عيد الأضحى وأحكامه
عيد الأضحى
عيد الأضحى المبارك: هو مُناسبة دينية إسلامية، إذ يحتفل فيه المسلمون في اليوم العاشر من شهر ذي الحجة ويُطلق عليه العيد الكبير، وقد شُرع عيد الأضحى بعد بدء فريضة الحج بيوم؛ إذ يبدأ الحج بيوم عرفة الذي يوافق التاسع من ذي الحجة وينتهي بأيام التشريق، وبذلك يكون قدوم عيد الأضحى بمناسبة إتمام الحج ولشكر الله -تعالى-.
وفي يوم الأضحى يذبح الحجاج الهدي ويتشاركونه مع الفقراء والمحتاجين، وكذلك غير الحجاج يحرصون على الذبح تأسّياً بالنبي -صلى الله عليه وسلم-. ومجيء عيد الأضحى بعد مناسبة خاصة وهي فريضة الحج ليحظى غير الحجاج بمشاركة الحجاج فرحتهم بتمامهم الحج، إذ تملأ أجواء العيد الفرح والسرور والتكافل بين أفراد المجتمع الواحد.
أحكام صلاة عيد الأضحى
حكم صلاة عيد الأضحى
تعدّدت الأقوال في حكم صلاة العيد، وبيانها فيما يأتي:
- واجبة: ذهب الحنفية إلى القول إن صلاة العيد واجبة على المسلمين.
- فرض كفاية: ذهب الحنابلة إلى أن صلاة العيد فرض كفاية، إذ يجب أن يقوم بها عدد من المسلمين لتسقط عن الباقي.
- سنة مؤكدة: ذهب المالكية والشافعية إلى القول إنها سنة مؤكدة.
- فرض عين: قال ابن تيمية -رحمه الله- إن صلاة العيد فرض عين، مُستدلاً بما أخرجه الإمام مسلم -رحمه الله- عن أم عطية نسيبة بنت كعب -رضي الله عنها-: (قالَتْ: أَمَرَنَا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، أَنْ نُخْرِجَهُنَّ في الفِطْرِ وَالأضْحَى، العَوَاتِقَ، وَالْحُيَّضَ، وَذَوَاتِ الخُدُورِ، فأمَّا الحُيَّضُ فَيَعْتَزِلْنَ الصَّلَاةَ، وَيَشْهَدْنَ الخَيْرَ، وَدَعْوَةَ المُسْلِمِينَ، قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، إحْدَانَا لا يَكونُ لَهَا جِلْبَابٌ، قالَ: لِتُلْبِسْهَا أُخْتُهَا مِن جِلْبَابِهَا).
موعد صلاة عيد الأضحى
صلاة عيد الأضحى تكون في يوم النحر أول أيام العيد، وتُؤدى من طلوع الشمس بمقدار رمح حتى وقت الزوال ، ولا يجوز تأديتها قبل طلوع الشمس؛ لأنه وقت منهي عن أداء الصلاة، ويُفضل التبكير بصلاة عيد الأضحى تسهيلاً على الناس لذبح الأضاحي والانشغال بأمور العيد.
وقد ورد عن جمهور الفقهاء الحنفيّة، والشافعيّة، والحنابلة جواز صلاة عيد الأضحى أداءً لا قضاءً في أيام التشريق؛ أي في اليوم الثاني والثالث من أيام عيد الأضحى المبارك في حال فواتها بعذر، ويُكره تركها بلا عذر.
صفة خطبة وصلاة عيد الأضحى
صلاة عيد الأضحى
تُصلّى صلاة العيد في مُصليات خارجية، ولا تُصلّى في المسجد إلا لعذر كالمطر أو البرد وغيره، ويُستثنى من ذلك المسجد الحرام، إذ تُصلّى صلاة العيد داخل الحرم المكي، وصلاة العيد ركعتين، قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: (صلاةُ الجمُعةِ رَكْعتانِ، وصلاةُ الفطرِ رَكْعَتانِ، وصلاةُ الأضحَى رَكْعتانِ، وصَلاةُ السَّفرِ رَكْعتانِ تمامٌ غيرُ قَصرٍ على لِسانِ مُحمَّدٍ).
وأخرج الإمام مسلم -رحمه الله- في صحيحه: (أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ، سَأَلَ أَبَا وَاقِدٍ اللَّيْثِيَّ: ما كانَ يَقْرَأُ به رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ- في الأضْحَى وَالْفِطْرِ؟ فَقالَ: كانَ يَقْرَأُ فِيهِما بـ {ق وَالْقُرْآنِ المَجِيدِ}، وَ{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ القَمَرُ}).
وأخرج أيضاً عن النعمان بن بشير -رضي الله عنه- قال: (كانَ رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- يَقْرَأُ في العِيدَيْنِ، وفي الجُمُعَةِ بسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى، وَهلْ أَتَاكَ حَديثُ الغَاشِيَةِ، قالَ: وإذَا اجْتَمع العِيدُ وَالْجُمُعَةُ، في يَومٍ وَاحِدٍ، يَقْرَأُ بهِما أَيْضًا في الصَّلَاتَيْنِ) وتُرفع اليد عند كل تكبيرة، وبين التكبيرات يحمد المُصلي الله ويُصلى على الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
خطبة عيد الأضحى
بعد تأدية صلاة العيد يخطب الإمام خطبتي العيد، بعكس خطبة الجمعة إذ تكون قبل صلاة الجمعة، فعن عبد الله ابن عباس -رضي الله عنه- قال: (شَهِدْتُ العِيدَ مع رَسولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، وأَبِي بَكْرٍ، وعُمَرَ، وعُثْمَانَ -رَضِيَ اللَّهُ عنْهمْ-، فَكُلُّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ قَبْلَ الخُطْبَةِ)، ويُشرَع جلوس الإمام بين الخطبتين، ويُسنّ عدم إطالة خطبتي العيد.
وذلك استناداً لما أخرجه الإمام مسلم -رحمه الله- في صحيحه عن عمار بن ياسر -رضي الله عنه- قال: (إنِّي سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- يقولُ: إنَّ طُولَ صَلَاةِ الرَّجُلِ، وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ، مَئِنَّةٌ مِن فِقْهِهِ، فأطِيلُوا الصَّلَاةَ، وَاقْصُرُوا الخُطْبَةَ، وإنَّ مِنَ البَيَانِ سِحْرًا).
ويُسنّ أيضاً بدء الخطبة بالحمد قياساً على خطبة الجمعة، وقد ورد عن فقهاء الحنابلة أنه يُسنّ بدء خطبة العيد بالتكبير، والجلوس للاستماع لخطبتي العيد سُنّة، إلا أنه ورد عن بعض فقهاء المالكية أن من حضر صلاة العيد عليه حضور الخطبة؛ لأنها من سنة صلاة العيد.
أحكام ذبح الأضحية في عيد الأضحى
الأضحية لغةً: ما يُضحى به في عيد الأضحى من الأنعام كالشاة، والضأن، وغيرها، و الأضحية اصطلاحاً: هي ما يُذبح من النِّعم بشرائط مخصوصة بنية التقرب إلى الله -تعالى- في أول أيام عيد الأضحى المبارك: أي يوم النحر وفي أيام التشريق.
والأضحية سُنّة مؤكدة عند جمهور الفقهاء، وقد ورد أنها واجبة عند الحنفية. وقد شُرعت الأضحية لفضيلة عظيمة، فهي سنة نبي الله إبراهيم -عليه السلام- كما أخبر النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، إذ رأى في المنام أنه يذبح ولده إسماعيل -عليه السلام-، فامتثل لأمر الله فأبدله الله بكبشٍ عظيم، قال -تعالى-: (وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ* قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ* إِنَّ هَـذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ* وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ).
والأضحية تُذبح بعد أداء صلاة العيد، إذ لا يُجزئ للعبد لو أداها قبل الصلاة، وإن فعل فعليه التضحية بأخرى بعد الصلاة لتجزئه؛ فقد ثبت عن جندب بن عبد الله أنه قال: (صَلَّى النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- يَومَ النَّحْرِ، ثُمَّ خَطَبَ، ثُمَّ ذَبَحَ، فَقالَ: مَن ذَبَحَ قَبْلَ أنْ يُصَلِّيَ، فَلْيَذْبَحْ أُخْرَى مَكَانَهَا، ومَن لَمْ يَذْبَحْ، فَلْيَذْبَحْ باسْمِ اللَّهِ). ويُستحب تعجيل صلاة عيد الأضحى ليتسنى للناس المسارعة في ذبح الأضاحي ومشاركتها والأكل منها.
أحكام خاصة بعيد الأضحى
الصيام وحكمه في أيام التشريق
يحرُم صوم أول يوم من عيد الفطر وعيد الأضحى بالإجماع، أما تفصيل الآراء في حكم صيام أيام التشريق فهي كما يأتي:
- الحنفية: قالوا إنه يُكره كراهة تحريمية صيام أيام التشريق الثلاثة.
- المالكية: صوم يومين بعد يوم النحر محرّم، وصيام اليوم الثالث مكروه، وأجازوا الصيام للحاج المتمتع أو القارن في حال لم يجد الهدي استناداً لما روته أم المؤمنين عائشة وعبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: (لَمْ يُرَخَّصْ في أيَّامِ التَّشْرِيقِ أنْ يُصَمْنَ، إلَّا لِمَن لَمْ يَجِدِ الهَدْيَ).
- الشافعية: يحرم صيام أيام التشريق الثلاث حتى للحاج؛ استناداً لما أخرجه الإمام مسلم -رحمه الله- في صحيحه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ).
- الحنابلة: يحرم صيام أيام التشريق الثلاث، ويُستثنى من ذلك الحاج المتمتع أو القارن إذا لم يجد الهدي، مُستدلّين بحديث عبد الله بن عمر وعائشة -رضي الله عنهما-.
وفي حال نذر أحد صيام سنة كاملة فلا تدخل أيام التشريق في نذره، ويُفطر ولا يقضي لإفطاره؛ لأنها من الأيام المنهي عن صيامها، وهذا رأي الجمهور، وذهب أبو حنيفة إلى صحة صيام من عليه نذر، إلا أنه يكون مُسيئاً، ويُفضّل عدم الصيام والتعويض بأيام أخر.
ما يستحب فعله في العيد
يُستحب فعل عدد من الأمور في العيد، وبيانها فيما يأتي:
- إحياء ليلة العيد
اتّفق أهل العلم على استحباب إحياء ليلتي عيد الفطر وعيد الأضحى، استناداً لما ورد بأثر ضعيف رُوي عن أبي أمامة الباهلي: (من أحْيَا ليلتيِ العيدينِ مُحتسبًا لم يمتْ قلبُهُ يومَ تموتُ القلوبُ)، ويجوز الاستدلال بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال.
- يُستحب الغُسل في صباح العيد
يُسنّ التنظف وارتداء أجدد الثياب وأفضلها، وإظهار مشاعر البهجة، والفرح، والسرور عند الذهاب لأداء صلاة العيد.
- التكبير ليلة العيد ويوم العيد
يُسنّ الجهر بالتكبير يوم العيد، واتفق الفقهاء على جواز الجهر بالتكبير عند التوجه لصلاة عيد الأضحى، ويُستحبّ التكبير ليلة العيد من المساجد، والمنازل، والأسواق العامة، والطرق وإعلاء الصوت والجهر بالتكبير كما ورد عن جمهور الفقهاء، مُستدلّين بفعل عبد الله بن عمر -رضي الله عنه-؛ إذ كان يُكبّر في مِنى فيسمعه أهل المسجد، فيكبرون ثم يسمعونهم أهل الأسواق، ويكبرون حتى تمتلئ وتصدح مِنى تكبيراً.
ويُختص عيد الأضحى بالتكبير المُقيد الذي يعقب الصلوات، وقد ورد عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أنه يبدأ التكبير المقيد بعد أداء فرض الفجر من يوم عرفة حتى اليوم الثالث من أيام التشريق، إذ ينتهي بعد صلاة العصر.
- التزاور في يوم العيد
حيث تظهر مشروعية التزاور يوم العيد فيما روته أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: (دَخَلَ أبو بَكْرٍ وعِندِي جَارِيَتَانِ مِن جَوَارِي الأنْصَارِ تُغَنِّيَانِ بما تَقَاوَلَتِ الأنْصَارُ يَومَ بُعَاثَ، قالَتْ: وليسَتَا بمُغَنِّيَتَيْنِ، فَقالَ أبو بَكْرٍ: أمَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ في بَيْتِ رَسولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- وذلكَ في يَومِ عِيدٍ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: يا أبَا بَكْرٍ، إنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا وهذا عِيدُنَا).