أسباب ظهور علم الجرح والتعديل
علم الجرح والتعديل
الجرْح لغةً: التأثير في الجسم بسلاحٍ أو نحوه فيؤدّي إلى القطع أو الشقّ فيه، أمّا في اصطلاح علماء الحديث : فهو صفةٌ في الرواة تقتضي أن تسلب عدالتهم -أي وصفهم بالسلامة من الفسق وسيء الأخلاق- أو ضبطهم -أي حفظهم للحديث-؛ ما يعني ردّ روايتهم أو تضعيفها، والتعديل لغةً: هو تقويم الشيء وتسويته، وأمّا في اصطلاح علماء الحديث: فهو صفةٌ في الرواة تقتضي الحكم عدالتهم أو ضبطهم؛ ما يعني قبول روايتهم وصحتها، فالجرح والتعديل: علمٌ يقوم فيه علماءُ الحديث المتخصصون ذوو الخبرة بالحديث وعِلله ورجاله بالبحث في حال الرَّاوي؛ من حيثُ القَبول والردّ، والهدف منه؛ حماية وصيانة السنّة النبويّة والذبُّ عن الشريعة، من كلّ من يحاول الطعن فيها أو النيل من سمعتَها.
أسباب نشأة علم الجرح والتعديل
أوصى صحابة الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالاحتياط في أخذ الحديث عن رواته، وأن يُؤخذ الحديث عن راوٍ موثوقٍ في دينه وحفظه، فالموثوق في الدين: هو الراوي العدل، والموثوق في الحفظ: هو الراوي المتقن للحديث والضابط له، إلّا أنّ ظهور الفرق وأصحاب البدع بعد عهد الصحابة -رضوان الله عليهم- وعهد من تبعهم، تسبّب في ظهور الوضع والكذب في الحديث؛ وذلك من أجل نصرة الفرقة و البدعة والهوى، فكان أصحاب البدع والأهواء يختلقون أحاديث؛ لتنصر وتؤيّد بدعتهم أو آراء فرقتهم، وقد كان علماء الحديث قبل ظهور هذه الفتن لا يسألون عن الأسانيد، ويقصد بالسند: سلسلة الرواة الذين تناقلوا الحديث وصولًا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، فلمّا ظهرت وشاعت تلك الفتن؛ أصبح أهل الحديث يسألون عن أحوال رواة الحديث، فإن كانوا من أهل الدين والحفظ أخذوا حديثهم، وإن كانوا من أهل البدع والأهواء ردّوا حديثهم، قال ابن سيرين عن علماء الحديث: "لم يكونوا يُسألون عن الإسناد فلما ظهرت الفتن قلنا لهم: سمّوا رجالكم، فمن كان من أهل السنة أخذنا حديثه، ومن كان من أهل الأهواء والبدع طرحنا حديثه"، وقد شاع آنذاك بين عامة الناس قاعدةٌ مفادها أنّ أحاديث النبي -عليه الصلاة والسلام- دينٌ؛ فانظروا عمّن تأخذون دينكم.
شروط الجارح والمعدِّل
اشترط أهل العلم عددًا من الشروط التي يجب أن تتوافر في الجارح والمعدِّل؛ حتى يكون حكمه صحيحًا دقيقًا، وعادلًا في راوي الحديث، وبيان هذه الشروط آتيًا:
- أن يكون عالمًا عدلًا متَّصفًا بالورع والصدق، قال الإمام الذهبي في كتابه ميزان الاعتدال: "والكلام في الرُّواة يحتاج إلى ورعٍ تامٍّ، وبراءةٍ من الهوى والميل، وخِبرةٍ كاملةٍ بالحديث وعِلله".
- أن يعرف أسباب الجرْح والتعديل، عادلًا منصفًا لمن يجرحه ويعدِّله، قال بدر الدين بن جماعة: "من لا يكون عالِمًا بالأسباب، لا يُقبل منه جرْحٌ ولا تعديل، لا بالإطلاق ولا بالتقييد".
- أن يكون زاهدًا في الدنيا بريئًا من الأهواء والتعصب للفرق.
- أن يكون ملمًّا بتصاريف ألفاظ العرب، فيضع كلّ لفظٍ في مكانه الصحيح؛ فلا يُجرّح راوٍ بنقله لفظًا لا يقتضي الجرح عند العلماء.
مصنفات الجرح والتعديل
تعتبر كتب الرجال من أهمّ مصادر معرفة حال الراوي من حيث جرحه وعدالته، وهي على أربعة أقسامٍ، وبيانها آتيًا:
- الأول: مصنّفاتٌ خاصَّةٌ بالرواة الثقات العدول، ومثاله: "كتاب الثقات لابن حبان".
- الثاني: مصنَّفاتٌ خاصَّةٌ بالرواة الضعفاء، ومثاله: "كتاب الضعفاء الصغير" للبخاريّ، و"لسان الميزان" لابن حجر.
- الثالث: مصنَّفاتٌ خاصَّةٌ بالرواة الثقات والضعفاء؛ "كالتاريخ الكبير" للبخاريّ، و"كتاب الطبقات الكبرى" لابن سعد.
- الرابع: مصنَّفاتٌ خاصَّةٌ برجال الكتب الستّة المشهورة المختصة بحديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومثال هذا القسم: "كتاب تهذيب الكمال في أسماء الرجال" للمزِّي.