عائشة زوجة الرسول
عائشة زوجة الرّسول
كان الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- يحبّ أبا بكرٍ الصّديق -رضي الله عنه- حبّاً شديداً، وكان أبو بكر -رضي الله عنه- يستحقّ المنزلة الرفيعة عند النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، إذْ لم يتوانى عن خدمة الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- ولم يبخل عليه بمالٍ أو بجهدٍ، وكان رفيقه يوم هجرته، فأحبّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أن يكرمه ويبهج قلبه بشيءٍ عظيم على قَدَر أفعاله، فتزوّج ابنته عائشة رضي الله عنها، وكانت عائشة -رضي الله عنها- تحمل صفاتٍ عظيمةٍ تؤهّلها لأن تكون زوجة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ فكانت فصيحةً مؤدّبةً صاحبة علمٍ وبلاغةٍ وهمّةٍ عاليةٍ لتعلّم الدّين والعلم، فنقلت سنّة الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- وتعلّمتها وعلّمتها لنساء المسلمين، وكانت كذلك صوّامةً قوّامة صاحبة عطاءٍ وصدقةٍ وزهْدٍ وإيمان، ومن عظيم فَضْلها أنّ الله -تعالى- زوّجها رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فورد في روايةٍ صحيحةٍ عن عائشة بنت أبي بكر -رضي الله عنها- أنّ جبريل -عليه السّلام- أتى إلى الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- بصورة عائشة بخِرْقة خضراء وقال له بأنّ عائشة زوجته في الدّنيا والآخرة ، توفّيت عائشة -رضي الله عنها- عن ثلاثة وستين عاماً وعدّة شهور، ودُفنت في البقيع سنة سبعٍ وخمسين للهجّرة في شهر رمضان المبارك، وصلّى عليها الصحابيّ أبو هريرة رضي الله عنه.
فضائل عائشة زوجة الرّسول
كانت عائشة بنت أبي بكر -رضي الله عنها- أحبّ خَلْق الله -تعالى- إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وسُئل مرّة عن أحبّ النّاس إليه فقال بأنّ عائشة أحبّ النّاس إليه، ومن أفضالها أنّ جبريل -عليه السّلام- أقرأها السّلام مرةً فأخبرها النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بذلك، فردّت السّلام لجبريل وهي لا تراه، وذكر النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- ذلك فقال: (فضلُ عائشةَ على النِّساءِ كفَضلِ الثَّريدِ على سائرِ الطَّعامِ)، وذلك بسبب علمها الغزير وعملها المؤدّى على أكمل وجه، فروت عائشة بنت أبي بكر -رضي الله عنها- عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- ألفين ومئتين وعشرة حديث نبويّ، وكانت من أعلم الصّحابة -رضي الله عنهم- بالفقه وأحكام الميراث والشّعْر والطبّ، فقد سُئلت عن علمها في الطّبّ فأخبرت أنّها كانت تتابع باهتمام وفود الأطبّاء التي تأتي الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- حتى تعلم وتفهم ما صنعوا لعِلّة المريض.
تعامل عائشة مع زوجات الرّسول
رُوي أنّ المسلمين إذا أرادوا إهداء النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- تخيّروا الوقت الذي يكون فيه الرّسول في بيت عائشة رضي الله عنها، فلاحظّن باقي زوجاته ذلك ووكّلن أمّ سلمة -رضي الله عنها- بأن تُراجع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فأعرض النبيّ عنها مرّتين ولم يُجبها، وفي الثّالثة طلب منها النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أن لا تؤذيه في عائشة، فإنّ جبريل -عليه السّلام- ما نزل على النبيّ وهو في لحاف إحدى زوجاته إلّا مع عائشة، فكانت لها كرامة من السماء، وذكرت عائشة -رضي الله عنها- أنّها كانت تغار من زوجات الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- وخاصّة من خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، فكان النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- يذبح الشّاة ويقطّعها ويوزّعها على صديقات خديجة.
حادثة الإفك
كان النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- خارجاً في إحدى الغزوات، وكانت من عادته أن يقترع بين زوجاته ليأخذ إحداهنّ معه في غزوته، فخرج سهم عائشة -رضي الله عنها- وكانت صغيرة السِّن، وبعد انتهاء الغزوة واستعداد الجيش للرحيل نزلت عائشة -رضي الله عنها- لتقضي حاجتها بعيداً عن الجيش ولم ينتبه أحداً لغيابها، وعندما رجعت كانوا قد مَشَوا في طريقهم، فتلمّست موضع القلادة فوجدت أنّها أضاعت عقداً في رقبتها، فعادت لتبحث عنه وكان الجيش قد ابتعد مسافةً كبيرةً عن عائشة رضي الله عنها، فجلست تنتظر أن يعود أحداً للبحث عنها فنامت، ثمّ جاء صفوان بن المعطّل فرآها وعرفها واستيقظت على صوته، ثمّ تخمّرت ومشيت معه، ولم تكلّمه ولم يكلّمها طول الطريق حتى وصلا الجيش، فرآهما كبير المنافقين عبد الله بن سلول وبدأ يتحدّث عنهما بسوء، ولمّا وصل الجيش إلى المدينة المنوّرة مرضت عائشة بنت أبي بكر -رضي الله عنها- شهراً كاملاً ولم تستطع الخروج من بيتها، حتّى برأت من مرضها وخرجت مع أمّ مسطّح لقضاء حاجة، فتعثّرت أمّ مسطّح وسبّت مسطّح، فأنكرت عليها عائشة أن تسبّ رجلاً شهد بدراً ، فأخبرتها أمّه بأنّه يتّهمها بعِرضها، فحينها عرفت عائشة -رضي الله عنها- ما يُقال حولها منذ شهر في المدينة المنوّرة.
عندما علمت عائشة -رضي الله عنها- ما يُقال عنها بكيت بكاءً شديداً وطلبت من الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- أن تذهب إلى بيت أهلها، فذهبت وسمعت من أمّها الخبر كاملاً، فبكت وازدادت مرضاً إلى مرضها، وبعد يومين ذهب إليها رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وقال لها بأنّها لو كانت بريئة فسيبرّئها الله -تعالى- وإن كانت سِوى ذلك فلتتُب إليه فإنّه يغفر الذّنوب جميعاً، فازدادت عائشة -رضي الله عنها- همّاً على همّها، وعلمت ألّا ملجأ لها إلّا إلى الله تعالى، فنزل الوحي على رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بآيات البراءة من الإفك الذي أُثير حولها.