحُ مُشتَمِلَه
- وَسَمهَرِيٍّ أَروحُ مُعتَقَلَه
وَليَفخَرِ الفَخرُ إِذ غَدَوتُ بِهِ
- مُرتَدِياً خَيرَهُ وَمُنتَعِلَه
أَنا الَّذي بَيَّنَ الإِلَهُ بِهِ ال
- أَقدارَ وَالمَرءُ حَيثُما جَعَلَه
جَوهَرَةٌ يَفرَحُ الكِرامُ بِها
- وَغُصَّةٌ لا تُسيغُها السَفِلَه
إِنَّ الكِذابَ الَّذي أَكادُ بِهِ
- أَهوَنُ عِندي مِنَ الَّذي نَقَلَه
فَلا مُبالٍ وَلا مُداجٍ وَلا
- وانٍ وَلا عاجِزٌ وَلا تُكَلَه
وَدارِعٍ سِفتُهُ فَخَرَّ لَقىً
- في المُلتَقى وَالعَجاجِ وَالعَجَلَه
وَسامِعٍ رُعتُهُ بِقافِيَةٍ
- يَحارُ فيها المُنَقِّحُ القُوَلَه
وَرُبَّما أُشهِدُ الطَعامَ مَعي
- مَن لا يُساوي الخُبزَ الَّذي أَكَلَه
وَيُظهِرُ الجَهلَ بي وَأَعرِفُهُ
- وَالدُرُّ دُرٌّ بِرَغمِ مَن جَهِلَه
مُستَحيِياً مِن أَبي العَشائِرِ أَن
- أَسحَبَ في غَيرِ أَرضِهِ حُلَلَه
أَسحَبُها عِندَهُ لَدى مَلِكٍ
- ثِيابُهُ مِن جَليسِهِ وَجِلَه
وَبيضُ غِلمانِهِ كَنائِلِهِ
- أَوَّلُ مَحمولِ سَيبِهِ الحَمَلَه
ما لِيَ لا أَمدَحُ الحُسَينَ وَلا
- أَبذُلُ مِثلَ الوُدِّ الَّذي بَذَلَه
أَأَخفَتِ العَينُ عِندَهُ خَبَراً
- أَم بَلَغَ الكَيذُبانُ ما أَمَلَه