طرق البحث عن الآثار
عِلم الآثار
الآثار جمع أثر وهو العلامة، ويأتي بمعنى ما خلّفه السابقون، وعلم الآثار (بالإنجليزية: Archaeology) هو العلم الذي يختصّ بدراسة تاريخ الحضارات الإنسانيّة القديمة، ويهتمّ بمَعرِفة بقايا الأقوام السابقة من حضارة تشتمِل على الأبنية، والتماثيل، والنقود والفنون، ومصطلح عِلْم الآثار هو ترجمة لكلمة أركيولوجيا وهي كلمة يونانيّة الأصل تتكوّن من مقطعين، أركيو (باليونانية: Archaios) ومعناها القديم أو العتيق، ولوجوس (باليونانية: Logos) وتعني عِلْم أو دراسة، وبذلك يصبح معنى المصطلح: العِلْم الذي يهتمّ بدراسة الأمور الحضاريّة والماديّة القديمة.
وقد ظهرت كلمة أركيلولوغ لتُطلَق على جميع الأمور المرتبطة بالماضي والمسائل القديمة، ثمّ كان أوّل ظهور لكلمة أركيلوغ في القرن الأوّل الميلاديّ، وكانت تدل على صنف من ممثلي الدراما بطريقة الإيماء الذين كانوا يمثلون الأساطير القديمة على المسرح، وقد شاع ذلك في البلدان التي كانت تتكلّم اللغة الإغريقيّة، ثمّ اندثر هذا المصطلح حتى عودته في القرن السابع عشر الميلاديّ على يد الطبيب جاك سبون الذي نشر كتاباً يتحدّث فيه عن رحلته إلى الشام وبلاد الإغريق، وقد استخدم كلمتي أركيولوجيا، وأركيوغرافيا، وقد شاعت الأولى بينما نُسيَت الثانية، أمّا في العصر الحديث فلم يتّفق علماء الآثار على معنى محدّد وواضح للآثار، إلّا أنّه وبشكل عامّ يمكن القول إنّه العلم الذي يدرس مخلفات الإنسان الأثريّة والحضاريّة ، ويتعدّاها إلى دراسة ماضي الإنسان في المراحل التاريخيّة مع الأخذ بعين الاعتبار الأدوات التي كان يستعملها في حياته.
أمّا نشأة علم الآثار فقد كانت قبل الميلاد، حيث كان هوميروس الذي عاش خلال القرن الخامس قبل الميلاد هو الأب لعلم الآثار وأوّل من ذكره في كتاباته، كما أنّ ملك بابل نابونيد اهتمّ بجمع التحف الأثريّة، ومن بعدِهم بدأ الاهتمام بعلم الآثار يزداد شيئاً فشيئاً وخاصة في القرن الأوّل الميلاديّ وما بعدَه، وعلم الآثار هو فرع مهمّ من علم الإنسان، حيث إنّه يهتمّ باكتشاف ومَعرِفة طبيعة ثقافات الإنسان في العصور الماضية، ويمكن القول إنّ علم الآثار باعتباره جزءاً من علم الإنسان يهتمّ بدراسة الإنسان القديم من الجوانب المختلفة التي تُمكِّن من مَعرِفة ثقافته والتوصّل لها عبر الأزمان المختلفة، وأنّ القرب أو البُعد في الزمن الذي يدرسه علم الآثار له دور كبير في اختلاف المادّة التي يَتوصَّل إليها العلم من خلال عمليات البحث المختلفة، ويمكن القول إنّ علم الآثار الحديث يختلف بمدلوله عن علم الآثار القديم، حيث إنّ القديم يُعنى بالبحث عن الكنوز بشكل كبير، أمّا الحديث فيتلخّص في أمرين اساسيّين: أوّلهما يُعنى بالتنقيب والبحث والوصول إلى الآثار ثمّ تدوين أوصافها وما يميّزها وطرق المحافظة عليها، وثانيهما يهتمّ بالاستفادة من هذه الآثار في مَعرِفة الحضارات القديمة واكتشافها ومَعرِفة آليّة تطوّرها وتاريخها.
طُرق الكشف عن الآثار
التنقيب الأثريّ هو عبارة عن وسيلة من وسائل علم الآثار يتمّ من خلالها جمع التحف الأثريّة المختلفة، سواء كانت أبنية، أو فخّاراً، أو حليّاً، أو نقوداً، أو غيرها من المواد الأثريّة، وقد عُرِف التنقيب الأثريّ قديماً بأنّه البحث عن الكنوز القديمة، حيث كان يركز على مغامرة يقوم بها الأثريّون ليبحثوا عن الكنوز ويزينوا بها قصور الحكّام أو يتاجروا بها، ثمّ تطوّر مفهوم التنقيب ليسلك الطرق العلميّة الصحيحة المتعلقة بعلم الآثار، وأصبح يهتمّ بالبحث عن جميع المخلفات المادّيّة لمختلف الحضارات السابقة، دون التفريق بين الأثر الذي من الطين أو من الذهب، بل تعدّاها إلى جمع المخلفات العظميّة أيضاً، وقد تغيّرت قيمة الآثار أيضاً، ولم تقتصر فقط على الناحية المادّيّة، وإنّما أصبحت المعلومات التي يتمّ الحصول عليها سواء كانت تاريخيّة، أو ثقافيّة، أو سياسيّة، أو أياً كان نوعها ذات أهميّة وقيمة كبيرة.
إنّ الكشف عن الآثار يبدأ عادة بما يُعرَف بالمسح الأثريّ، وهو الجهد المبذول من قِبَل علماء الآثار، والذي يهدف إلى تحديد المواقع الأثريّة ومَعرِفة مدى امتدادها من خلال استخدام الخرائط الطبوغرافيّة والصور الجويّة ومختلف الوسائل العلميّة التي تستخدم لاسكتشاف المواقع الأثريّة، لكن دون القيام بأيِّ حفريات، ثمّ وَصْف المخلّفات الأثريّة الموجودة فيها أياً كان نوعها، سواء كانت مباني أو جدران، أو ممتلكات معدنيّة، أو زجاجيّات، أو فخّاريّات.
وتتعدّد أنواع المسح الأثريّ، فهناك المسح الشامل، وهو مسح جميع أجزاء المنطقة بمنخفضاتها ومرتفعاتها، وهو أحدث أنواع المسح الأثريّ، وهو يكشف عن جميع أنواع الآثار وأشكالها باستخدام الطرق العلميّة الحديثة المستخدمة للكشف عن الآثار، كما يُوجَد المسح الاختياريّ أو الجزئيّ، ويتمّ فيه اختيار منطقة معينة يتمّ مَسحُها أثريّاً وفقاً للأهداف المرجوّة من المسح كالهدف المُراد من مَعرِفة تاريخ منطقة محددة، وهناك المسح الإنقاذيّ، وهو ما يتمّ فيه مَسْح المناطق التي تُقام فيها مشاريعٌ كبيرةٌ، كالسدود والطرقات الرئيسة، ومن الأساليب التي تُتّبع للكشف عن الآثار ما يأتي:
الكشف عن الآثار في اليابسة
ومن طرق الكشف عن الآثار في اليابسة:
الطُّرق الكيميائيّة
ومن أهم الطرق الكيميائيّة:
- التحليل الكيميائيّ للتربة: وفي هذه الطريقة تُؤخذ عيّنات من التربة وتُحلَّل تحليلاً شاملاً، وبذلك تُعرَف المناطق التي تَحتوِي على تربة غنيّة وخاصّة بالفوسفات، والكالسيوم ، والكربون والنيتروجين، حيث تتكوّن هذه المعادن من الفضلات والنفايات التي يرميها الإنسان، ومن خلال هذه المعادن يمكن تحديد المواقع التي تَحتوِي على عيّنات أثريّة بشكل أفضل.
- فَحْص حبوب اللقاح: إنّ حبوب اللقاح هي ما تنتجه الأزهار الذكريّة لتلقيح الأزهار الأنثويّة، فإذا سقطت حبوب اللقاح أثناء نقلها من زهرة لأخرى على تربة صالحة لبقائها، مثل التربة الطينيّة أو الحمضيّة أو الفحميّة، عندها سوف تتصلّب وتتحجّر، وإذا ما تمّ التعرُّف عليها باستخدام الميكروسكوب وتحديد نوعها، يُمكِن أنّ تتمّ مَعرِفة أنواع النباتات التي كانت تُزرع في ذلك الوقت، وتحديدُ إذا ما كانت المنطقة مأهولة بالسكان أم لا، كما يمكن من خلالها مَعرِفة الأحوال الجويّة التي كانت تسود في ذلك الوقت أيضاً، فمثلاً يعيش نبات الصنوبر في الأماكن الباردة بينما يعيش النخيل في المناطق الحارّة وهكذا.
الطُّرق الجيوفيزيائيّة
ومن الطُّرق الجيوفيزيائيّة التي تستخدم للكشف عن الآثار:
- تحديد قوّة المجال المغناطيسيّ: وهي طريقة سهلة وسريعة وبسيطة للتعرّف على المخلفات الأثريّة التي يقل عمقها عن 6م من مستوى سطح الأرض، وتقوم هذه الطريقة على اكتشاف الموادّ الأثريّة التي تمتلك خواص مغناطيسيّة، مثل الصخور ، أو التربة التي تَحتوِي في مكوِّناتها على الحديد، أو الفخّار الذي يتركّب في أصله من أكاسيد الحديد، وغيرها من الموادّ التي تكون مدفونة في باطن الأرض، وتجعل قوّة المجال المغناطيسيّ عالية، وبالتالي يسهل الكشف عنها باستعمال جهاز يُعرَف باسم الماجنتومتر، ويوجد من هذه الجهاز عِدّة أنواع أفضلها هو الماجنتومتر البروتونيّ الذي يَقدِر على مسح فدّان من الأرض خلال أربع ساعات تقريباً.
- المقاومة السمعيّة: وتَعتمِد هذه الطريقة على سماع صدى الأصوات المرتطمة بالأرض باستخدام جهاز الرنين، حيث يختلف الصدى باختلاف مكوِّنات التربة ، ويتمّ تسجيل مدى الصدى ورسمه في خطوط بيانيّة، ثمّ دراستها وتحليلها.
طُرق الكشف عن الآثار بالأشعة
ومن طُرق الكشف عن الآثار بالأشعة:
- الأشعة السينيّة: للأشعة السينيّة القدرة على النفاذ من خلال الأجسام، وتَعتمِد قوّة مرورها خلال الأجسام على كثافتها، وقد استُخدمت هذه الأشعة منذ عام 1985م في الكشف عن الآثار التي تقع أسفل طبقة الأرض السطحيّة، وتختلف في طبيعتها عن الطبقة الترابيّة.
- الأشعة الكونيّة: وقد تمّ اكتشاف هذه الأشعة عام 1912م، وفي عام 1923م أطلق العلماء عليها هذا الاسم، وهي عِبَارة عن جسيمات لها طاقة عالية جداً مقدرة بملايين الملايين من الفولت الإلكترونيّ، ولها قدرة خارقة على المرور من خلال الجسميات، وتقلّ قدرتها على اختراق الأجسام مع ازدياد صلابة الجسيمات، بالرغم من أنّها تسقط بانتظام على سطح الأرض من الفضاء الخارجيّ وبالقوّة نفسها في جميع الاتجاهات، ويمكن تقدير مقدار نفاذيّتها من خلال جهاز معروف باسم غرفة الشرار، وقد تمّ استخدام هذه الأشعة في تحديد موقع غرفة الدفن في هرم خفرع، حيث لم يكن موقعها معروفاً من قَبل، حيث إنّ الأشعة التي نفذت خلال الغرفة كانت أكبر من أيِّ مكان آخر، كون الغرفة أقلّ سماكة من غيرها.
طريقة المجسّات الوتديّة
وهي عبارة عن أوتاد نحاسيّة طول كلِّ واحد منها 1م، وقطره 1.25 سم، ويتمّ غَرْس هذه الأوتاد في الأرض على مسافات متساوية فيما بينها، ثمّ يتمّ حساب العمق الذي وصل إليه كلُّ وتد، حيث يصعب عليه الوصول إلى عمق أكبر، وترسم بخطوط بيانيّة ويتمّ تحليها، إلّا أنّ هذه الطريقة يَصعُب استعمالها في حال كان الصخر على عُمق كبير جداً، وفي حال كانت التربة طينيّة، كما أنّها قد تُؤدِّي إلى حدوث أضرار بالآثار المطمورة.
طريقة الأسبار الميكانيكيّة
وهي عبارة عن أنابيب معدنيّة مجوّفة قطرها بين 5-10سم يتمّ غرسها في الأرض حتى تصل إلى الأرض البِكر، ومن خلالها يمكن تحديد طبقات الأرض ومكوِّناتها الأثريّة، وتاريخ كلٍّ منها ومدى عمقها، ويمكن لهذه الطريقة أن تدمِّر أجزاء من الآثار المدفونة أو من بقاياها، لذلك ينبغي التقليل منها في المكان الواحد.
جهاز بروسكوب نستري
إنّ جهاز بروسكوب نستري (بالإنجليزية: Nistri Periscope) هو عبارة عن آلة حَفْر تُوجَد في نهايتها آلة تصوير فوتوغرافيّ، وعادة ما يُستخدَم هذا الجهاز في عمليّات الكشف عن المقابر أو الغُرف المطمورة والمجوفة، حيث يمكن تصويرها ومَعرِفة كلِّ ما بداخلها دون حفرها بشكل كامل.
الصور الجويّة
وهي عبارة عن صُوَر تُؤخَذ لسطح الأرض دون أيِّ خطوط أو رموز، وتَظهر فيها جميع مظاهر سطح الأرض من مسطحات مائيّة، وطُرقٍ، وتجمعات سكنيّة، وتَظهر بقياسها الحقيقيّ وفقاً للمقياس المحدّد للصورة، ولها أهميّة كبيرة من ضمنها دراسة التغيّرات التي مر بها سطح الأرض، ومَعرِفة أنواع الصخور والمعادن الأرضيّة وأماكن وجودها، ولها العديد من الاستخدامات بَعْد أن استُعملت في البداية في الأمور العسكريّة والحربيّة لأوّل مرّة عام 1922م، وهي نوعان: إمّا أن تكون مائلة، وإمّا أن تكون رأسيّة، ولكلِّ منها استعمالاتها وطُرق التقاطها.
أمّا أهميّتها في علم الآثار والكشف عنها، فتتمثّل في أنّها تَلتقِط أموراً لا يمكن للعين المجرّدة أن تراها، الأمر الذي من شأنه إظهار مواقع الأماكن الأثريّة، والمساحة التي تشغلها على سطح الكرة الأرضيّة، ويكون ذلك من خلال الألوان، فمثلاً تظهر ألوان النباتات التي يكون أسفلها بقايا أثريّة باهتة، في حين تكون النباتات التي أسفلها تربة خصبة زاهية اللون، وهذا التباين والاختلاف في درجات الألوان لا يمكن للعين المجرّدة أن تراه بدقّة كما هو الحال في الصُوَر الجويّة.
الكشف عن الآثار تحت الماء
أمّا الكشف عن الآثار تحت الماء فله عِدّة طُرق، منها:
- استخدام آلات الغوص.
- البرج العالي للتصوير.
- الغرفة الكُرويّة للضغط الخفيف.
- آلة قياس المجال المغناطيسيّ .
- جهاز كَشْف المعادن.
- جهاز التلفزيون.
- جهاز قياس العُمْق بواسطة الصدى.
- أجهزة التصوير الفوتوغرافيّ.
- جهاز سونار.
- كابين التليفون.