صفات عباد الرحمن في سورة الفرقان
صفات عباد الرحمن في سورة الفرقان
ورد في سورة الفرقان العديد من صفات عباد الرحمن، ومن أبرز هذه الصفات:
التّواضع
التّواضع من أجلّ الصّفات وأكرمها، وقد وصف الله -تعالى- عباده بهذ الصّفة وقال: (الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا)؛ والمراد بالمشي هنا المَعيشة، ويُقصد بقوله -تعالى- هوْناً أي بشكل هيّن ويسير، ممّا يعني أنّ عباد الرّحمن هم من يعيشون على الأرض بسكينة واطمئنان، ويمشون بين النّاس في مودّة وتراحم، دون أن يتكبّروا ويختالوا على إخوانهم المؤمنين.
الحِلم
قال الله -تعالى-: (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا)؛ أي أنّهم يحلمون ويصفحون، والمراد بالجاهل هنا هو من يتّصف بسوء الخلق والمُتعجرف، فالمؤمن إذا ما خاطبه الجاهل يقول سلاماً؛ والسّلام هنا من السّلامة وليس من التّسليم، أي أنَّه يقول قوْلاً يستدعي تركه مع قدرته على الرّد عليه، فلا يصدر منه سخط، أو شتيمة، أو ما شابه، فالموقف هنا ليس موقف ضعف أو عجز؛ بل إنّ الحليم قادر على ردّ الإساءة وليس عاجزاً عنها، لكنّه يعفو ويصفح ابتغاء مرضاة الله -تعالى-.
قيام الليل
إنّ عباد الرّحمن ليسوا كغيرهم؛ فهم يُمضون اللّيل ساجدين قائمين، يقول فيهم الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا)، ومن المعلوم أنّ وقت اللّيل يخلد فيه النّاس للرّاحة والسّكون بعد التّعب، لكنّ عباد الرحمن آثروا القيام على الرّاحة وتركوا فراشهم الدافئ ليتلذّذوا بمناجاة الخالق، فيكون بذلك قيامهم وسجودهم وذكرهم دليلاً على صدق إيمانهم وإخلاصهم ومحبّتهم لله -تعالى-.]
الخشية من عذاب الله
يظلّ عباد الرّحمن في خوف دائم من عذاب الله -تعالى- وسخطه ، فيطلبون منه ويرجونه النّجاة من عذاب النّار، قال الله -تعالى- فيهم: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا)، فهم في خوف ورجاء دائماً، وهذا الخوف إنما هو جزء من الإيمان، وقد جاء دعاؤهم هذا بعد أن ذكر الله -تعالى- ما يتمتّعون به من الأخلاق الفاضلة وتواضعهم مع النّاس، وقربهم من الله -عزّوجل- ومناجاته، وبعد ذلك ذكر خوفهم من الله؛ ليبيّن لنا أنّ اعتمادهم كلّه على خالقهم في أن ينجيهم من عذاب جهنّم لا على أعمالهم، العذاب الذّي وصفه الله -تعالى- بالغَرام بفتح الغين؛ أي العذاب الشّديد والثّقيل الملازم لصاحبه.
الاقتصاد في النفقة
قال الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا)، فهم أيضاً يتوسّطون في النّفقة، فلا يُسرفوا إسرافاً زائداً بغير وجه حقّ، ولا يقتروا ويبخلوا ويمنعوا حقوق الله -تعالى- وحقوق العباد، إنّما يكونون قواماً بين ذلك مُعتدلين بلا إفراط ولا تفريط.
إخلاص العبودية لله وحده
كما أنّهم مُخلصون لله -تعالى- وحده في عبادتهم ودعائهم له، ولا يُشركون معه أحداً، قال الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ)؛ فعباد الرحمن يعلمون أنّ الشّرك من أعظم الذّنوب وأقبحها ، ولا يصحّ إيمان من جعل لله -تعالى- ندّاً أو شريكاً.
اجتناب قتل النفس
إنّ من أعظم الذّنوب بعد الإشراك بالله -تعالى- هو قتل النّفس البشرية بغير حقّ، وهذا ما لا يفعله مؤمن حقيقي ولا يتّصف به عباد الرّحمن، قال الله -تعالى-: (وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ )، ووجه الحقّ هنا يراد به القصاص، فلا مُسوّغ للقتل في الشّريعة الإسلامية إلّا القصاص.
البعد عن كل باطل
عباد الرحمن لا يقعون بالباطل والكبائر ككبيرة الزّنا ، ويحرصون على تحصين فروجهم، قال الله -تعالى-: (وَلا يَزْنُونَ)، كما أنّهم يَجتنبون الباطل بكلّ أشكاله سواءً بالقول، أو بالعمل، أو بالإقرار، قال الله -تعالى-: (لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ)، أي أنَّهم لا يُقرّون بالباطل أبداً.
التأثر بآيات القران
إنّ من أجلّ صفات عباد الرّحمن أنّهم يسمعون آيات الله -تعالى- فيتأثّرون ويتّعظون بها، قال الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا)، فقد أسند إليهم الله -تعالى- صفتي السّماع والإبصار؛ فهم يسمعون آيات الله -تعالى- بآذانهم فيؤمنون بها ويعملون بها، ويرون آيات الله -تعالى- في الكون والخلق فيزداد إيمانهم بالله -تعالى- .
الدعاء بصلاح الأزواج والذرية
بعد أن وصف الله -تعالى- عباده بهذه الأوصاف الجليلة من حُسن أخلاقهم، وصفاء سرائرهم، ومحبّتهم الخير للنّاس، جاء وصف محبّتهم لأزواجهم وذريّاتهم؛ فهم يتضّرعون لله -تعالى- أن يحفظهم لهم وأن يجعلهم سبباً في قرار أعينهم وراحة بالهم، قال الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا).
من هم عباد الرحمن وجزاؤهم
من هم عباد الرحمن
إنّ عباد الرّحمن عباد لله -تعالى-، لكنّهم تميزوا باتّصافهم باسم من أسماء الله -تعالى- وهو الرّحمن، فاستحقّوا هذا الوصف لأنّهم يُعلّقون أمورهم على العبادات والطّاعات، ويسعون جاهدين لنيل رضا الله -تعالى-، ويفعلون كلّ ما يُنزل عليهم رحمات الله -تعالى-، فكان هذا الوصف شرفاً كبيراً وجائزةً عظيمة لهم بأن يلتصقوا بأجمل صفات الله -تعالى-، وإذا فعلوا كلّ ما فيها من معاني وتمثّلوا بالرّحمة في حياتهم، فستتوالى عليهم رحمات الله -تعالى-، ويسعدون بها في الدّنيا والآخرة.
جزاء عباد الرحمن
وبعد أن وصف الله -تعالى- أعمال عباد الرّحمن وذكّرنا بها، بيّن لنا -سبحانه- ما أعدّ لهم من جزاء عظيم في الآخرة، وقد جاءت الآيات تتحدّث عن جزاء عباد الرحمن على النّحو الآتي:
- قال الله -تعالى-: (أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا)، فأولئك ضمير عائد على من اتّصفوا بكلّ الصّفات السّابقة، فكان جزاؤهم الغُرفة؛ وهي منزلة عالية ورفيعة من منازل الجنّة، فاستحقّوها بسبب صبرهم على الطّاعات وانصياعهم لأوامر الله -تعالى-.
- قال -تعالى-: (وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا)، أي تستقبلهم الملائكة في الجنّة وتحتفي بهم بالتّحية والسّلام تقديراً لهم على ما بذلوا في الحياة الدّنيا.
- قال الله -تعالى-: (خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا)، وجزاؤهم أيضاً أن كتب الله -تعالى- لهم الخلود والبقاء الأبدي في هذا النّعيم، ولا يخرجون من الجنّة أبداً، فأنعم بها من مقرّ ومستقر.