أشعار أبي العلاء المعري
إيّاك والخمرَ
إيّاكَ والخمرَ فهي خالبةٌ
- غالبةٌ خابَ ذلك الغَلَبُ
خابيةُ الرّاح ناقةٌ حفَلَت
- ليس لها غيرَ باطلٍ حلَبُ
أشأمُ من ناقةِ البَسوس على النا
- سِ وإن يُنَلْ عندها الطلب
يا صالِ خَفْ إن حلَبت دِرّتها
- أن يترامى بدائِها حَلَبُ
أفضلُ مما تضمُّ أكؤسُها
- ما ضُمّنتَه العِساسُ والعُلَبُ
إن يصحبِ الروحَ عقلي
إن يصحبِ الروحَ عقلي بعد مَظعنِها
- للموتِ عني فأجدِرْ أن ترى عجَبا
وإنْ مضَتْ في الهواءِ الرّحبِ هالكةً
- هلاكَ جِسميَ في تُرْبي، فواشجبا
الدّينُ إنصافُكَ الأقوامَ كلَّهمُ
- وأيُّ دينٍ لآبي الحقّ إنْ وجبا
والمرءُ يُعييه قَودُ النفسِ مُصبِحةً
- للخير وهو يقودُ العسكَر اللّجبا
وصوْمُه الشهرَ ما لم يجنِ مَعصيِتَةً
- يُغنيهِ عن صَومه شعبانَ أو رَجَبا
وما اتّبعتُ نجيباً في شمائله
- وفي الحمامِ تبعتُ السّادة النُّجُبا
واحذَرْ دعاءَ ظليم في نعامتِه
- فرُبّ دَعوةِ داعٍ تَخرقُ الحجُبا
الأمرُ أيسرُ
الأمرُ أيسرُ مما أنتَ مُضمرُهُ
- فاطرَحْ أذاكَ ويسّرْ كلّ ما صَعُبا
ولا يسُرّكَ إن بُلّغْتَهُ أمَلٌ
- ولا يهمّك غربيبٌ إذا نعبا
إنْ جدّ عالمُكَ الأرضيُّ في نبأٍ
- يغشاهُمُ فتصوّرْ جِدّهُمْ لَعبِاً
ما الرّأيُ عندكَ في مَلْكٍ تدينُ لهُ
- مصرٌ أيختارُ دون الرّاحةِ التّعبا
لن تستقيمَ أُمورُ النّاس في عُصُر
- ولا استقامتْ فذا أمناً وذا رعباً
ولا يقومُ على حقٍّ بنو زمنٍ
- من عهد آدمَ كانوا في الهوى شُعَباً
رأيتُ قضاءَ اللَّه
رأيتُ قضاءَ اللَّه أوجَبَ خلْقَهُ
- وعاد عليهم في تصرّفه سَلباً
وقد غلبَ الأحياءَ في كلّ وجهةٍ
- هواهمْ وإن كانوا غطارفةً غُلْباً
كلابٌ تغاوتْ أو تعاوت لجيفةٍ
- وأحسَبُني أصبحتُ ألأمَها كلْباً
أبَينا سوى غِشّ الصّدور وإنّما
- ينالُ ثوابَ اللَّه أسلمُنا قلباً
وأيَّ بني الأيّام يَحمَدُ قائلٌ
- ومن جرّبَ الأقوامَ أوسعَهُم ثَلْبا
لا تفرَحنّ بفألٍ إنْ سمعتَ به
لا تفرَحنّ بفألٍ إنْ سمعتَ به
- ولا تَطَيّرْ إذا ما ناعِبٌ نعبا
فالخطبُ أفظعُ من سرّاءَ تأمُلها
- والأمرُ أيسرُ من أن تُضْمِرَ الرُّعُبا
إذا تفكّرتَ فكراً لا يمازِجُهُ
- فسادُ عقلٍ صحيحٍ هان ما صعبُا
فاللُّبُّ إن صَحّ أعطى النفس فَترتها
- حتى تموت وسمّى جِدّها لَعبِا
وما الغواني الغوادي في ملاعِبها
- إلاّ خيالاتُ وقتٍ أشبهتْ لُعَبا
زيادَةُ الجِسمِ عَنّتْ جسمَ حامله
- إلى التّرابِ وزادت حافراً تَعَباً
من ليَ أن أقيمَ في بلدٍ
من ليَ أن أقيمَ في بلدٍ
- أُذكَرُ فيه بغير ما يجبُ
يُظَنُّ بيَ اليُسرُ والديانةُ والعلـ
- ـلمُ وبيني وبينها حُجُبُ
كلُّ شهوري عليّ واحدةٌ
- لا صَفَرٌ يُتّقى ولا رجبُ
أقررْتُ بالجهل وادّعى فَهَمي
- قومٌ، فأمري وأمرُهم عجَبُ
والحقُّ أني وأنهم هدرٌ
- لستُ نجيباً، ولا همُ نُجُبُ
والحالُ ضاقتْ عن ضمِّها جسدي
- فكيف لي أن يضمّه الشَّجَبُ
ما أوسعَ الموت يستريح به الجسـ
- ـم المعنّى ويخفتُ اللَّجَبُ
اللَّه لا ريبَ فيه
اللَّه لا ريبَ فيه وهو مُحتجبٌ
- بادٍ وكلٌّ إلى طَبعٍ له جذبا
أهلُ الحياةِ كإخوان المماتِ فأهْـ
- ـوِنْ بالكُماةِ أطالوا السُّمرَ والعَذبا
لا يعلمُ الشَّريُ ما ألقى مرارتهَ
- إليه والأريُ لم يشْعُر وقد عذُبا
سألتُموني فأعيْتني إجابتكمْ
- من ادّعى أنّه دارٍ فقد كذباً
إذا شِئتَ أن يَرْضى
إذا شِئتَ أن يَرْضى سجاياكَ ربُّها
- فلا تُمسِ من فعل المقادير مُغضَبا
فإنّ قُرونَ الخيلِ أولتْكَ ناطِحاً
- وإنّ الحُسامَ العَضبَ لقّاكَ أعضَبا
خضَبْتَ بياضاً بالصّبيب صبابةً
- ببيضاءَ عدّتكَ البنانَ المخضَّبا
وما كان حبلُ العيش إلا مُعلَّقاً
- بعُرْوة أيامِ الصّبا فتقضّبا
لَعمْركَ ما غادرتُ مطلِعَ هَضبةٍ
لَعمْركَ ما غادرتُ مطلِعَ هَضبةٍ
- من الفكرِ، إلاّ وارتقيتُ هَضابها
أقلُّ الذي تجني الغواني تبرّجٌ
- يُري العينَ منها حَلْيها وخِضابها
فإن أنتَ عاشرتَ الكَعابَ فَصادِها
- وحاوِل رضاها واحذرنّ غَضابها
فكم بكَرَتْ تسقي الأمرَّ حَليلَها
- من الغارِ إذ تسقي الخليلَ رُضابها
وإنّ حبالَ العَيشِ ما علِقَت بها
- يدُ الحيّ إلا وهي تخشى انقضابها