عوامل ازدهار الشعر في العصر العباسي
عوامل ازدهار الشعر في العصر العباسي
العصر العباسي ؛ هو العصر الرابع في عصور الأدب العربي بعد العصور الجاهلية والإسلامية والأموية، وقد كان العصر العباسي عصر الانفتاح على الثقافات والعلوم المختلفة، وقد كثر فيه الترف، وتحسّنت الأحوال الاجتماعية والمعيشية للناس.
كما تطور الشعر تطورًا ملحوظًا وظهرت معانٍ لم تكن مطروقةً من قبل، وأضاف الشعراء موضوعات جديدة، وابتكروا شعرًا جديدًا هو الشعر التعليمي، كما اكتشفوا أوزان الشعر التي لم تكن معروفةً من قبل، وهناك مجموعة من العوامل التي أدت إلى ازدهار الشعر في العصر العباسي وبيانها فيما يأتي:
حرية النظم
لم تكن هناك قيود أو محدّدات لنظم الشعر في العباسي، الأمر الذي جعل الشعراء في هذا العصر يطلقون العنان لإبداعهم وخيالهم الشعري، ولا يُفهم من ذلك تحرر الشعراء من قيود الوزن والقافية، وإنّما تحررهم من جانب استخدام الألفاظ والمعاني وطرق الموضوعات التي يرغبون في التعبير عنها.
انعكاس الحضارة على الشعر
لامست الحضارة كافة تفاصيل الحياة في البيئة العباسية؛ كالتقاليد والأنظمة، ومجالس الغناء والطرب، إلى جانب التجديد في الأطعمة والألبسة والأثاث وكل جوانب الحياة، ولا شك بأنّ لكل هذا تأثيرًا في الشعر، فالحضارة أيضًا طالت الشعر، وتغير وأصبح انعكاسًا للبيئة المزدهرة التي نشأ فيها.
انتشار الثقافة الإسلامية
شهد العصر العباسي توسعًا حضاريًا نتج عنه اختلاطًا بثقافات وأجناس مختلفة، الأمر الذي أدّى إلى ثراء التجربة الشعرية في ذلك الوقت واستفادتها من كل الثقافات التي خالطتها ومن الانفتاح الذي عاشته، والمتصفح للشعر العباسي سيلمح تأثير المعاني والألفاظ من الأجناس والثقافات الأخرى في القصيدة العربية آنذاك.
الطبيعة الخلابة
أثّرت طبيعة المناطق الخلابة وما فيها من أنهار وبحيرات، وحدائق وأزهار على المخيلة الشعرية لدى الشعراء؛ فانعكس ذلك على شعرهم وأنتجوا مقطوعات شعرية غاية في الروعة والجمال.
ثقافة الخلفاء العباسيين وحبهم للشعر
كان أغلب الخلفاء العباسيين مهتمين بأمور الأدب والثقافة؛ ولهذا السبب قدّروا الشعر والشعراء، وكانوا يشجعونهم ويدعونهم إلى مجالسهم التي استقطبت شعراء نظموا الشعر في مختلف المجالات.
كما كان الخلفاء يغدقون المال والهدايا على الشعراء المجيدين، الأمر الذي شجعهم على الإكثار من نظم الشعر، ولهذا السبب اقترن اسم بعض الشعراء باسم ممدوحيهم، وخير مثال على ذلك المتنبي الذي اقترن اسمه باسم ممدوحه سيف الدولة الحمداني ، فكان لا يترك مناسبةً إلا ويمدحه فيها ويُصوّر بطولاته وانتصاراته، ويمدح صفاته وأخلاقه، بل ويعتب على صدّ سيف الدولة عنه والتفاته لغيره.
نماذج من الشعر في العصر العباسي
نماذج من الشعر في العصر العباسي فيما يأتي:
قصيدة: واحر قلباه ممن قلبه شبم
قال المتنبي :
واحرَّ قَلباهُ مِمَّن قَلبُهُ شَبِمُ
- وَمَن بِجِسمي وَحالي عِندَهُ سَقَمُ
مالي أكَتِّمُ حُبّاً قَد بَرى جَسَدي
- وتَدَّعي حبَّ سيفِ الدَولَةِ الأمَمُ
إن كانَ يَجمَعُنا حبٌّ لِغُرَّتِهِ
- فليتَ أنَّا بِقَدْرِ الحبِّ نَقتسِمُ
قَد زُرتُهُ وسيوفُ الهندِ مُغمَدَةٌ
- وقد نظرتُ إليه والسُيوفُ دَمُ
فَكانَ أحْسنَ خَلق الله كلِّهِمُ
- وكانَ أحسنَ مافي الأحسَنِ الشِّيَمُ
فوتُ العدوِّ الذي يَمَّمْتُه ظَفَرٌ
- في طيّه أسَفٌ في طيّه نِعَمُ
قد نابَ عنكَ شديدُ الخوفِ واصْطنَعَتْ
- لكَ المهابةُ ما لا تَصنعُ البُهَمُ
ألزَمتَ نفسَكَ شيئًا ليس يَلْزَمُها
- أن لا يوارِيَهمْ أَرضٌ ولا عَلَمُ
قصيدة: لا تعذليه فإن العذل يولعه
قال ابن زريق البغدادي:
لا تَعذَلِيه فَإِنَّ العَذلَ يُولِعُهُ
- قَد قَلتِ حَقًا وَلَكِن لَيسَ يَسمَعُهُ
جاوَزتِ فِي لَومهُ حَدًا أَضَرَّبِهِ
- مِن حَيثَ قَدرتِ أَنَّ اللَومَ يَنفَعُهُ
فَاستَعمِلِي الرِفق فِي تَأِنِيبِهِ بَدَلًا
- مِن عَذلِهِ فَهُوَ مُضنى القَلبِ مُوجعُهُ
قَد كانَ مُضطَلَعًا بِالخَطبِ يَحمِلُهُ
- فَضُيَّقَت بِخُطُوبِ الدهرِ أَضلُعُهُ
يَكفِيهِ مِن لَوعَةِ التَشتِيتِ أَنَّ لَهُ
- مِنَ النَوى كُلَّ يَومٍ ما يُروعُهُ
ما آبَ مِن سَفَرٍ إِلّا وَأَزعَجَهُ
- رَأيُ إِلى سَفَرٍ بِالعَزمِ يَزمَعُهُ
كَأَنَّما هُوَ فِي حِلِّ وَمُرتحلٍ
- مُوَكَّلٍ بِفَضاءِ اللَهِ يَذرَعُهُ