طرق تحمل الحديث وأداؤه
طرق تحمل الحديث وأداؤه
السماع من لفظ الشيخ
وصورة ذلك أن يقرأ الشيخ، ويقوم الطالب بسماعه، سواءً قرأ الشيخ من حِفظه أو من كتابه، وسواءً سمع الطالب وحفظ أو قام بكتابة ما سمعه من الشيخ، وذهب الجُمهور إلى أنّ السماع أعلى أقسام طرق التحمُّل، وقبل شُيوع ألفاظ التحمُّل كان الطالب يقول عند أدائه: سمعت، أو حدثني، أو أنباني، أو أخبرني، أو قال لي، أو ذكر لي، وبعد شُيوع الألفاظ الخاصة بالتحمُّل أصبحت تعني كما يأتي:
- لفظ سمعت، أو حدثني: للدّلالة على السماع من لفظ الشيخ.
- لفظ أخبرني: للدّلالة على القراءة على الشيخ.
- لفظ أنبأني: يدلُّ على الإجازة.
- لفظ قال لي، أو ذكر لي: يدُلّ على سماع المُذاكرة.
وجاء عن الخطيب أن أرفع الأداء في هذا النوع قول التلميذ: سمعت، ثُمّ حدثنا، ثُمّ أخبرنا، وتكون هذه الصّيغ في حال وُجود غيره معه، وإن كان لوحده قال: سمعتُ، وحدّثني، وهي أرفع الطُّرق في الأداء وأكثرها صراحة، وقال اللقاني: إنّ هذه الألفاظ قد تُختصر، فمثلاً يُقال لحدّثنا: ثنا، وبعضهم يختصرها ب نا، أو دثنا، وأخبرنا بـ أنا، أو أرنا، أو أبنا، وأجاز العُلماء السماع من الشيخ من وراء حِجاب إذا عُرف الصوت، لأنّ النبيّ محمد -عليه الصلاةُ والسلام- أمر الناس بالصيام بِمُجرّد سماع صوت المؤذن مع غيابه عمّن سمعه، وكذلك كسماع الصحابة الكِرام من أُمّهات المؤمنين من وراء حجاب، ويكون أداؤها بالألفاظ التي تم ذكرُها.
القراءة على الشيخ
تُسمّى القراءة على الشيخ أيضاً بالعرض، وصورتها: قيام الطالب بالقراءة أمام الشيخ، سواءً قرأ الطالب أو غيره وهو يسمع، وسواءً كانت القراءة من حفظه أو من كتابته، وسواءً كان الشيخ يُتَبِّعُ له من حفظه أو من كتابه، وهذا الصورة يجوز الرواية بها، وأمّا ألفاظ الأداء في هذه الصورة فتكون بقول الطالب: قرأت على فُلان، أو قُرئ عليه وأنا أسمع فأقرّه، وهو الأحوط، كما يجوز بعبارات السماع المُقيّدة بلفظ القِراءة، كقوله: حدّثنا قراءةً عليه، وأمّا الشائع في ذلك هو قول: أخبرنا، وذهب الإمامُ مُسلم وجُمهور أهل المشرق من المُحدّثين إلى إجازة إطلاق أخبرنا، ومنع إطلاق حدثنا. وتعدّدت آراء المُحدثّين في رُتبة القراءة على الشيخ على الأقوال الآتية:
- مُساويةٌ للسّماع: وهو قول مالك، والبُخاريّ ، وأكثر عُلماء الكوفة والحِجاز.
- أقلّ من السّماع: وهو قول الجُمهور من أهل المشرق.
- أعلى من السّماع: وهو قول أبي حنيفة وابن أبي ذئب.
الإجازة
وتعني الإذن بالرّواية، سواءً كان الإذن عن طريق اللّفظ أو الكِتابة، كأن يقول الشيخ لتلميذه: أجزتُ لك الرواية عني لصحيح البُخاريّ ، وأمّا ألفاظ الأداء بهذا النوع، فالقول: أجاز لي فُلان، وهو الأولى، كما يجوز أداؤها بعبارات السماع والقراءة المُقيّدة، كقوله: حدّثنا أو أخبرنا إجازةً، كما أجاز المُتأخّرين لفظ أنبأنا، ويُستحبّ للمُجاز بالكِتابة التّلفظ بها، مع جواز الاقتصار على الكِتابة، وأمّا أنواعها فهي كثيرة، ومنها ما يأتي:
- الإجازة من الشيخ لمُعيَّنٍ بمُعيّنٍ: كقوله: أجزتُك يا فلان في صحيح البُخاريّ، وذهب الجُمهور إلى جواز الراوية والعمل بها، وذهب الشافعيّ في أحد روايتيه إلى إبطالها، وعدّها الظّاهريّة كالمُرسل في البُطلان، وذهب بعض المُحدّثين إلى أنّ الأصل التوقف حتى يتبين إتقان المُجيز وثقته وثقة الراوي المُجاز له.
- الإجازة من الشيخ لمُعيّنٍ بغير مُعيّن، كقوله: أجزتُك يا فلان برواية مسموعاتي.
- الإجازة من الشيخ لغير مُعيّن بغير مُعيّن، كقوله: أجزتُ أهل زماني برواية مسموعاتي.
- الإجازة من الشيخ بمجهول أو لِمجهول، كقوله: أجزتُ كِتاب السُنن، وكان قد روى عدداً من كُتب السُنن، أو كقوله: أجزت فُلاناً، ويكون هُناك عدد من الأشخاص بنفس هذا الاسم، وهذا النوع غير جائزٍ الرواية به؛ لأنّ فيه جهالة.
- الإجازة للمعدوم: كقوله: أجزتُ فُلاناً ولمن يولدُ له، أمّا الإجازة للطفل غير المُميّز صحيحة؛ لأنّ الإجازة تصحّ للعاقل وغيره.
المناولة
تُقسم الرواية بهذا النوع إلى عدّة أقسام، نذكرها فيما يأتي:
- القسم الأول: المُناولة المقرونة بالإجازة، وهي أعلاها، وصورتها: أن يُعطي الشيخ الطالب كتابه ويقول له: هذا روايتي عن فلان، فارْوِهِ عنّي، سواءً كان ناوله إيّاها على سبيل التمليك أو الإعارة لينسخه، وهي أقلّ مرتبةً من السّماع أو القراءة، وذهب العُلماء إلى جواز الرواية بها، وأمّا ألفاظ الأداء بها، فالحسن قول: ناولني، أو أجازني.
- كما تجوز بعبارات السماع والقراءة المُقيّدة، كقول: حدثنا مُناولة، أو أخبرنا مُناولةً وإجازة، وذهب المُحدثون كالزُهريّ، وربيعة الرّأي، وجماعة من أهل مكة والكوفة، وغيرهم إلى أنّها تقوم مقام السّماع، بينما قال الفُقهاء بأنّها لا تُعدُّ سماعاً؛ كالشافعيّ، والأوزاعيّ، وأبو حنيفة، وأحمد.
- القسم الثاني: المُناولة المُجرّدة عن الإجازة: وصورتها: أن يُعطي الشيخ التّلميذ كتابه ويقول له: هذا سماعي، والأصل في هذا القِسم عدم جواز الرواية به.
- القسم الثالث: عرض المُناولة، كأن يُعطي الشيخ التلميذ ويقول له: حديثي أو سماعي فارو عني.
- القسم الرابع: أن يقوم الطالب بِكتابة كتابٍ للشيخ ويقول له فيه: هذه روايتك فناولنيه، فيوافق من غير نظرٍ إليها، وهذه الرواية لا تجوز.
الكتابة
وهي أن يقوم الشيخ بكتابة مسموعه لتلميذه الغائب أو الحاضر، سواءً كانت الكتابة بخطّه أو أمره، وأمّا ألفاظ الأداء بها بالتّصريح، كقوله: كتب إلي فلان، أو ألفاظ السمع والقراءة المُقيّدة، كقوله: حدثني أو أخبرني فلان كتابة، ويكفي في الكتابة معرفة الخط دون البيّنة على ذلك، وهي على عدّة أنواع وبيانها فيما يأتي:
- النوع الأول: الكتابة المقرونة بالإجازة: كقوله: أجزتك ما كتبته لك، ويجوز الرواية بها.
- النوع الثانيّ: الكِتابة المُجرّدة عن الإجازة: ككتابة الشيخ لتلميذه بعض الأحاديث ويقوم بإرسالها له، ولا يجيزه بروايتها، وتعددت آراء المُحدّثين بين الرواية بها وعدمها، والأصل الجواز عند المشهور من أهل الحديث ، لورود ذلك في مُصنّفاتهم وكُتبهم، كقولهم: كتب إليّ فُلان.
ويُستحبُ للشيخ أن يبدأ بالكتابة بنفسه؛ اتباعاً للنبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-، ثُمّ يُبسمل، ويقول: من فُلان بن فلان إلى فلان بن فلان، ومما ورد في أنواع الإجازة في ذلك؛ إجازة إسماعيل بن إسحاق القاضي لأحمد بن إسحاق بن بهلول التنوخي بالإجازة في كتاب الناسخ والمنسوخ.
الإعلام
وصورة ذلك الإخبار من الشيخ لتلميذه بأنّ هذا الكِتاب أو الحديث سماعه، وتعدّدت أقوال العُلماء في الرواية به، فذهب الكثير من أهل الحديث والفقه والأُصول إلى الجواز، وذهب آخرون إلى عدم الجواز؛ لاحتماليّة وُجود خللٍ فيه، ويكون الأداء به بقول: أعلمني شيخي بكذا، وممن ذهب إلى جواز الرواية به: ابن جُريج، وابن الصّباغ، وأبو العباس الغمري، ومن ذهب إلى عدم جواز الرواية به قال بوُجوب العمل به إن صح إسناده.
الوصيّة
وصورتها: أن يوصي أحد الشيوخ عند موته أو سفره إلى أحد تلاميذه بكتابٍ من كُتبه التي يرويها، وقد تعدّدت آراء العُلماء في الرواية بها، فذهب بعض السلف إلى الجواز، وقيل: الأصل هو عدم الجواز، ويكون الأداء بها بقول: أوصى إليّ فُلان بكذا، أو حدثني فُلان وصيّة، وجاء عن الرامهرمزيّ أنّه قال لمُحمّد بن سيرين: "إن أوصى أحد لي بكتبه أفاحدّث عنه؟ فأجابه: نعم، ثُمّ قال له: لا آمرك ولا أنهاك"، ونُقل عن بعض الأئمّة جواز الرّواية بهذه الطريقة بِمُجرّد الوصيّة؛ لأنّها نوعٌ من الإذن.
الوِجَادَةُ
وصورتُها أن يجد التّلميذ أحاديث بخطّ شيخٍ يرويها، ويكون الطّالب يعرف خطّ شيخه، وليس له سماعٌ منه ولا إجازة، والرّواية بهذه الصّورة من باب المُنقطع ، ولكن يوجدُ فيها نوعٌ من الاتصال، وأمّا ألفاظ الأداء بها فقول التّلميذ: وجدت بخطّ فلان، أو قرأت بخطّ فلان كذا، ثُمّ يقرأ السند والمتن ، واستمر العمل بهذه الرواية في القديم والحديث، واعتبرها بعض المُحدّثين من باب المُرسل الذي فيه نوعٌ من الاتصال.
وأجاز بعض العُلماء أداء الحديث بهذا النوع بقول: حدّثنا فلان وأخبرنا فلان، وهذا في حال معرفة صاحب الخطّ والكتاب، وإن كان الراوي لا يعرفه فيقول: بلغني عن فُلان، أو وجدت عنه، وكل ذلك يُعدّ من باب المنقطع، وأمّا العمل بها؛ فذهب أغلب المُحدّثين من المالكية بعدم جواز العمل بها، ونُقل عن بعض الشافعيّة جواز العمل بها، وذهب بعض الشافعية إلى وُجوب العمل بها إن كانت من ثقة.