فضل سورة الفيل
فضل سورة الفيل
ثبت في فضائلِ بعض سورِ القرآنِ الكريمِ أحاديث عن النَّبيِّ محمد -صلّى الله عليه وسلّم-، ولكن هناك بعض السور جاء في فضلها أحاديث مكذوبَة على رسول الله محمد -صلّى الله عليه وسلّم-، فلم يرد في فضل كلُّ سُورِ القرآن الكريم أحاديث ثابتة تُبيِّنُ فضلُها، فيُكتفي بما ثبت عن النّبي -صلّى الله عليه وسلّم-، وسورة الفيل من السّور التي لم يثبت في فضلها نصٌّ صحيحٌ عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وجاء فيها رواية موضوعة ومكذوبة نصّها: (مَن قرأَ سورةَ الفيلِ أعفاهُ اللَّهُ من المسخِ والخسفِ)، وهناك رواية أخرى لا تصحّ ولا تثبت، وهي: (يا علي مَن قرأها فكأَنَّما تصدّق بوزنه ذهبا، وله بكلّ آية قرأها شربة يشربها إِذا خرج من قبره، وأَعطاه الله ثواب الصدّيقين). وأمّا الدروس والعِبر ففي سورة الفيل دروس عظيمة نبيّنها لاحقاً في المبحث التالي.
ومن السُّورِ التي وردَ في بيان فضلها أحاديث ثابتة هي: سورةُ البقرةِ، وذلك في كثيرٍ من آياتِها، وسورةُ آل عمرانَ، وسورةُ النساءِ، وسورةُ المائدةِ، وسورةُ الأنعامِ، وسورةُ الأعرافِ، وسورةُ الأنفالِ، وسورةُ التّوبةِ، وسورةُ يونسَ، وسورةُ هودِ، وسورةُ الرعدِ، وسورةُ إبراهيمَ، وسورةُ الحِجرِ، وسورةُ النحلِ، وسورةُ الإسراء، وسورةُ الكهفِ، وغير من السور، وللفائدة نُحيل على كتاب (موسوعة فضائل سور وآيات القرآن) لمحمّد طهروني؛ لمعرفة السور التي ورد في فضلها نصوصاً شرعيّة.
العبر المستفادة من سورة الفيل
إنّ في سورة الفيل العديد من الدروس والعبر المستفادة نبيّنها فيما يأتي:
- حَفِظَ اللهُ -تعالى- الكعبةَ وصانَها من أصحاب الفيلِ الذين توجَّهُوا بجيشٍ ضَخمٍ لهدمِ الكعبةِ، فحَفِظَها الله -تعالى- من ذلك التّخريبِ، فيُستفاد من هذه القصَّةِ أنَّ اللهَ -تعالى- لا يُعجزُه شيءٌ في الأرض ولا في السماء، فالكعبةُ لم تُمسّ بسوءٍ، كيف لا وهي أوَّلُ بيتٍ وُضِعَ للنَّاسِ، وما حاولَ أحدٌ أن يعتدي عليها إلا أهلكهُ الله، كما أنّ في القِصَّةِ تمهيدٌ لنُبوَّةِ سيدنا محمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-.
- منَّ الله -تعالى- على أهلُ قريشٍ إذ جمَّعَهم بعد الفُرقةِ، وأمَّنَهم من أصحابِ الفيلِ، وأطعمهم بعد أن كانُوا فقراءَ، فكان لزاماً عليهم أن يُؤمنوا باللهِ -تعالى- وحدهُ وأن ينصرفُوا عن عبادةِ الأصنامِ.
- كان في هذهِ القِصَّةِ أثرٌ بالغ وعظيم في نفوسِ الصّحابةِ -رضي الله عنهم-، فقد بيَّنَ الله -تعالى- لهم أنَّه مهما بدا العدوُّ لهم ضخماً وقويّاً فإنَّ الله -تعالى- قادرٌ على أن يُنجِّيهم منه ويحوّلُ الدائرةَ لهم لا عليهم.
- جاء ذكر هذه القصّة ليعتبر الناس من أحوالِ الماضين، وإن كانت هذه القِصَّةُ موجزه إلَّا أنَّها تُبيِّن صدقَ رسالةِ محمَّد -صلى الله عليه وسلم-. وعند التّأمُّلِ في سورةِ الفيلِ نرى كيف أنَّ الله -تعالى- أهلكَ أصحاب الفيلِ ذَوي القوَّةِ الضخمةِ والمالِ الوفيرِ بشيءٍ لا يُمكنُ أن يُؤذِي الإنسان، فقد أرسلَ عليهم طيوراً، حتى يَعتبر أهل الكِبَر والإفساد في الأرض بذلك فلا يعتزُّون بمالٍ ولا بقوَّةٍ، فإنه إذا جاءَ عذابُ الله -تعالى- فلا رادَّ له إلَّا هو. فقد ردَّ الله -تعالى- أصحاب الفيلِ الذينَ أرادُوا هدمَ الكعبةِ في عام ميلادِ النَّبيّ محمد -صلى الله عليه وسلم- تمهيداً لنبوَّتِه، وكانت معجزةٌ عظيمةٌ أن يرُدَّ الله -تعالى- جيشاً مهيباً بطيورٍ صغيرةٍ تحملُ كراتٍ من اللّهب.
- حمى الله -سبحانه- الكعبةِ لمكانتِها العظيمة عندَه -سبحانه-.
التعريف بسورة الفيل
سورةُ الفيلِ سورةٌ مكيَّةٌ ، وهي تتحدَّثُ عن قوم "أبرهة الأشرم" الذين توجَّهُوا إلى الكعبةِ لهدمِها، فأرسلَ اللهُ -تعالى- عليهم طيوراً تحملُ في مناقيرِها وأرجلِها حجارةً صغيرة، ولكنَّ هذهِ الحجارةِ الصغيرةِ أهلكَتهم عن بكرةِ أبيهم، وتُعتبرُ الطيورُ من المخلوقاتِ الضعيفةِ، وحدثت قِصَّةُ الفيلِ في عام خمسمئة وسبعين للميلاد في عام مولدِ النَّبيّ مُحمَّد -صلى الله عليه وسلم-، وكانت معجزة حقيقية، وقد نزلت سورةُ الفيلِ بعد سورةِ الكافرونَ، والغرضِ الحقيقيُّ من هذه السورةِ هو ذكرُ قصَّةِ أصحابِ الفيلِ، لتكونَ عِبرة لكلِّ من يغترّ بقوَّتِه أو مالِه من قريش وغيرهم. وهيَ خمسُ آياتٍ، أما عن معاني السورة:
- أصحاب الفيل: أهل الحبشة؛ وهم جيش أبرهة الذين أرادوا هدم الكعبة.
- سجّيل: الطين المتحجّر.
- عصف: الزّرع بعد الحصاد.
- أبابيل: مجموعات متفرّقة، وهي جمعُ إبّالة، وهي الحُزمةُ الكبيرةُ، وقد شبَّه الطَّير بالأبابيلَ لأنَّها كانت جماعات إلى جانبِ بعضِها.
قصة أصحاب الفيل في سورة الفيل
قِصَّةُ أصحابِ الفيلِ لم ترد في سندٍ صحيحٍ بالتّفصيلِ، ولكنَّها ذُكِرت في القرآنِ الكريمِ مجملة، وتمَّت الإشارةُ إليها في بعضِ أحاديثَ الرَّسولِ -صلى الله عليه وسلم- في عام الفتحِ ، والواردُ حولَ القِصَّةِ أنَّ أبرهة الأشرم وهو ملكٌ من ملوكِ اليمنِ -وقد كانَ حبشي الأصلِ- أراد هدمَ الكعبةِ ليصرفَ عنها الحجاجَ، وقد بنى لهم في صنعاءَ اليمن كنيسةً، ويوماً ما أوقد بعض العرب ناراً فيها ثمَّ ذهبوا عنها، فأحرقَت الكنيسةَ، فجعلها حُجّةً لتنفيذ مخطّطه المسبق؛ وهو هدم الكعبةَ، ولكنَّ اللهَ أهلكَ أبرهة وجيشه.
وهناك قول آخر في سبب عزم أبرهة على هدم الكعبة، وهو أنّه سمَّى كنيسته: "القلّيس" -ليحجّ العرب إليها بدلاً من الكعبة-، فقام رجلٌ من كنانةَ وتغوَّطَ فيها ليلاً، فاستغلَّ الموقفَ ليحقِّقَ مطلبة في هدمِ الكعبةِ، فجهَّزَ جيشاً فيه فِيَلةٌ كثيرةٌ، وتوجَّهَ نحو الكعبةِ، فأخبرَ أهلَ قريشٍ أنَّه لا يريدُ حرباً معهم وإنَّما يريدُ هدمَ الكعبةِ، فلمَّا رأوا جيشَه هربُوا إلى الجبالِ، ولمَّا اقتربَ أبرهة من الكعبةِ أمرَ الجيشَ بنهبِ أموال العربِ، وكانمنها إبلٌ لعبد المطَّلب بن هاشم.
ثمّ طلبَ أبرهة أن يقابلَ أحد أشراف قريش، فجاءَهُ عبدُ المطَّلب وتبدو عليه الهَيبة، وقد كانَ وسيماً جميلَ الهيئةِ، فنزلَ أبرهَة إليه لأنَّه عَلِم أنَّه رجلٌ مهيبٌ، فطلبَ عبد المطَّلب منه أن يرُدّ إليه الإبلَ، فاستغربَ أبرهة كيف أنَّ رجلاً مهيباً مثلَه لا يهتمُّ لأمرِ البيتِ ويسألهُ أن يردَّ عليه الإبلُ، فأخبره أن للبيتِ رباً سيحميه، ثمّ أمرَ أهلَ قريشٍ بأن يُخلّو مكَّةَ ويَذهبوا إلى الجبالِ، فقد كان يعلم أنَّ الله سيحمي هذا البيتَ، فتقدَّمَ الأشرمُ باتّجاه الكعبة، وكانَ يوجِّهُ الفيلَ إلى الكعبةِ فيَبْرُك -لا يتحرّك-، فإن وجَّهه إلى مكانٍ آخر مشى، ثم أراهم الله عجائبَ قدرته طيوراً تحملُ كرات الَّلهبِ، وترميها على الرّجلِ فتسقطَ على رأسهِ وتخرجُ من جسده فيموت.