أشعار الجاهلية
قصيدة طرب الفؤاد وليته لم يطرب
يقول لبيد بن ربيعة :
طربَ الفؤادُ وليتهُ لمْ يطربِ
- وعَناهُ ذِكْرَى خُلَّةٍ لَمْ تَصْقَبِ
سَفهاً وَلَوْ أنّي أطَعْتُ عَواذِلي
- فيما يُشِرْنَ بهِ بسَفْحِ المِذْنَبِ
لزجرْتُ قَلْباً لا يَريعُ لزاجِرٍ
- إنَّ الغويَّ إذا نهي لمْ يعتبِ
فتعزَّ عنْ هذا وقلْ في غيرِهِ
- واذكرْ شمائلَ مِنْ أخيكَ المنجبِ
يا أربدَ الخيرِ الكريمَ جدودهُ
- أفرَدتَني أمْشي بقَرْنٍ أعْضَبِ
إنَّ الرزيةَ لا رزيّةَ مثلهَا
- فقدانُ كلِّ أخٍ كضوءِ الكوكبِ
ذهبَ الذينَ يعاشُ في أكنافهمْ
- وبَقيتُ في خَلْفٍ كجِلدِ الأجرَبِ
لا ينفعون ولا يرجى خيرهم
- وَيُعاَبُ قائِلُهُمْ وإن لَمْ يَشْغَبِ
ولقدْ أراني تارةً منْ جعفرٍ
- في مثلِ غيثِ الوابلِ المتحلّبِ
مِنْ كُلِّ كَهْلٍ كالسِّنَانِ وسَيِّدٍ
- صعبِ المقادة كالفنيقِ المصعبِ
منْ معشرٍ سنّتْ لهمْ آباؤهمْ
- والعزُّ قدْ يأتي بغيرِ تطلبِ
قبرَى عظاميَ بعدَ لحميَ فقدُهم
- و الدَّهرُ إنْ عاتَبْتُ لَيسَ بمُعْتِبِ
قصيدة ألا ليت شعري هل يرى الناس ما أرى
يقول زهير بن أبي سلمى :
ألا ليت شعري: هل يرى الناسُ ما أرى
- من الأمْرِ أوْ يَبدو لهمْ ما بَدا لِيَا؟
بَدا ليَ أنَ النّاسَ تَفنى نُفُوسُهُمْ
- وأموالهمْ ولا أرَى الدهرَ فانيا
وإنِّي متى أهبطْ من الأرضِ تلعة
- أجدْ أثراً قبلي جديداً وعافياً
أراني إذا ما بتُّ بتُّ على هوًى
- فثمَّ إذا أصبحتُ أصبحتُ غاديا
إلى حُفْرَة أُهْدَى إليْها مُقِيمَة
- يَحُثّ إليها سائِقٌ من وَرَائِيا
كأني وقد خلفتُ تسعينَ حجةً
- خلعتُ بها عن منكبيَّ ردائيا
بَدا ليَ أنّ اللَّهَ حَقٌّ فَزادَني
- إلى الحَقّ تَقوَى اللَّهِ ما كانَ بادِيَا
بدا ليَ أني لَستُ مُدْرِكَ ما مَضَى
- ولا سابِقاً شَيْئاً إذا كان جائِيَا
وما إن أرى نفسي تقيها كريمتي
- وما إن تقي نفسي كريمةَ ماليا
ألا لا أرى على الحَوَادثِ باقِياً
- ولا خالِداً إلاّ الجِبالَ الرّواسِيَا
وإلّا السّماءَ والبِلادَ وَرَبَّنَا
- وأيّامَنَا مَعْدُودَة واللّيالِيَا
أراني إذا ما شئتُ لاقيتُ آية
تذكرني بعضَ الذي كنتُ ناسيا
- ألم ترَ أنَّ الله أهلكَ تبعاً
وأهلكَ لقمانَ بنَ عادٍ وعاديا
- وأهلكَ ذا القرنينِ من قبلِ ما ترى
و فرعونَ أردى جندهُ والنجاشيا
- ألا لا أرَى ذا إمّةٍ أصْبَحَتْ بِهِ
فتَترُكُهُ الأيّامُ وهْيَ كما هيا
- مِنَ الشّرّ لو أنّ امرأً كان ناجِيا
من العيشِ لو أنّ أمرأً كانَ ناجيا
قصيدة كليني لهمٍ يا أميمة ناصبِ
يقول النابغة الذبياني :
كليني لهمٍ يا أميمة ناصبِ
- وليلٍ أقاسيهِ بطيءِ الكواكبِ
تطاولَ حتى قلتُ ليسَ بمنقضٍ
- وليسَ الذي يرعى النجومَ بآيبِ
و صدرٍ أراحَ الليلُ عازبَ همهِ
- تضاعَفَ فيه الحزْنُ من كلّ جانبِ
عليَّ لعمرو نعمةٌ بعد نعمة
- لوالِدِه ليست بذاتِ عَقارِبِ
حَلَفْتُ يَميناً غيرَ ذي مَثْنَوِيّة
- ولا علمَ إلا حسنُ ظنٍ بصاحبِ
لئِن كانَ للقَبرَينِ: قبرٍ بجِلّقٍ
- وقبرٍ بصَيداء الذي عندَ حارِبِ
وللحارِثِ الجَفْنيّ سيّدِ قومِهِ
- لَيَلْتَمِسَنْ بالجَيْشِ دارَ المُحارِبِ
وثقتُ له النصرِ إذ قيلَ قد غزتْ
- كتائبُ منْ غسانَ غيرُ أشائبِ
بنو عمه دنيا وعمرو بنُ عامرٍ
- أولئِكَ قومٌ بأسُهُم غيرُ كاذبِ
إذا ما غزوا بالجيشِ حلقَ فوقهمْ
- عَصائبُ طَيرٍ تَهتَدي بعَصائبِ
يُصاحِبْنَهُمْ حتى يُغِرْنَ مُغارَهم
- مِنَ الضّارياتِ بالدّماءِ الدّوارِبِ
تراهنّ خلفَ القوْمِ خُزْراً عُيُونُها
- جُلوسَ الشّيوخِ في ثيابِ المرانِبِ
جوَانِحَ قد أيْقَنّ أنّ قَبيلَهُ
- إذا ما التقى الجمعانِ أولُ غالبِ
لُهنّ علَيهِمْ عادةٌ قد عَرَفْنَها إذا
- عرضَ الخطيّ فوقَ الكواثبِ
على عارفاتٍ للطعانِ عوابسٍ
- بهنّ كلومٌ بين دامٍ وجالبِ
إذا استُنزِلُوا عَنهُنّ للطّعنِ أرقلوا
- إلى الموتِ إرقالَ الجمالِ المصاعبِ
فهمْ يتساقونَ المنيةَ بينهمْ
- بأيديهمُ بيضٌ رقاق المضاربِ
يطيرُ فضاضاً بينها كلُّ قونسٍ
- ويتبَعُها مِنهُمْ فَراشُ الحواجِبِ
ولا عَيبَ فيهِمْ غيرَ أنّ سُيُوفَهُمْ
- بهنّ فلولٌ منْ قراعِ الكتائبِ
تورثنَ منْ أزمانِ يومِ حليمة
- إلى اليومِ قد جربنَ كلَّ التجاربِ
تَقُدّ السَّلُوقيَّ المُضاعَفَ نَسْجُهُ
- وتُوقِدُ بالصُّفّاحِ نارَ الحُباحِبِ
بضَرْبٍ يُزِيلُ الهامَ عن سَكَناتِهِ
- وطعنٍ كإيزاغِ المخاضِ الضواربِ
لهمٌ شيمةٌ لم يعطها اللهُ غيرهمْ
- منَ الجودِ والأحلامُ غيرُ عَوازِبِ
محلتهمْ ذاتُ الإلهِ ودينهمْ قويمٌ
- فما يرجونَ غيرَ العواقبِ
رقاقُ النعالِ طيبٌ حجزاتهمْ
- يُحيَوّنْ بالريحانِ يومَ السبَّاسِبِ
قصيدة لخولة أطلال ببرقة ثهمد
يقول طرفة بن العبد :
لِخَولة أطْلالٌ بِبُرقَةِ ثَهمَدِ
- تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليدِ
وُقوفاً بِها صَحبي عَلَيَّ مَطيَّهُم
- يَقولونَ لا تَهلِك أَسىً وَتَجَلَّدِ
كَأَنَّ حُدوجَ المالِكيَّةِ غُدوَةً
- خَلايا سَفينٍ بِالنَواصِفِ مِن دَدِ
عدولية أو من سفين ابن يامنٍ
- يجورُ بها المَّلاح طوراً ويهتدي
يشقُّ حبابَ الماءِ حيزومها بها
- كما قسَمَ التُّربَ المُفايِلُ باليَدِ
وفي الحيِّ أحوى ينفضُ المردَ شادنٌ
- مُظاهِرُ سِمْطَيْ لُؤلُؤٍ وَزَبَرجَدِ
خذولٌ تراعي ربرباً بخميلة
- تَناوَلُ أطرافَ البَريرِ وتَرتَدي
وتبسمُ عن ألمَى كأنَّ مُنوراً
- تَخَلّلَ حُرَّ الرّمْلِ دِعْصٌ له نَدي
سقتهُ إياةُ الشمس إلا لثاتهُ
- أُسف ولم تكدم عليه بإثمدِ
ووجهٌ كأنَّ الشمس ألقت رداءها
- عليه نَقِيَّ اللّونِ لمْ يَتَخَدّدِ
وإنّي لأمضي الهمّ عند احتِضاره
- بعوجاء مرقالٍ تروحُ وتغتدي
أمونٍ كألواح الإرانِ نصَأْتُها
- عَلى لاحِبٍ كَأَنَّهُ ظَهرُ بُرجُدِ
جَماليّةٍ وجْناءَ تَردي كأنّها
- سَفَنَّجَةٌ تَبري لأزعَرَ أربَدِ
تباري عتاقاً ناجيات وأتبعت
- وَظيفاً وَظيفاً فَوق مَورٍ مُعبَّدِ
تربعت القفّين في الشول ترتعي
- حدائق موليِّ الأسرَّة أغيد
تَريعُ إلى صَوْتِ المُهيبِ وتَتّقي
- بِذي خُصَلٍ رَوعاتِ أكلَفَ مُلبِدِ
كأن جناحي مضرحيٍّ تكنّفا
- حِفافَيْهِ شُكّا في العَسِيبِ بمَسرَدِ
فَطَوراً به خَلْفَ الزّميلِ وتارة
- على حشف كالشنِّ ذاوٍ مجدّد
قصيدة لمن طلل بين الجدية والجبل
يقول امرئ القيس :
لِمَن طَلَلٌ بَينَ الجُدَيَّةِ والجبَل
مَحَلٌ قَدِيمُ العَهدِ طَالَت بِهِ الطِّيَل
- عَفَا غَيرَ مُرتَادٍ ومَرَّ كَسَرحَب
ومُنخَفَضٍ طام تَنَكَّرَ واضمَحَل
- وزَالَت صُرُوفُ الدَهرِ عَنهُ فَأَصبَحَت
عَلى غَيرِ سُكَّانٍ ومَن سَكَنَ ارتَحَل
- تَنَطَّحَ بِالأَطلالِ مِنه مُجَلجِلٌ
أَحَمُّ إِذَا احمَومَت سحَائِبُهُ انسَجَل
- بِرِيحٍ وبَرقٍ لَاحَ بَينَ سَحَائِبٍ
ورَعدٍ إِذَا ما هَبَّ هَاتِفهُ هَطَل
- فَأَنبَتَ فِيهِ مِن غَشَنِض وغَشنَضٍ
ورَونَقِ رَندٍ والصَّلَندَدِ والأَسل
- وفِيهِ القَطَا والبُومُ وابنُ حبَوكَلِ
وطَيرُ القَطاطِ والبَلندَدُ والحَجَل
- وعُنثُلَةٌ والخَيثَوَانُ وبُرسُلٌ
وفَرخُ فَرِيق والرِّفَلّةَ والرفَل
- وفِيلٌ وأَذيابٌ وابنُ خُوَيدرٍ
وغَنسَلَةٌ فِيهَا الخُفَيعَانُ قَد نَزَل
- وهَامٌ وهَمهَامٌ وطَالِعُ أَنجُدٍ
ومُنحَبِكُ الرَّوقَينِ في سَيرِهِ مَيَل
- فَلَمَّا عَرَفت الدَّارَ بَعدَ تَوَهُّمي
تَكَفكَفَ دَمعِي فَوقَ خَدَّي وانهمَل
- فَقُلتُ لَها يا دَارُ سَلمَى ومَا الَّذِي
تَمَتَّعتِ لَا بُدِّلتِ يا دَارُ بِالبدَل
- لَقَد طَالَ مَا أَضحَيتِ فَقراً ومَألَف
ومُنتظَراً لِلحَىِّ مَن حَلَّ أَو رحَل
- ومَأوىً لِأَبكَارٍ حِسَانٍ أَوَانسٍ
ورُبَّ فَتىً كالليثِ مُشتَهَرِ بَطَل
- لَقَد كُنتُ أَسبى الغِيدَ أَمرَدَ نَاشِئ
ويَسبِينَني مِنهُنَّ بِالدَّلِّ والمُقَل
- لَيَالِيَ أَسبِى الغَانِيَاتِ بِحُمَّةٍ
مُعَثكَلَةٍ سَودَاءَ زَيَّنَهَا رجَل
- كأَنَّ قَطِيرَ البَانِ في عُكنَاتِهَ
عَلَى مُنثَنىً والمَنكِبينِ عَطَى رَطِل
- تَعَلَّقَ قَلبي طَفلَةً عَرَبِيَّةً
تَنَعمُ في الدِّيبَاجِ والحَلى والحُلَل
- لَهَا مُقلَةٌ لَو أَنَّهَا نَظَرَت بِهَ
إِلى رَاهِبٍ قَد صَامَ لِلّهِ وابتَهَل
- لَأَصبَحَ مَفتُوناً مُعَنَّى بِحُبِّهَ
كأَن لَم يَصُم لِلّهِ يَوماً ولَم يُصَل
- أَلا رُبَّ يَومٍ قَد لَهَوتُ بِذلِّهَ
إِذَا مَا أَبُوهَا لَيلَةً غَابَ أَو غَفَل
- فَقَالَتِ لِأَترَابٍ لَهَا قَد رَمَيتُهُ
فَكَيفَ بِهِ إن مَاتَ أَو كَيفَ يُحتَبَل
- أَيخفَى لَنَا إِن كانَ في اللَّيلِ دفنُهُ
فَقُلنَ وهَل يَخفَى الهِلَالُ إِذَا أَفَل
- قَتَلتِ الفَتَى الكِندِيَّ والشَّاعِرَ الذي
تَدَانَت لهُ الأَشعَارُ طُراً فَيَا لَعَل
- لِمَه تَقتُلى المَشهُورَ والفَارِسَ الذي
يُفَلِّقُ هَامَاتِ الرِّجَالِ بِلَا وَجَل
- أَلَا يا بَنِي كِندَةَ اقتُلوا بِابنِ عَمِّكم
وإِلّا فَمَا أَنتُم قَبيلٌ ولَا خَوَل
- قَتِيلٌ بِوَادِي الحُبِّ مِن غيرِ قَاتِلٍ
ولَا مَيِّتٍ يُعزَى هُنَاكَ ولَا زُمَل
- فَتِلكَ الَّتي هَامَ الفُؤَادُ بحُبِّهَ
مُهفهَفَةٌ بَيضَاءُ دُرِّيَّة القُبَل
- ولى وَلَها في النَّاسِ قَولٌ وسُمعَةٌ
ولى وَلَهَا في كلِّ نَاحِيَةٍ مَثَل
- كأَنَّ عَلى أَسنَانِها بَعدَ هَجعَةٍ
سَفَرجلَ أَو تُفَّاحَ في القَندِ والعَسَل
- رَدَاحٌ صَمُوتُ الحِجلِ تَمشى تَبختر
وصَرَّاخَةُ الحِجلينِ يَصرُخنَ في زَجَل
- غمُوضٌ عَضُوضُ الحِجلِ لَو أَنهَا مَشَت
بِهِ عِندَ بابَ السَّبسَبِيِّينَ لا نفَصَل
- فَهِي هِي وهِي ثمَّ هِي هِي وهي وَهِي
مُنىً لِي مِنَ الدُّنيا مِنَ النَّاسِ بالجُمَل
- أَلا لا أَلَا إِلَّا لآلاءِ لابِثٍ
ولا لَا أَلَا إِلا لِآلاءِ مَن رَحَل
- فكَم كَم وكَم كَم ثمَّ كَم كَم وكَم وَكَم
قَطَعتُ الفَيافِي والمَهَامِهَ لَم أَمَل
- وكافٌ وكَفكافٌ وكَفِّي بِكَفِّهَ
وكافٌ كَفُوفُ الوَدقِ مِن كَفِّها انهَمل
- فَلَو لَو ولَو لَو ثمَّ لَو لَو ولَو ولَو
دَنَا دارُ سَلمى كُنتُ أَوَّلَ مَن وَصَل
- وعَن عَن وعَن عَن ثمَّ عَن عَن وعَن وَعَن
أُسَائِلُ عَنها كلَّ مَن سَارَ وارتَحَل
- وفِي وفِي فِي ثمَّ فِي فِي وفِي وفِي
وفِي وجنَتَي سَلمَى أُقَبِّلُ لَم أَمَل
- وسَل سَل وسَل سَل ثمَّ سَل سَل وسَل وسَل
وشَنصِل وشَنصِل ثمَّ شَنصِل عَشَنصَلٍ
- عَلى حاجِبي سَلمى يَزِينُ مَعَ المُقَل
حِجَازيَّة العَينَين مَكيَّةُ الحَشَ
- عِرَاقِيَّةُ الأَطرَافِ رُومِيَّةُ الكَفَل