فن الخطابة في العصر العباسي الأول
أنواع الخطابة في العصر العباسي الأول
تعدّدت أنواع الخطابة في العصر العباسي نظرًا لأنها كانت وسيلة لإثبات أحقية بني العباس في الحكم، وكان الخليفة العباسي يعتمد عليها حتى يحفّزالجند، وكان لها تأثير عظيم على النفوس وتستخدم في استقبال الوفود.
اعتنى الخلفاء والدعاة الذين كان لهم شأن في فن الخطابة، ومنهم: كالمنصور والمهدي، و هارون الرشيد والمأمون وداود بن علي، وخالد بن صفوان، وشبيب بن شيبة، وفي الوقت الذي استحكمت الدولة العباسية تم التخلي عن الخطابة فما عاد هنالك حاجة للكلمة وأصبحت القوة في السيف والسلاح، وحلت محلها الرسائل والمنشورات. وفيما يأتي تفصيل لأبرز أنواع الخطابة في العصر العباسي الأول:
الخطابة السياسية
وكان الغرض من الخطب السياسية تعزيز الروح القتالية في نفوس الجنود والمجاهدين في سبيل الله، واستخدمت في استقبال الوفود وكان أول من لجأ إليها أبو العباس ، إضافة للخطب التي استخدمت كبرقيات لإيصال أخبار الأمصار المختلفة أو الحديث في شؤون الدولة.
الخطابة الدينية
وكان الغرض منها هو إلقاء الخطب من قِبل الخطيب في المناسبات الدينية وأيام الأعياد وأيام الجمع، ومن وأشهر هذه الخطب: خطبة هارون الرشيد، وخطبة المهدي.
الخطب الاجتماعية
تنوعت أنواع الخطب الاجتماعية باختلاف الغرض منها، فمنها ما جاء بغرض المدح أو الذم أو العتاب أو الاستعطاف. وازدهر هذا النوع من الخطب تبعًا لطبيعة الحياة العقلية والاجتماعية في تلك الفترة؛ إذ عملت كل هذه العناصر على تنوع الخطب الاجتماعية بمضامينها والأساليب المستخدمة في الصياغة والتصوير والوصف.
خصائص الخطابة في العصر العباسي الأول
تميزت الخطابة هذه الفترة بالخصوصية، فكانت مختلفة عن الخطابة في العصور السالفة، ومن هذه الخصائص ما يأتي:
- قوة الألفاظ.
- عدم استخدام السجع بكثرة في النصوص.
- الاستشهاد الغزير بآيات القرآن الكريم والسنة النبويّة الشريفة.
- الإيجاز والاختصار والبعد عن الإطناب.
- اللجوء إلى الشعر والاستشهاد به.
نموذج من الخطابة في العصر العباسي الأول
نذكر جزءًا من خطبة هارون الرشيد، يقول فيها:
"الحمد لله الذى نحمَده على نعمه، ونستعينه على طاعته، ونستنصره على أعدائه، ونؤمن به حقاً، ونتوكل عليه مفوضين إليه، أوصيكم، عباد الله، نتقوى الله؛ فإن فى التقوى تكفيرَ السيئات ومضاعفة الحسنات، وفوزاً بالجنة، ونجاة من النار، وأحذركم يوماً تشخص فيه الأبصار، وتبلى فيه الأسرار.
يوم البعث ويوم التغابن ويوم التلاقى ويوم التنادى، يوم لا يستعتب من سيئة، ولا يزداد فى حسنة، يوم الآزفة، إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين، ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع، يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور، واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى فيه إلى الله. ثم توفى كل نفس ما كسبت.
حصنوا إيمانكم بالأمانة، ودينكم بالورع، وصلاتكم بالزكاة، وإياكم والأمانى، فقد غرت، وأوردت، وأوبقت كثيراً حتى أكذبتهم مناياهم، فتناوشوا التوبة من مكان بعيد وحيل بينهم وبين ما يشتهون. فرغب ربكم عن الأمثال والوعد، وقدم إليكم الوعيد.
وقد رأيتم وقائعه بالقرون الخوالى جيلا فجيلا، وعهدتم الآباء والأبناء والأحبة والعشائر باختطاف الموت إياهم من بيوتكم ومن بين أظهركم لا تدفعون عنهم ولا تحولون دونهم، فزالت عنهم، وانقطعت بهم الأسباب، فأسلمتهم إلى أعمالهم عند المواقف والحساب، ليجزى الذين أساءوا بما عملوا والذين أحسنوا بالحسنى."