أسماء وصفات النبي
أسماء النبي صلى الله عليه وسلم
وردت عدة أحاديثٍ نبويّةٍ شريفة تُبيّن أسماء الرسول -صلى الله عليه وسلم-، منها قوله -صلوات الله عليه-: (لِي خَمْسَةُ أسْماءٍ: أنا مُحَمَّدٌ، وأَحْمَدُ، وأنا الماحِي الذي يَمْحُو اللَّهُ بي الكُفْرَ، وأنا الحاشِرُ الذي يُحْشَرُ النَّاسُ علَى قَدَمِي، وأنا العاقِبُ)، ومنها أيضاً ما رواه أبو موسى الأشعري -رضي الله عنه-، حيث قال: (كانَ رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- يُسَمِّي لَنَا نَفْسَهُ أَسْمَاءً، فَقالَ: أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَحْمَدُ، وَالْمُقَفِّي، وَالْحَاشِرُ، وَنَبِيُّ التَّوْبَةِ، وَنَبِيُّ الرَّحْمَةِ)، أما بالنسبة لتفسير هذه الأسماء فهو كالآتي:
- الماحي: أي الذي يمحو الله به الكفر والسيّئات.
- الحاشر: أي أنَّه يُحشر أول الناس، ثمَّ يُحشَّر الناس على إثره وعقبه، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (أنَا أولُ مَن تَنشقُّ عنه الأرضُ).
- العاقب: الآخر، أي: خاتم الأنبياء الذي لا نبيّ بعده.
- المُقَفَّى: بمعنى العاقب أيضاً؛ إذا كان اسم الفاعل، أما إذا كان اسم مفعول أي: المُقَفِّي؛ فهو المتَّبِع للأنبياء.
- نبيّ التوبة: وقد فُسِّر هذا الاسم بعدة تفسيراتٍ أو أسباب منها: إنَّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- كان كثير الرجوع إلى الله، ومن ذلك قوله: (إنِّي لأستغفرُ اللَّهَ في اليومِ سبعينَ مرَّةً)، ولأنَّه أذِن لأُمّته بالتوبة بمجرد الاستغفار ، ولأنَّ التوبة تعني الرجوع، وهذا يشمل رجوع الكافرين إلى الإسلام، ورجوع العاصين إلى طاعة الله -تعالى- ببركة النبيّ -صلى الله عليه وسلم-.
- نبي الرحمة، ونبي الملاحم: والتوفيق بين الاسمين، يكون بأنّه يأتي بالرحمة والحُجّة والمعجزات للناس، لكن الذي لم يصدّق بذلك وبقي معانداً استحقّ الهلاك.
- محمد، وأحمد: وهو الذي يتحلّى بالكثير من الخِصال التي يستحق الحمد عليها، وقد ذُكر اسم محمّد في القرآن الكريم في عدّة مواضع، منها قوله -تعالى-: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ)، أما اسم أحمد فقد ذُكر في القرآن الكريم مرةً واحدةً على لسان عيسى -عليه السلام- في قوله -تعالى-: (وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ).
- الأمين: وهو اسمٌ أُطلق عليه قبل أن يُصبح نبياً، وهو أحقّ به بعد نبوّته لأنَّ الله استأمنه على الدعوة ووحي السماء.
- البشير والنذير: فهو مَن يُبشّر متّبعي دينه بالأجر والثواب العظيم، ويُنذر مخالفيه بالإثم والعقاب.
- المُنير: فقد سمّاه الله في كتابه السراج المنير، وهو الذي يُنير بغير إحراقٍ على عكس السراج الوهّاج كالشمس التي تحرق.
وقد ذكر ابن حجر -رحمه الله- عدّة أسماءٍ للنبي -صلى الله عليه وسلم-، منها: الشاهد، والنعمة، والشهيد، والمُزَّمِّل، والمُدَّثر، والهادي، والمُصطفى، والمُختار، والشفيع المُشَفِّع، والصادق المَّصدوق، وقد ذكر عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- اسم المتوكِّل، أما ما يتداوله العوامّ من أنَّ طه ويس من أسمائه؛ فهذه معلومات غير صحيحة ودقيقة، وإنما هي حروف بدأت بها السور كغيرها، مثل: الم، المر، وهذا ما ذكره ابن القيم، وأما حديث: (خيرُ الأسماءِ ما عُبِّدَ وما حُمِّدَ)، فهو أيضا حديثٌ غير صحيح كما قال ذلك الألباني -رحمه الله-، وإنما صحّ عنه أنَّه قال -صلى الله عليه وسلم-: (تَسَمَّوْا باسْمِي، ولا تَكَنَّوْا بكُنْيَتِي)، وقوله: (أحبُّ الأسماءِ إلى اللَّهِ عبدُ اللَّهِ وعبدُ الرَّحمنِ).
تعدّدت أسماء النبي -صلى الله عليه وسلم- وصفاته، ويُعتبر ذلك من دلائل نبوّته، وعظيم قدره، وكثرة خيْره، وتعدّد محاسنه وخصائصه التي فضَّله الله -تعالى- بها، فبلغ الغاية في الكمال الإنساني، ولم يحظَ بهذا الشرف من تعدّد الأسماء غيره من الأنبياء .
صفات النبي صلى الله عليه وسلم
صفات النبي الخَلْقِيَّة
خلق الله -تعالى- أنبياءَه الكرام في أحسن صورة، ولكنَّه جعل نبيّنا محمداً -صلى الله عليه وسلم- أبهاهم وأكملهم جلالاً وجمالاً من حيث الخَلْق والخُلُق، فقد ميَّزه الله -تعالى- على البشرية جمعاء، فكان متميّزاً في صورته، وحركاته، وريحه، وجميع أحواله، كيف لا وقد اصطنَعَه الله لنفسه، وجعله قدوةً لخَلقه، فقد كان وجه النبي -صلى الله عليه وسلم- كالقمر ليلة البدر يتلألأ نوراً، ويشعّ بياضاً، وكان أزهر اللَّون مشرباً بالحمرة، وكان يميّزه خاتم النبوّة الموجود بين كتفيه، وقد كان حلو الكلام، فصح اللسان، قوي الجنان، ويمتاز بجبينه الواسع، وأسنانه المفلّجة*، وعيونه شديدة السّواد الحدقة*، ولحيته الكثيفة، وأنفه الأقنى*، وحاجبه الأزج*، وعنفقته* البارزة، وخدّيه السَّهْليْن، وشعره الذي يصل إلى شحمة أذنه، وشيبه الذي يتمركز حول ذقنه، وكفّيه وقدميه الغليظيْن، وقامته المربوعة، فليس بالطويل ولا بالقصير، بحيث لو مشى مع شخصٍ طويل طَالَه وماشاه، وإذا مشى مع شخص قصير ساواه.
وكان من علامات نبوّته -صلى الله عليه وسلم- التي جاءت في الكتب السماوية السابقة : أنه أشكل العينين؛ بمعنى وجود حمرةٍ في عينيه، وهي عبارة عن عروقٍ رقيقة لونها أحمر موجودة في عينيه، وقال العالم القسطلّاني: إنها من الأمور المحمودة، بالإضافة إلى تميّز عينيه بكونها واسعة وحول الحدقة بيضاء ناصعة، ورموشه طويلة، أما تفاصيل خلقته الأخرى ففيما يأتي ذكرها:
- فمه وأسنانه: كان فمه واسعاً وشفتاه جميلتان، وكان أشنب الأسنان: بمعنى أنها كانت رقيقة ومحدّدة، وكان هناك فراغٌ بين ثنايا أسنانه والرباعيات، ومن ذلك ما رواه علي -رضي الله عنه- قال: (كانَ رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيهِ وَسَلَّمَ- أشنَبَ، مُفَلَّجَ الأسنانَ).
- ريقه: فحتى ريقه -صلى الله عليه وسلم- كان مميّزاً، وكان فيه شفاء للمريض، وبركة، وقوة، ونماء، وغذاء، ومن ذلك قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يَفْتَحُ اللَّهُ علَى يَدَيْهِ، قالَ: فَباتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ لَيْلَتَهُمْ أيُّهُمْ يُعْطاها، فَلَمَّا أصْبَحَ النَّاسُ غَدَوْا علَى رَسولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، كُلُّهُمْ يَرْجُو أنْ يُعْطاها، فقالَ: أيْنَ عَلِيُّ بنُ أبِي طالِبٍ. فقالوا: يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ يا رَسولَ اللَّهِ، قالَ: فأرْسِلُوا إلَيْهِ فَأْتُونِي بهِ. فَلَمَّا جاءَ بَصَقَ في عَيْنَيْهِ ودَعا له، فَبَرَأَ حتَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ به وجَعٌ).
- لحيته: كانت لحيته بمقدار قبضة اليد، وكان يُمشّطها ويُعطّرها، فعن علي بن أبي طالبٍ -رضي الله عنه- أنَّه وصَف النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- فقال: (كان عَظيمَ الهامَةِ، أبيضَ، مُشْرَبًا حُمْرةً، عظيمَ اللِّحيةِ).
- شعره: كان شعره رجِلاً؛ أي: ليس بالناعم ولا بالجعد، فعن علي بن أبي طالبٍ -رضي الله عنه- وهو يصف النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- فقال: (كانَ كثيرَ شعرِ الرَّأسِ راجِلَهُ)، وكان طوله يختلف من حالٍ إلى حالٍ، فعندما يقصّه كان يصل إلى نصف أذنيه، وإذا تركه يصل إلى شحمة أذنيه، وأطول طولٍ له أن يصل إلى منكبيه، وقد حلقه كاملاً كما ذكر النووي يوم الحديبية، وفي عمرته وفي حجّته .
- شيبه: كان الشيب خفيفاً جداً في شعر النبي -صلى الله عليه وسلم-، لدرجة أنَّ الصحابة -رضي الله عنهم- تمكّنوا من عدّ هذه الشيبات فقالوا: كانت عشر شيبات في شعره، أو سبع عشرة شيبة في رأسه ولحيته لا تزيد عن ذلك، ومن ذلك ما رواه محمد بن سيرين قال: (سَأَلْتُ أَنَسَ بنَ مَالِكٍ، هلْ كانَ رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- خَضَبَ؟ فَقالَ: لَمْ يَبْلُغِ الخِضَابَ، كانَ في لِحْيَتِهِ شَعَرَاتٌ بيضٌ).
- رقبته وعنقه: وصفت عائشة -رضي الله عنها- عنقه بأنها ليست بالطويلة ولا بالقصيرة، ووصفت عنقه بأنَّه كإبريق فضة، ومن ذلك قولها: (ما ظهر من عنقه للشمس والرياح فكأنه إبريق فضة يشوب ذهبًا يتلألأ في بياض الفضة وحمرة الذهب ، وما غيب الثياب من عنقه ما تحتها فكأنه القمر ليلة البدر).
- منكبيه: وهي المنطقة التي يجتمع بها العضد مع الكتف، فكان -صلى الله عليه وسلم- عريض المنكبين، كثير الشعر عليهما، وممّا رواه علي -رضي الله عنه- أنَّه كان -صلى الله عليه وسلم-: (عريض الصدر، بعيد ما بين المنكبين، أشعر الذراعين والمنكبين وأعالي الصدر).
- إبْطَيه: كان -صلى الله عليه وسلم- أبيض الإبطين، وتعتبر هذه من علامات النبَّوة، لأنَّ الطبيعي عند الناس هو تغيّر لون هذه المنطقة، ومن ذلك ما جاء عنه: (كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا سَجَدَ فَرَّجَ بيْنَ يَدَيْهِ حتَّى نَرَى إبْطَيْهِ. قَالَ: وقَالَ ابنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا بَكْرٌ بَيَاضَ إبْطَيْهِ).
- ذراعيه وكفّيه وأصابعه: كانت ذراعاه طويلة، وكفّاه واسعة وممتلئة باللّحم، وألْيَن من الحرير، من ذلك ما رواه أنس -رضي الله عنه-: (ولَا مَسِسْتُ خَزَّةً ولَا حَرِيرَةً، ألْيَنَ مِن كَفِّ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ)، وقد تميّزت أصابعه بالطول، فقد ثبت بالسّنة أنَّه -صلى الله عليه وسلم- كان: (سائل الأطراف).
- بطنه وسرّته: لم يكن بطنه كبير، وكانت سرّته صغيرة متّصلة مع منطقة نحره بخطٍ خفيفٍ من الشعر، فقد ثبت بالسّنة أنَّه -صلى الله عليه وسلم- كان: (سوي البطن والصدر، عريض الصدر، بعيد ما بين المنكبين، موصول ما بين اللبة والسرة بشعر يجري كالخط، عاري الثديين والبطن، مما سوى ذلك، أشعر الذراعين والمنكبين وأعالي الصدر).
- مفاصله وركبتيه: كان -صلى الله عليه وسلم- يتميّز بضخامة أعضائه كدليلٍ على قوّته.
- ساقيه وقدميه وعقبيه*: تميزت ساقاه ببياضهما، أما قدماه فقيل إنَّه أخمص القدمين؛ أي أنَّ المنطقة ما بين صدر القدم والعَقِب عنده كانت مرتفعة عن الأرض، وهو مسيح القدمين؛ أي أنَّ قدماه ملساء، فقد ثبت في السّنة أنه -صلى الله عليه وسلم- كان: (خمصان الأخمصين، مسيح القدمين ينبو عنهما الماء)، وقيل إنَّه شثن الكفّين والقدمين: أي أنَّ أصابعه وراحته تتميز بالغلظ، وكانت قدماه تشبهان قدما سيدنا إبراهيم -عليه السلام-، وعُرف ذلك من آثارها الموجودة في مقام إبراهيم ، وكان عقبيه منهوسان؛ أي كانا قليليّ اللّحم.
- عَرَقه: كان عرقه أبيضاً صافياً يُشبه اللؤلؤ، فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: (ما شَمَمْتُ عَنْبَرًا قَطُّ، وَلَا مِسْكًا، وَلَا شيئًا أَطْيَبَ مِن رِيحِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ).
صفات النبي الخُلُقِيَّة
ضرب النبيّ محمد -صلى الله عليه وسلم- أروع الأمثلة في حُسن الخُلُق، وكان ذلك جلياً في سيرته العطرة سواءً مع أصدقائه أو مع أعدائه، وذلك لأنَّه بُعِثَ من البداية ليُتمّم مكارم الأخلاق التي من شأنها أن تُقرِّب بين العبد وربه، وبين العبد والناس، وقد امتدحه الله تعالى- في كتابه الكريم بقوله: (لَقَد جاءَكُم رَسولٌ مِن أَنفُسِكُم عَزيزٌ عَلَيهِ ما عَنِتُّم حَريصٌ عَلَيكُم بِالمُؤمِنينَ رَءوفٌ رَحيمٌ)، فهو الأول في كل صفةٍ حسنة يقتضيها الشرع أو الطبع، ومن هذه الصفات ما يأتي:
- الكرم: كان -صلى الله عليه وسلم- أكرم الناس، يُعطي عطاء من لا يخشى الفقر، ومع ذلك كان لا ينفق المال إلا في مكانه المناسب، فإما أن ينفقه في سبيل الله ، أو تأليفاً لقلوب الناس لدخول الإسلام، أو لفقيرٍ، أو محتاج، وقد وصف كرمه أنس بن مالك -رضي الله عنه- فقال: (ما سُئِلَ رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- علَى الإسْلَامِ شيئًا إلَّا أَعْطَاهُ، قالَ: فَجَاءَهُ رَجُلٌ فأعْطَاهُ غَنَمًا بيْنَ جَبَلَيْنِ، فَرَجَعَ إلى قَوْمِهِ، فَقالَ: يا قَوْمِ أَسْلِمُوا، فإنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءً لا يَخْشَى الفَاقَةَ).
- الشجاعة: كان -صلى الله عليه وسلم- أشجع الناس، وعندما كان الناس يهربون من المعارك ومواقف الشدّة كانن يبقى ثابتاً حتى قال عنه علي -رضي الله عنه-: (كنَّا إذا احمَرَّ البأْسُ، ولَقيَ القَومُ القَومَ، اتَّقَيْنا برَسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، فما يكونُ أحَدٌ أقرَبَ إلى العَدُوِّ منه).
- اللِّين وحسن الخُلُق: كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يتميّز باللُّطف، والرحمة ، والعفو، والصفح، ومقابلة السيئة بالحسنة، ومن ذلك قول أنس بن مالك -رضي الله عنه-: (خَدَمْتُ رَسولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ- عَشْرَ سِنِينَ، وَاللَّهِ ما قالَ لِي: أُفًّا قَطُّ، وَلَا قالَ لي لِشيءٍ: لِمَ فَعَلْتَ كَذَا؟ وَهَلَّا فَعَلْتَ كَذَا؟)، وكان يمازح أصحابه، ويُداعِب صِبيانهم، ويجيب دعوتهم، ويزور مريضهم، ويقبل أعذارهم، ويراعي أحوالهم.
- الزهد والتقلّل من الدنيا: كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- أزهد الناس في الدنيا، وأكثرهم رغبةً في الآخرة، وقد خيَّره الله -تعالى- بين أن يكون نبيّاً أو ملِكاً في الدنيا، لكنَّه اختار أن يكون عبداً ونبيّاً، ودليل زهده -صلوات الله عليه- عندما دخل عليه نفرٌ من الصحابة ووجدوا شريطاً قد أثّر في بدنه، فأخذ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بالبكاء، فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (ما يُبكيكَ يا عمرُ؟ قال: واللهِ ما أَبْكي إلَّا أنْ أكونَ أعلَمُ أنَّكَ أكرمُ على اللهِ من كِسْرى وقَيصَرَ، وهما يَعيثانِ في الدُّنيا فيما يَعيثانِ فيه، وأنتَ يا رسولَ اللهِ بالمكانِ الذي أَرى، فقال النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: أمَا تَرْضى أنْ تكونَ لهمُ الدُّنيا ولنا الآخرةُ؟ قال عمرُ: بَلى، قال: فإنَّه كذاكَ).
- الحياء: كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- أشدّ حياءً من العذراء في خِدرها، فعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: (كانَ رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ العَذْرَاءِ في خِدْرِهَا، وَكانَ إذَا كَرِهَ شيئًا عَرَفْنَاهُ في وَجْهِهِ).
- الرفق: كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- رفيقاً بأمّته، فعن أنس -رضي الله عنه- قال: (كانَ رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- يَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ مع أُمِّهِ وهو في الصَّلَاةِ، فَيَقْرَأُ بالسُّورَةِ الخَفِيفَةِ، أوْ بالسُّورَةِ القَصِيرَةِ).
النبي محمد خاتم الأنبياء والمرسلين
أجمع العلماء على أن النبيّ محمد -صلى الله عليه وسلم- هو خاتم الأنبياء والمرسلين، لأن هذه الحقيقة مثبتةٌ في القرآن الكريم، قال الله -تعالى-: (مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَـكِن رَّسُولَ اللَّـهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ)، وفي السنَّة النبويَّة يقول -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ مَثَلِي ومَثَلَ الأنْبِياءِ مِن قَبْلِي، كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بَيْتًا فأحْسَنَهُ وأَجْمَلَهُ، إلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِن زاوِيَةٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ به، ويَعْجَبُونَ له، ويقولونَ هَلّا وُضِعَتْ هذِه اللَّبِنَةُ؟ قالَ: فأنا اللَّبِنَةُ وأنا خاتِمُ النبيِّينَ)، وهذا ما أكَّد عليه العالِم ابن عطية في تفسير الآية الكريمة السابقة، فقال إنّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- هو خاتم الأنبياء والمرسلين، وهو ما بيَّنَّه للخلق جميعاً في القرآن الكريم والسنَّة النبويَّة، وكذلك قال العالم ابن كثير إنَّ حقيقة كون الرسول -صلى الله عليه وسلم- خاتم الأنبياء والمرسلين ولا نبيَّ بعده، جاءت في القرآن الكريم والسنة النبويَّة المتواترة ، حتى يُعلَم أنَّ كل من ادَّعى النبوة بعد ذلك هو كذَّابٌ ضالٌّ ودجَّال.
وتجدر الإشارة إلى أنَّ قراءة كلمة خاتِم بكسر التاء، أو خاتَم بفتحها تُفيدان نفس المعنى، وقد دلَّت بعض أسماء النبيّ -صلى الله عليه وسلم- على أنَّه خاتم النبيّين، مثل اسم العاقب الذي يعني أنّه لا نبيّ بعده، حتى أنَّ التصديق بهذه الحقيقة يُعتبر من مستلزمات شهادة أنَّ محمداً رسول الله التي هي أول أركان الإيمان ، ومنكر هذه الحقيقة جاحدٌ، لأنها معلومةٌ من الدين بالضرورة ولا يمكن لمسلمٍ إنكارها.
_______________________________________
الهامش
* مفلّجة: التباعد بين الأسنان، وهي صفة جمال.
* حدقة: السواد المستدير داخل العيون.
* أقنى: ارتفاع وسط قصبة الأنف.
* أزجّ: طويل ومقوّس ورقيق.
* عنفقة: الشعيرات الموجودة بين الذقن وأسفل الشفّة.
* العقب: العظم الموجود في مؤخّرة القدم.