فن الكتابة في العصر الأموي
تطور الكتابة في العصر الأموي
تطور فن الكتابة في العصر الأموي بسبب مجموعة من العوامل التي تضافرت كلها معًا، ولعل من أبرزها ما يأتي:
- انتشار العلم
ازدهر العلم بشكل واضح في العصر الأموي، ولعل انطلاقته الأولى كانت من المساجد، ثم أُنشئت المكاتب التي أسهمت في تعليم الصغار مبادئ الدين والكتابة.
- التدوين
درج التدوين في عهد عمر بن عبد العزيز عندما أمر بتدوين الحديث النبوي الشريف، فقد خشي عليه من الاندثار بعد موت علماء الحديث، إذ قضى مجموعة من العلماء أوقاتهم في جمع أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتدوينها.
- ازدهار حركة الترجمة
ازدهرت حركة الترجمة في عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك، وقد كانت تلك الحملة ضخمة جدًّا، إذ أمر بتعريب الدواوين الأموية في شرق الأرض وغربها.
- انتشار المدارس
انتشرت المدارس في أصقاع الدولة الأموية انتشارًا واسعًا، حيث أسهمت بشكل واضح في نشر العلم والتعليم، وتفقيه الصبية الصغار والكبار.
- ظهور الفتن
كان للفتن التي حدثت في بداية العصر الأموي من تحويل الخلافة إلى حكم ملكي أثر كبير على الكتابة في العصر الأموي، خاصّة بسبب ظهور بعض الأشياع المعارضة للبيت الأموي في تلك الفترة وتجنيد أقلامهم في سبيل ذلك.
- انقسام المجتمع إلى طبقات
لم تكن فكرة الطبقية رائجة قبل العصر الأموي، خاصة في عهد الخلفاء الراشدين الذي كانوا يعدون أنفسهم من عامة الشعب، أمّا في عهد الدولة الأموية انقسم المجتمع إلى خمس طبقات وهم: الخلفاء، والولاة، والأثرياء، والعلماء، وعامة الشعب.
خصائص الكتابة في العصر الأموي
اتسمت الكتابة في العصر الأموي بمجموعة من الخصائص ولعل من أبرزها:
- الوضوح
يعدّ الوضوح هو السمة البارزة في الكتابة في النصف الأول من العهد الأموي، حيث بقي الكُتّاب في تلك الفترة على ما اعتادوا عليه في صدر الإسلام من مباشرة المعاني.
- السهولة
اتسمت الكتابة في النصف الأول من العهد الأموي بالسهولة والإيجاز، وابتعدوا عن المبالغة والركاكة؛ وذلك بسبب قرب العهد من الخلافة الراشدة التي جلها الصحابة الكرام -رضوان الله عليهم- ممن اشتغلوا بالقرآن.
- الصنعة والبيان
بدأ النّاس يتفنون في أساليب الكلام ويزيدون على ما ألفوه من التعابير؛ وذلك بسبب ازدهار الحياة في النصف الثاني من العهد الأموي وانتشار الرخاء والهدوء واستقرار الأمور.
- التكلف
لمّا بدأ الكُتّاب في العصر الأموي بالتنافس فيما بينهم بأساليب الإنشاء، صار الخلفاء يستقطبون إليهم أصحاب القلم الرفع ويُبالغون في إكرامهم، فصار النّاس يتفنون في الكتابة، إذ صار لها شأن عظيم بعد أن عني الخلفاء بها.
- المحسنات اللفظية
بدأ الكُتاب في العصر الأموي يُعنون بالمحسنات اللفظية، سواء أكان ذلك في النثر أم في الشعر، واعتنوا بالعبارة كأنّها سبيكة الذهب التي يُحسّنوها حتى تأخذ الألباب.
أنواع الكتابة في العصر الأموي
ظهرت أنواع مختلفة من الكتابة في العصر الأموي تبعًا للأسباب التي دعت للكتابة، ولعل من أشهر الأنواع ثلاثة تفصيلها كما يأتي:
الكتابة الدينية
ازدهرت الكتابة الشرعية الإسلامية في العصر لأموي ازدهارًا واسعًا لسبب واضح، وهو أنّ الكُتّاب في هذا المجال كانوا هم أنفسهم الخُطباء، الذي مُرسوا على الجدال والحديث في المسائل الشرعية والأخذ والرّد بها وعليها، فمثُل ذلك في كتبهم، وخير مَن كان على هذا الصراط هو الحسن البصري وغيلان الدمشقي.
عمد أصحاب هذا المذهب إلى جعل اللغة وبيانها وسيلة من وسائل التأثير في السامع فاعتنوا بها عناية عظيمة.
الكتابة السياسية
نهضت الكتابة السياسية في العصر الأموي نهضة واسعة جليّة، ويعود ذلك إلى سببين اثنين؛ فأمّا السبب هو أنّ مَن كان يكتب في السياسة هم رؤوس القوم في الفصاحة والبلاغة والبيان، ومن أمثال ذلك: زياد بن أبيه، والحجاج بن يوسف الثقفي.
أمّا السبب الثاني فهو ظهور ديوان الرسائل، اختصّ بذلك الديوان مجموعة من الكتاب المحترفين الذين امتطوا صهوة القلم وقد ذُللت لهم، ولم تكن الكتابة في السياسة جديدة على التاريخ العربي فهم أهلها وولاة أمرها، خاصّة أنّ ظهورها الأول كان في عصر صدر الإسلام، حيث تبادل الرسائل في عهد الفتوحات وغيرها.
الكتابة التاريخية
نشطت الكتابة التاريخية في العصر الأموي نشاطًا بالغًا، فانتبه العلماء إلى ضرورة تأريخ مغازي رسول الله -عليه السلام-، وكان على رأس من فطن لذلك أبان بن عثمان، وهو الذي عرف عبد الله بن الزبير من الرجال، وكان هو أوّل من صنف في ذلك النوع من المغازي، ثم تبعه بعد ذلك الزهري.
بدأ التأريخ أول ما بدأ في المدينة المنورة، فهي بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأهلها هم أكثر الأشخاص الذين عنوا بذلك، برز كذلك مجموعة من المؤرخين في اليمن اهتموا في ذكر تاريخ بلادهم والحديث عنه.
ممّن قام على ذلك عبيد بن شرية الجرهمي الذي وفد يومًا على معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- وهو صاحب: "كتاب الملوك وأخبار الماضيين".
أبرز الكتاب في العصر الأموي
ظهر مجموعة من الكُتاب في العصر الأموي لعل من أبرزهم ما يأتي:
- عبد الحميد الكاتب
هو عبد الحميد بن يحيى مولى العلاء بن وهب القرشي، تعود أصوله إلى الفارسية، ولم تأتِ الكتب على ذكر مولده بشكل دقيق، ولكن يُذكر أنّ السفاح قد عذبه إلى أن مات، وتُذكر روايات أخرى في ذلك، إذ التحق بديوان الرسائل في عهد هشام بن عبد الملك.
- الحجاج بن يوسف الثقفي
الحجاج بن يوسف الثقفي (661م - 714م) هو واحد من الرجال المعروفين ذوي السلطة والسياسة، واسم أمه الفارعة بنت همام، كان ذا لسان فصيح ورجل من رجال السياسة المعروفين، وصاحب أدب بيلغ وهو الذي نقط المصحف.
- الحسن البصري
هو الحَسَنُ بنُ أَبِي الحَسَنِ يَسَارٍ، (641م - 728م) وهو أَبُو سَعِيْدٍ، مَوْلَى زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ، شُهد له في تلك الفترة بالعلم والأدب، وبقيت مؤلفاته تُدرس حتى هذا الوقت، واستعمل أدبه في سبيل الإسلام ونشر الدعوة الإسلامية.
نماذج من فن الكتابة في العصر الأموي
ترك الأدب الأموي إرثًا بالغًا ما زال يُدرس حتى هذا الوقت، ومن بين تلك النماذج:
- خطبة الحجاج بن يوسف الثقفي في أهل الكوفة
"إنّ أمير المؤمنين نكت كنانته بين يديه، فعجم عيدانها فوجدني أمرها عودًا وأصلبها مكسرًا فوجهني إليكم ألا فوالله لأعصبنكم عصب السلمة، ولألحونكم لحي العود، ولأضربنكم ضرب غرائب الإبل حتى تذروا العصيان وتنقادوا، ولأقرعنكم قرع المروة حتى تلينوا، إني والله ما أعد إلا وفيت، ولا أخلق إلا فريت".
- موعظة للحسن البصري قال فيها
"أيها الناس! لو توعدكم مخلوق بموت لما استقرّ بكم القرار، فكيف بوعد ملك الملوك، والحي الذي لا يموت".
- نص لوهب بن منبه في تاريخ اليمن قال فيه
"لما ولي شداد بن عاد الملك جمع الجنود وكان امرءًا حازمًا فسار يدوس الأرض وبلغ أرمينية الكبرى، فقتل فيها كل ثائر بها ثم عبر الفرات إلى المشرق فبلغ أقصاها لا أحد يقف له إلا هلك، ثم مضى على ساحل سمرقند إلى أرض التبت، ثم عطف على أرمينية فأمعن، ثم جاز إلى الشام وبلغ إلى المغرب فأكثر الآثار في المغرب".