صفات سلمان الفارسي
الصفات الخَلقيّة لسلمان الفارسي
سلمان الفارسي صحابي جليل، كان يُكِنُّ له الرسول -صلى الله عليه وسلم- حُبَّاً عظيماً، وقد كان سلمان الفارسي -رضي الله عنه- رجلٌ طويل القامة والساقين، كثيف الشعر، قويُّ البُنية بشكل ملحوظ، حتى أنَّه كان إذا ضَرب الصخر بساعده فَلَقَه، فتتناثر شظايا الصخر من قوة ضربته، وكان متواضعاً يمتطي الحمار وهو يرتدي قميصاً ضَيّق الأسفل مع أنَّه أمير، وكان معروفاً بقوّة الجسم.
الصفات الأخلاقيّة لسلمان الفارسي
كان سلمان الفارسي يُحبُّ العلم والعلماء، فكان عالماً حَبْراً، عالماً بالشرائع وغيرها، وكان رجلاً فاضلاً يُحبُّ الفقراء ويُعطيهم، وكان زاهداً بنفسه وماله ومتقشِّفاً في الدنيا ومعرضاً عنها، وهو كثير الاستبشار والتفاؤل، وقالت عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها-: "كان لسلمان الفارسي مجلس من رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالليل، حتى كاد يغلبنا على رسول الله"؛ أي أنّه كان يُجالس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كثيراً، وكان يُحبِّه النبي كثيراً حتى إنّه أدخله ضمن أهل البيت، وقد سُئل عن نسبه مرّة، فقال إنّه سلمان بن الإسلام، وهو من خِيار الصحابة، يعمل فيأكل من كسب يديه، وكان ينسج الأواني والمراوح والحصر من الخوص، والخوص هو ورق النخيل.
ولمّا أنزل الله تعالى في سورة الحجر قوله: (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوعِدُهُم أَجمَعينَ)، خاف سلمان الفارسي أن يكون من أهل النار ، فارتعد من الخوف ثلاثة أيام، حتى أتى المسلمون به إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فسأله عن حاله، فقال إنّه عندما سمع هذه الآية تقطَّع قلبه، فأنزل الله -عز وجل- قوله: (إِنَّ المُتَّقينَ في جَنّاتٍ وَعُيونٍ)، فاطمئن لذلك.
وهو الذي دلَّ المسلمين على حفر الخندق حول المدينة في غزوة الخندق، حيث كان عالماً بالأُمور العسكرية، حكيماً، عارفاً بالشرائع وغيرها من العلوم الشرعية، وقد كان محبوباً بين الناس، حتى أنَّ المهاجرين والأنصار كانوا يختلفون، فكُلُّ فئةٍ تقول إنَّه منهم لشدَّة حبِّهم وعزَّتهم به، حتى قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم إنَّه من أهل البيت ، وقد سُئل عنه عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- فقال: "امرؤ منا وإلينا أهل البيت، من لكم بمثل لقمان الحكيم، علم العلم الأول والعلم الآخر، وقرأ الكتاب الأول والكتاب الآخر، وكان بحرا لا ينزف"، وجُعل أميراً على المدائن، فأقام فيها إلى أن توفي. ومن صفاته وأخلاقه الحميدة الأخرى ما يأتي:
- جاء في روايةٍ أنَّ رجلاً وجده يعجن، فتعجَّب من ذلك، فقال له سلمان: أرسلتُ الخادم في عملٍ، فخشينا أن نجمع عليه عملين، فقمتُ وأتممت عمل الخادم.
- كان منزل سلمان الفارسي بسيطٌ جداً، حيث إنَّه كان إذا قام أصاب السقف رأسه، وإذا نام أصاب جدار البيت قدميه.
- كان سلمان الفارسي بسيط الثياب، يمتطي الحمار وهو أمير، ولا يأبه بما يقوله الناس في ذلك.
- رُوي أنَّه جاء رجل من الشام يحمل حمولة فيها تين، فرأى سلمان الفارسي -رضي الله عنه- وناداه ليساعده في نقلها لبيته، فأتى سلمان ونقلها معه، فحين رآه الناس قالوا له: إنَّ هذا الأمير! فتعجَّب الرجل الشامي وقال له: أنا لم أعرفك، فأبى سلمان الفارسي -رضي الله عنه- إلّا أن يُكمل طريقه ليوصل الحِمل إلى بيت الرجل.
- كان سلمان الفارسي إذا اشترى لحماً أو سمكاً ينادي المحتاجين ليأكلوا معه ولا يأكلها وحده.
- رُوِيَ أنَّه قد جاءه رجل وهو في عَمِله، فسلَّم عليه، فطلب منه سلمان الفارسي أن ينتظر قليلاً حتى يخرج إليه، فخَشِي الرجل أن لا يعرفه سلمان، فأجابه قائلاً: "بلى، قد عَرَفت روحي روحك قبل أن أعرفك، فإن الأرواح جنود مجنَّدة، ما تعارف منها في الله ائتلف وما كان في غير الله اختلف".
- كان سلمان الفارسي رجلاً ذكياً، صلباً، ملتزماً راقياً في تعامله مع الناس.
التعريف بالصحابّي سلمان الفارسي
سلمان أبو عبد الله الفارسي، ويُسمّى بسلمان ابن الإسلام وسلمان الخير، وهو من بلاد فارس من رامهرمز، وقال البعض إنّه من أصبهان، ثمّ رحل إلى الشام وتنصّر، وعندما سمع أنَّ النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- قد بُعث رسولاً، نزل إلى بلاد الحجاز ليبحث عنه، فأُسِرَ وبِيع بالمدينة، ولمّا قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة أسلم، فكان أسبق الفُرس للإسلام، وكانت غزوة الخندق أوّل مشهدٍ يشهده، لأنَّه كان مشغولاً بِرقِّه، ثم شَهد كُلّ الشواهد التي تلتها، وشهد فتوح العراق، وأصبح أميراً على المدائن، وقد خدم النبي -صلى الله عليه وسلم- وحدَّث بأكثر من ستين حديثاً، وقد روى عنه من الصحابة؛ أنس بن مالك ، وكعب بن عجرة، وابن عباس، وأبو سعيد، وغيرهم -رضي الله عنهم-، ومن التابعين؛ أبو عثمان النّهدي، وطارق بن شهاب، وسعيد بن وهب، وغيرهم بعدهم -رحمهم الله-، تُوفّي سنة ست وثلاثين بعمر قريب من الثمانين.
براعة سلمان الفارسي في غزوة الخندق
كان سليمان الفارسي قد أنهى رقَّه في السنة الخامسة للهجرة ، في حين اجتمع اليهود والكفّار وعزموا أمرهم أن يُنهوا هذا الدين، وأرادوا أن يهجموا على المدينة من كُلِّ صوب فيها، فيهجم الكفّار مع القبائل من أمام المدينة، ويهجم اليهود من الخلف، وبدأوا بالزحف نحو المدينة بأربعة وعشرين ألف مقاتل، فتفاجأ المسلمون بهذا الخبر وبهذه الأعداد، قال الله -عز وجل- وهو يصف موقف المسلمين في سورة الأحزاب : (إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّـهِ الظُّنُونَا).
وفي هذا الوقت جمع النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه للتّشاور، وكان سلمان الفارسي قد تعلَّم كثيراً في بلاده عن أمور وخدع الحروب، فأبدى رأيه واقترح على رسول الله أن يحفروا خندقاً يشمل كلّ المنطقة المكشوفة من المدينة التي سيقتحم منها الجيش، إذ إنّ جوانب المدينة المنورة كانت كلّها جبال ومزارع يصعب اختراقها من قبل الجيش، فوافق النبي -صلى الله عليه وسلم- وبدأ كلّ المسلمين بحفر الخندق، وبهذا الرأي لم يستطع الجيش اختراق المدينة، وعادوا من حيث أتوا بعد شهر من المحاولة، وانتصر المسلمون.