أسباب تضخم الغدة الدرقية
أسباب تضخم الغدة الدرقية
إنّ الإصابة بتضخم الغدة الدرقية أو التورم الدرقي أو الدُرّاق (بالإنجليزية: Goiter) لا يعني بالضرورة أنّ هذه الغدة لا تقوم بوظائفها بشكل طبيعيّ؛ فحقيقةً بعض حالات تضخم الدرقية يُرافقها إفراز طبيعيّ لهرموناتها، بينما يُرافق بعضها الآخر إفراز كميات أكبر أو أقل من الوضع الطبيعيّ، وفي الواقع تتعدد الأسباب التي قد تؤدي إلى المعاناة من تضخم الدرقية، ونذكر هذه الأسباب فيما يأتي.
نقص اليود
بالاستناد إلى نتائج منظمة الصحة العالمية (بالإنجليزية: World Health Organization) فإنّ نقص اليود يُعدّ أكثر الأسباب التي تكمن وراء المعاناة من تضخم الدرقية شيوعًا على مستوى العالم، وإنّ الرابط بين نقص اليود وحدوث التضخم يتمثل بأنّ الدرقية تحتاج لليود لتصنيع هرموناتها كما أسلفنا، وعليه فإنّ نقص اليود في الجسم يُسبب عدم قدرة الدرقية على تصنيع هرموناتها بكمية كافية، الأمر الذي يُحدث انخفاضًا ملحوظًا في مستويات هرمونات الدرقية في الدم، وإنّ هذا ما يُنبّه الغدة النخامية لإفراز الهرمون المنشط للدرقية، وعند تحفيزه للدرقية لإنتاج هرموناتها دون قدرتها على ذلك يحدث نوع من التضخم يُعرف بتضخم الدرقية الناجم عن نقص اليود، وبالرغم من اعتبار هذا السبب هو الأكثر شيوعًا بين أسباب تضخم الدرقية على مستوى العالم، إلا أنّ هذا لا ينطبق على الدول التي يُضاف فيها اليود إلى ملح الطعام، على عكس مناطق جنوب شرق آسيا، وأمريكا اللاتينية، وأفريقيا الوسطى، ففي هذه الدول ينخفض معدل استهلاك اليود اليومي عن الحد الطبيعيّ، ويجدر العلم أنّ ملح الطعام لا يُعدّ المصدر الوحيد لليود، إذ يوجد اليود أيضًا في الأعشاب البحرية، وحليب الأبقار، والنباتات التي تُزرع في تربة غنية باليود.
خمول أو قصور الدرقية
من الممكن أن يحدث تضخم في الغدة الدرقية في حال المعاناة من حالة قصور أو خمول الغدة الدرقية (بالإنجليزية: Hypothyroidism)، وإنّ هذه الحالة تتمثل بانخفاض أو قلة إنتاج الدرقية لهرموناتها، الأمر الذي يدفع النخامية لتحفيزها لإنتاج المزيد من هرموناتها، وهذا ما يُسبب تضخمًا في الدرقية، ويجدر الذكر أنّ أكثر أسباب قصور الدرقية شيوعًا ما يُعرف بالتهاب الدرقية لهاشيموتو (بالإنجليزية: Hashimoto’s thyroiditis)، وهذه الحالة تُعدّ أحد أمراض المناعة الذاتية التي يُهاجم فيها الجهاز المناعي الجسم عن طريق الخطأ؛ إذ تُهاجم الخلايا المناعية الدرقية مُلحقة الضرر بها، مما يُعيقها عن إفراز هرموناتها، وإنّ انخفاض مستوى هرمونات الدرقية في الدم يُنبّه النخامية لتُحفّز الدرقية لتُفرز هرموناتها، وهذا ما يُسفر في نهاية المطاف عن تضخم الدرقية وزيادة حجمها، ويجدر التنويه إلى أنّ داء هاشيموتو يُعدّ المُسبب الرئيسيّ لتضخم الغدة الدرقية في الدول المتقدمة، ولكن يُعدّ نقص اليود سالف الذكر السبب الأكثر شيوعًا لتضخم الغدة الدرقية على مستوى العالم، وبالعودة للحديث عن داء هاشيموتو المُسبب لتضخم الدرقية يجدر التنويه إلى أنّ بعض الفئات أكثر عُرضة للمعاناة منه مقارنة بغيرهم، ومنهم: النساء اللواتي تجاوزن الأربعين من العمر والأشخاص الذين يمتلكون تاريخًا عائليًا للمعاناة من هذا المرض.
ولمعرفة المزيد عن قصور الغدة الدرقية يمكن قراءة المقال الآتي: ( قصور الغدة الدرقية وأعراضها وعلاجها ).
فرط نشاط الغدة الدرقية
من الأسباب التي قد تكمن وراء المعاناة من تضخم الدرقية: فرط نشاط الدرقية (بالإنجليزية: Hyperthyroidism)، وهي حالة تتمثل بفرط إنتاج الغدة الدرقية لهرموناتها، الأمر الذي قد يُسبب فرط تحفيزها مما يؤدي إلى المعاناة من تضخمها، والجدير بالعلم أنّ أكثر أسباب فرط نشاط الدرقية شيوعًا ما يُعرف بداء غريفز (بالإنجليزية: Grave's Disease)، ويُعرّف داء غريفز بأنه أحد أمراض المناعة الذاتية التي يُهاجم فيها جهاز المناعة خلايا الدرقية عن طريق الخطأ مُسببًا فرط إنتاجها لهرموناتها، ولفهم علاقة غريفز بتضخم الدرقية يجدر بيان أنّ هذا النوع من أمراض المناعة الذاتية يُسبب إفراز بروتين يُعرف بالغلوبولينات المناعية المنبهه للغدة الدرقية (بالإنجليزية: Thyroid stimulating immunoglobulin) التي تُحفز الدرقية ليزداد حجمها مُسببًا تضخمها، كما تُحفز هذه البروتينات الدرقية لإنتاج المزيد من هرموناتها، ولذلك يعاني المصاب من تضخم الدرقية وفرطها.
ولمعرفة المزيد عن فرط نشاط الغدة الدرقية يمكن قراءة المقال الآتي: ( ما هو نشاط الغدة الدرقية ).
عقيدات الدرقية
تمثل عقيدات الغدة الدرقية (بالإنجليزية: Thyroid Nodules) كتلة في الغدة الدرقية، وحقيقةً قد تظهر عُقيدة واحدة في الغدة الدرقية أو مجموعة من العُقيدات، ومن هذه العقيدات ما يكون مملوءًا بسائل ومنها ما يكون مملوءًا بمادة صلبة، ومنها كذلك ما يكون مملوءًا بالاثنين معًا، ويجدر الذكر أنّ عقيدات الغدة الدرقية تختلف في حجمها؛ فمنها ما يكون صغيرًا للغاية ولا يمكن لمسه أو حتى الشعور بوجوده، ومنها ما يكون كبيرًا يمكن لمسه والشعور بوجوده، والصغيرة منها عادة ما يُكشف عنها خلال جلسات التصوير الطبية لأغراض أخرى، ويُشار إلى أنّ نسبة انتشار عقيدات الدرقية التي يمكن لمسها والإحساس بها يصل إلى ما يُقارب 6% بين النساء و2% فقط بين الرجال، وذلك من مجموع حالات الإصابة بعقيدات الغدة الدرقية، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ النسبة المذكورة أكثر ما لُوحظت بين كبار السن والأشخاص الذين يُعانون من نقص في اليود، وأمّا بالنسبة لعقيدات الدرقية التي يمكن لمسها والإحساس بوجودها فتصل نسبتها إلى ما يُقارب 20-76% بين مجموع السكان، وإنّ هذه النسب بناء على ما نشرته مجلة Australasian Journal of Ultrasound in Medicine عام 2010 م، وعلى أية حال فإنّ عقيدات الدرقية قد تُسبب تضخمًا فيها.
أسباب أخرى
إضافة إلى ما سبق، تُوجد أسباب أخرى قد تؤدي إلى المعاناة من تضخم الغدة الدرقية، ولكنّها أقل شيوعًا ممّا سبق بيانه، نذكر أهمها فيما يأتي:
- التهاب الغدة الدرقية: (بالإنجليزية: Thyroiditis)؛ فمن الممكن أن يُسبب التهاب الدرقية تضخمًا في الغدة الدرقية، وقد يكون هذا الالتهاب ناجمًا عن الإصابة بعدوى.
- التغيرات الهرمونية: (بالإنجليزية: Hormonal changes)؛ فقد يتأثر حال الدرقية ببعض التغيرات الهرمونية التي تطرأ على الجسم، كما هو الحال عند البلوغ، وأثناء الحمل ، وعند بلوغ سن اليأس .
- الإفراط في تناول اليود: على الرغم من أهمية اليود للغدة الدرقية والمحافظة على سلامتها، إلا أنّ تناول الأطعمة الغنية باليود بإفراط يزيد من تركيز اليود في الدرقية، الأمر الذي يزيد فرصة المعاناة من تضخمها.
- تناول بعض أنواع الأطعمة: إنّ تناول بعض الأطعمة بإفراط قد يُثبط الدرقية عن أداء عملها، الأمر الذي يزيد فرصة المعاناة من تضخمها، ومن هذه الأطعمة: السبانخ والفول السوداني وفول الصويا والتوفو.
- سرطان الدرقية: على الرغم من ندرة تسبب سرطان الدرقية بحدوث تضخم فيها، إلا أنّه من الأمور المحتملة كذلك، ويجدر العلم أنّ سرطان الدرقية يُشخّص بدقة باستخدام الخزعة التي تتضمن أخذ عينة من نسيج الدرقية وفحصها مخبريًا.
عوامل خطر الإصابة بتضخم الدرقية
توجد مجموعة من العوامل التي تجعل الشخص أكثر عُرضة للإصابة بتضخم الغدة الدرقية، نذكر من هذه العوامل ما يأتي:
- النوع أو الجنس: حقيقةً تُعدّ النساء أكثر عُرضة للإصابة بتضخم الدرقية مقارنة بالرجال، وقد تم التوصل إلى هذه النتيجة بالاستناد إلى العديد من الدراسات التي أُجريت حول العالم.
- العمر: يُلاحظ بأنّ الإصابة بتضخّم الدرقية أكثر شيوعًا بعد تجاوز عمر الأربعين.
- التاريخ العائليّ: إنّ مما يزيد فرصة الإصابة بتضخم الغدة الدرقية إصابة أحد أفراد العائلة بتضخم الغدة الدرقية أو أحد أمراض المناعة الذاتية.
- التدخين: يُعتقد أنّ هناك رابط بين التدخين وزيادة فرصة المعاناة من تضخم الغدة الدرقية، وذلك لأنّ السجائر تحتوي على مادة تُعرف بثيوسيانات (بالإنجليزية: Thiocyanate)، وإنّ هذه المادة تؤثر في قدرة الجسم على استخدام اليود على الوجه الصحيح، ويجدر التنويه إلى أنّ المدخنين الذين يُعانون من نقص اليود هم أكثر عُرضة للإصابة بتضخم الدرقية.
- التعرض للإشعاع: ترتفع احتمالية المعاناة من تضخم الغدة الدرقية في حال التعرض للإشعاع العلاجي في منطقة الرقبة أو الصدر، كما وترتفع فرصة التضخم في حال التعرض للأشعة كفحص اختبار أو لغايات أخرى.
- أخذ بعض أنواع الأدوية: إنّ أخذ بعض أنواع الأدوية قد يزيد فرصة المعاناة من تضخم الغدة الدرقية، ومن الأمثلة على هذه الأدوية: أميودارون (بالإنجليزية: Amiodarone) المُستخدم في علاج بعض اضطرابات القلب، ومن الأدوية الأخرى التي قد تزيد فرصة تضخم الدرقية الليثوم (بالإنجليزية: Lithium)، وبالاستناد إلى نتائج الدراسة التي نشرتها مجلة Journal of Thyroid Research في عام 2013 م تبيّن أنّ تضخم الدرقية هو أكثر العلامات السريرية وضوحًا لدى الأشخاص الذين يأخذون دواء الليثيوم، وقد بيّنت الدراسة التي نُشرت في المجلة ذاتها أنّ اثني عشر شخصًا من بين المصابين باضطراب ثنائي القطب (بالإنجليزية: Bipolar depression) والذين يأخذون الليثيوم عانوا من تضخم الغدة الدرقية، وإنّ هذا العدد يُقدّر بما نسبته 3.6% من مجموع الأشخاص الذين يتناولون هذا الدواء، ولكن في سياق هذا الحديث يجدر التنبيه إلى أهمية الالتزام بالخطة العلاجية التي يصفها الطبيب المختص، وعدم تخطي أي جرعة دوائية دون استشارته وعدم التوقف عن تناول الدواء إلا باستشارته أيضًا؛ إذ إنّ الفوائد المجنية من أخذ الأدوية الموصوفة من قبل المختصين تفوق بالضرورة الآثار الجانبية التي قد تنجم عن استخدامها.