طريقة الاغتسال للرجل
طريقة الاغتسال الواجب للرجل
إنّ للغسل صفتين؛ صفة الإجزاء؛ وتتحقّق بالنيّة وتعميم الماء على الجسم والشعر، أمّا صفة الكمال فتتحقّق بذلك إضافة إلى شروط الغسل وآدابه وسُننه، وأركان الغسل وواجباته هي: النيّة ومحلّها القلب، والتّسمية عند من أوجبها، وغَسل جميع أعضاء الجسد، وبيان صفتيّ الاغتسال فيما يأتي:
- صفة الاغتسال المُجزئة -أي التي تسقط بها فرضية الغسل عن المسلم-: وتكون بالنية وتعميم الماء على الجسد، والمُراد بتعميم الماء؛ أي الحرص على إيصال الماء إلى جميع أجزاء الجسد، والانتباه إلى الأماكن التي لا يصل إليها الماء إلّا بصعوبة؛ كفروة الرّأس، وتحت الإبط، والسُّرّة، وبطون الرّكبتين، وبطون الفخذين، فيتمّ التأكّد من وصول الماء إلى جميع أجزاء البدن، ويحصل التّعميم بمجرد وصول الماء إلى الجسد كاملاً بغضّ النّظر إن ابتدأ الرَّجل برأسه، أو قدميه، أو جنبه، أو أيّ عضو آخر.
- صفة الاغتسال الكاملة: ويُبدأ الاغتسال الكامل بالنيّة، فينوي الرَّجل رفع الحدث أو إزالة الجنابة، فإن اغتسل بدون نيّةٍ لم يصح اغتساله، وذلك لقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنَّما الأعْمالُ بالنِّيّاتِ)، ثمّ يسمّي الله -تعالى-، حيث أوجب بعض العلماء البسملة في الوضوء، والغُسل بمقام الوضوء، ثمّ يبدأ الغسل كما كان النبيّ -عليه الصلاة والسّلام- يفعل؛ فيصبّ الماء على يديه ثلاث مرّات ويغسلهما، ويصبّ الماء صبّاً دون أن يضع يديه في الإناء، لاحتمال وجود الأذى عليهما، فإن نظّفهما بدأ بعد ذلك بوضعهما في الإناء والاغتراف بهما.
- ثمّ يغسل الرّجل فرجه خشية أن يكون عليه شيءٌ علق به، ثمّ يغسل يده، ويجوز أن يمسحها بالتراب أو الحائط، أو يغسلها بالماء أو الصابون، ثمّ يتوضّأ وضوءاً كاملاً كما فعل النبيّ -عليه الصلاة والسّلام-، ويبدأ بالغُسل؛ فيغسل رأسه ثلاثاً ويُخلِّل الماء إلى جذوره، ثمّ يفيض بالماء على جسده ثلاثاً، ويُستحبّ أن يبدأ بالشقّ الأيمن ويليه الشِّق الأيسر، ويفعل ذلك مرّة واحدة، والأفضل أن يُدلّك جسده من باب الاحتياط، ثم بعد الانتهاء يغسل قدميه.
سنن الاغتسال
إنّ للاغتسال سُنناً عدّة يُسنّ للمسلم فعلها عند اغتساله، وذلك اتّباعاً لسنّة النبيّ -عليه الصلاة والسّلام-، ونذكر هذه السّنن فيما يأتي:
- البدء بغسل اليدين والفرج، وإزالة النّجاسة العينيّة عن البدن، فقد كان النبيّ -عليه الصلاة والسّلام- يغسل يديه ثلاث مرّات قبل أن يضعهما في الإناء، كما روت ميمونة -رضيَ الله عنها- فقالت: (وَضَعْتُ للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَاءً لِلْغُسْلِ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ أوْ ثَلَاثًا).
- الوضوء، وقال المالكيّة بتأخير غسل القدمين إلى أن ينتهي الرّجل من الغُسل، أمّا الحنفيّة والشافعيّة والحنابلة فقالوا إنّه يغسل قدميه حين الوضوء ، وبالإضافة إلى فعل المضمضة والاستنشاق الواجبان بالوضوء، وذلك عند الحنفيّة والحنابلة، وعند المالكيّة يحرص الرجل على مسح ثُقبي أذنيه، أمّا ظاهرهما وباطنهما فيُغسلان مع الجسد.
- تعهّد معاطف الجسد وبواطنه، كأن يغرف الماء بيده ويدخلها إلى هذه الأماكن؛ كطبقات البطن، والسُّرّة، وباطن الأذنين، وإبطيه، وذلك عند الشافعيّة.
- إفاضة الماء على الرّأس والجسد ثلاثاً، والبدء بالجهة اليُمنى ثمّ اليسرى، فقد روت السّيِّدة عائشة أمّ المؤمنين -رضي الله عنها- واصفة غُسل النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- فقالت: (كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُحِبُّ التَّيَمُّنَ في طُهُورِهِ)، بالإضافة إلى دَلْك البدن بالماء، ويكفي في ذلك الظّنّ، لأنّ اليقين بوصول الماء إلى جميع الجسد يُسبّب مشقّةً كبيرة.
- الموالاة في غَسْل الأعضاء كما فعل رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، وذلك عند الحنفيّة والشافعيّة والحنابلة، أمّا المالكيّة فالموالاة عندهم فرض.
- التّرتيب؛ فيبدأ الرّجل بالرّأس، ثم الجانب الأيمن، ثم الجانب الأيسر، فإن ترك محلّاً دون أن يغسله عاد إليه فغسله دون أن يعاود غسل ما بعده مما قام بغسله، وذلك بالاتّفاق.
- التّثليث، وذلك كما روت ميمونة -رضيَ الله عنها- في صفة غُسل النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- فقالت: (ثُمَّ أفْرَغَ علَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ حَفَنَاتٍ)، قال المالكيّة إنّ التّثليث الوارد عن النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- إنما يكون في غسل الرّأس، أمّا سائر الجسد فلم يرد فيه التّثليث عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، وبهذا قال ابن تيمية أيضاً.
موجبات الاغتسال للرجل
المُراد بموجبات الغُسل؛ أيّ الأسباب التي تجعل الغسل واجباً، ونذكرها فيما يأتي:
- نزول المنيّ؛ وذلك بالاتّفاق دون خلاف، ولا فرق فيه بين الرجل والمرأة، لِما ورد عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنَّما المَاءُ مِنَ المَاءِ)؛ أيّ يجب الغُسل بالماء عند نزول الماء وهو المنيّ، وقد قال الشافعيّة بوجوب الغُسل بمجرد نزوله، أمّا الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة فقد اشترطوا نزوله بشهوة، ويرى الشافعيّة أنّ الرّجل إذا أحسّ بنزوله فأمسك ذكره لكي يمنع النّزول ثمّ لم ينزل فلا غُسل عليه، وأمّا الحنابلة فلم يشترطوا النّزول؛ بل يكفي لوجوب الغُسل إحساسه بالمنيّ وحبسه له.
- وممّا يتعلّق بذلك أيضاً أنّ الرّجل إذا رأى المنيّ لكنّه لم يتذكّر أنّه احتلم وجب عليه الغُسل، أمّا إن احتلم دون أن يرى المنيّ فلا غسل عليه، بدليل ما روته أم سلمة -رضيَ الله عنه-، حيث قالت: (يا رَسولَ اللَّهِ: إنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الحَقِّ، هلْ علَى المَرْأَةِ مِن غُسْلٍ إذَا هي احْتَلَمَتْ؟ فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: نَعَمْ إذَا رَأَتِ المَاءَ)، فيدلّ ذلك على اشتراط النّزول لوجوب الغُسل، سواء أحسّ به أم لم يحسّ، وسواء تذكّر أنّه احتلم أم لم يتذكّر، أمّا إن نزل منيّاً بعد الغُسل فقد قال الحنابلة بعدم إعادة الغسل مرّةً أخرى، لأنّه نزل دون شهوة، ولأنّه منيّاً واحداً فوجب فيه اغتسالاً واحداً، فيكفيه الوضوء بعد ذلك.
- التقاء الختانين؛ ويتحقّق بتغيّب حشفة الرجل في الفرج، لحديث أبي هريرة -رضيَ الله عنه- عن النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام-: (إذا جَلَسَ بيْنَ شُعَبِها الأرْبَعِ، ثُمَّ جَهَدَها، فقَدْ وجَبَ الغَسْلُ)، أمّا التقاء ذكره بفرجها دون دخول الذّكر في الفرج لا يوجب الغُسل، وهذا قول الخلفاء الأربعة، وعائشة -رضيَ الله عنها-، والفقهاء من التّابعين أمثال سفيان الثوريّ، وهو قول الشافعيّ، وغيرهم، والالتقاء يوجب الغُسل حتى لو لم ينزل منيّ، وقد قال داود الظاهري وجمع من الصّحابة والتّابعين بعدم وجوب الغسل حينها، لكنّ الغسل أحوط.
ولا بدّ من التّنبيه إلى جواز الخروج من أجل قضاء الحاجات قبل الاغتسال من الجنابة، وذلك لِما جاء عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: (أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ لقيه وهو جنبٌ، قال: فانبجستُ؛ أي فانخنستُ، فاغتسلتُ، ثمَّ جئتُ، فقال: أين كنتَ أو أين ذهبتَ؟ قلتُ: إني كنتُ جنبًا، قال: إنَّ المسلمَ لا ينجس)، والانخناس أي الرّجوع.
_______________________________________
الهامش
* المَني: الماء الخارج دَفْقاً وبقوّةٍ؛ بسبب تحقُّق اللَذّة والشهوة الكُبرى، ويجب بسببه الغُسل.