صفات النبي محمد في القرآن
صفات النبي محمد في القرآن
البشير والنذير
إنّ من أوصاف النبي -عليه الصلاة والسلام- في القرآن الكريم البشير والنّذير، فقد وصف الله -تعالى- نبيَّه في القرآن الكريم بقوله: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا)، والبشير هو من يُعلِم الآخرين بالخير وما سيؤول إليه حالهم عند طاعة الله -تعالى- واتّباع أوامره واجتناب نواهيه، أما النّذير فهو من يُحذّر العباد ممّا ينتظرهم من العقاب وسوء المصير في حال كفرهم بنبي الله -تعالى- ورسالته.
السراج المنير
وُصف النبي -عليه الصلاة والسلام- بالسراج المنير في قوله -تعالى-: (وَدَاعِيًا إِلَى اللَّـهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا)، لأنه كالضوء الذي يُنير دروب العباد، فيرشدهم لطريق الحق والصّلاح والخير، ويُبعدهم عن الظُلمات والضّلال، فتحيا به الأفئدة وتُنار به العقول.
الداعي إلى الله
أُرسِل النبي -عليه الصلاة والسلام- داعياً للبشريّة بأمر الله -تعالى- ليوضّح رسالة الإسلام، قال -تعالى-: (وَدَاعِيًا إِلَى اللَّـهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا)، فقد حمل النبي -عليه الصلاة والسلام- رسالة التوحيد منذ بعثته حتى وفاته، وبذل جهده ونفْسه حرصاً على إيصالها للعالَم بالتّشريعات والأحكام الواردة فيها، وقد واصلَ أصحاب رسول الله والكثير من المسلمين بالمُضيّ قدماً في نشر رسالة التوحيد وإيصالها للناس تأسِّياً بالرّسول الكريم -عليه الصلاة والسلام-.
صاحب الخلق العظيم
اتَّصف النبيّ محمد -عليه الصلاة والسلام- بالخلق العظيم، كما ذُكر في سورة القلم عند قوله -تعالى-: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)، وقد تعددّت الأقوال في سبب وصف الله -تعالى- للنبي بهذه الصفة، فذكر الحليمي -رحمه الله- أنّ خُلُقَه وُصف بالعظيم لاشتماله -صلى الله عليه وسلم- على جميع الصفات الحسنة؛ فهو رحيمٌ بالمؤمنين مُهابٌ عند الأعداء، فكان لفظ العظيم الأفضل لوصفه، وقد قال الإمام الجنيد -رحمه الله- بأنّ النبي -عليه الصلاة والسلام- كان شغله الشّاغل هو الله -تعالى-، فلم يصْرفه عنه شيء، وقد رزقه الله -تعالى- بالكثيرمن العلم وكمال الأخلاق، لذلك وُصف بصاحب الخلق العظيم، وقيل إنّ أسباب إطلاق وصف الخلق العظيم عليه -صلى الله عليه وسلم- لامتلاكه جميع محاسن الأخلاق التي اتَّصف بها غيره من الأنبياء الذين سبقوه، وقيل أيضاً بأنّه -صلى الله عليه وسلم- في ليلة المعراج عُرضت عليه مفاتيح الأرض فلم يرضَ بها؛ لإعراضه عن الدنيا.
الرؤوف الرحيم
وصف الله -تعالى- نبيَّه محمد باسميْن من أسمائه الحُسنى ؛ وهما الرؤوف والرحيم، قال -تعالى-: (لَقَد جاءَكُم رَسولٌ مِن أَنفُسِكُم عَزيزٌ عَلَيهِ ما عَنِتُّم حَريصٌ عَلَيكُم بِالمُؤمِنينَ رَءوفٌ رَحيمٌ)، وقد تفرَّد النبي محمد -عليه الصلاة والسلام- بهذا الوصف عن جميع الأنبياء والمرسلين الذين سبقوه، والرّؤوف الرحيم هو مَن يمتلك الرّقة والعطف والشفقة على الغير، ولم يكن هناك أرحم وأشفق من النبي -عليه الصلاة والسلام-. وبما أنّ النبي -عليه الصلاة والسلام- قد فُطر على الرّقّة ولين الجانب، فلم يكن يقبل الأمور التي تجلب المشقَّة لأمّته وتؤدي للتعب والهلاك، ودليل ذلك قوله -تعالى-: (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّـهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ). وقد حثَّ الله -تعالى- نبيّه في عددٍ من مواضع القرآن الكريم على الرحمة والشّفقة بالعباد، وتحمّل مسائلهم، والرّفق بهم، كقوله -تعالى-: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ لِنتَ لَهُمْ).
وتتجلّى مظاهر الرّحمة والرأفة بأعظم صورها عندما لقِيَ النبي -عليه الصلاة والسلام- من أهل الطائف الأذى والسّخرية بعد أن دعاهم إلى الإسلام، فقابلوه بالشّتم والضّرب، فأرسل الله -تعالى- له مَلَك الجبال لِيُهلكَهم، إلا أنَّ النبيّ دعا لهم ولم يقبل بتعذيبهم، وقد روت عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- ما حصل لمّا سألت رسول الله عن أشدّ اللّحظات التي واجهته، فأخبرها بأنّ أشدَّ ما لقيَه من القوم كان يوم العقبة، وقال -عليه الصلاة والسلام-: (فانْطَلَقْتُ وأنا مَهْمُومٌ علَى وجْهِي، فَلَمْ أسْتَفِقْ إلَّا وأنا بقَرْنِ الثَّعالِبِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فإذا أنا بسَحابَةٍ قدْ أظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ فإذا فيها جِبْرِيلُ، فَنادانِي فقالَ: إنَّ اللَّهَ قدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وما رَدُّوا عَلَيْكَ، وقدْ بَعَثَ إلَيْكَ مَلَكَ الجِبالِ لِتَأْمُرَهُ بما شِئْتَ فيهم، فَنادانِي مَلَكُ الجِبالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قالَ: يا مُحَمَّدُ، فقالَ، ذلكَ فِيما شِئْتَ، إنْ شِئْتَ أنْ أُطْبِقَ عليهمُ الأخْشَبَيْنِ؟ فقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: بَلْ أرْجُو أنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِن أصْلابِهِمْ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ وحْدَهُ، لا يُشْرِكُ به شيئًا).
النصح والأمانة
حرص النبي -صلى الله عليه وسلم- على إيصال رسالة الله -تعالى- بكل صدقٍ وأمانة ٍ وإخلاصٍ، وكان -عليه الصلاة والسلام- يُرشد الناس وينصحهم امتثالاً لأمره -تعالى-، ولم يكن يُطلق حكماً أو أمراً أو نهياً إلا بوحيٍ من الله بواسطة المَلَك جبريل -عليه السلام-، وقد بيّن الله -تعالى- ذلك في سورة النجم بقوله: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى* مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى* وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى* عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى).
الشدة على الأعداء
تكمن قوّة المسلمين في تعاونهم وترابطهم وتراحمهم مع بعضهم البعض، وباتّحادهم على كل من أراد بالإسلام شراً، تأسِّياً واقتداءً برسول الله وأصحابه ، فقد كان الرسول -عليه الصلاة والسلام- شديداً غليظاً على كل من أراد الأذى والشّرّ بالإسلام والمسلمين، وقد وصف الله -تعالى- نبيّه وأصحابه بقوله: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّـهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ). ولم يكن -عليه الصلاة والسلام- يَظهر بصورة الضعيف مُقابل أعداء الدين، بل حرص على أن يكون شجاعاً وقويّاً دائماً أمامهم ابتغاء مرضاة الله -تعالى-.
النبي الأمي
وصف الله -تعالى- رسوله محمداً بالنبيّ الأُمّيّ في قوله: (الَّذينَ يَتَّبِعونَ الرَّسولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذي يَجِدونَهُ مَكتوبًا عِندَهُم فِي التَّوراةِ وَالإِنجيلِ يَأمُرُهُم بِالمَعروفِ وَيَنهاهُم عَنِ المُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيهِمُ الخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنهُم إِصرَهُم وَالأَغلالَ الَّتي كانَت عَلَيهِم)، ومعنى الأُمّيّ هو مَن لا يُحسن القراءة ولا الكتابة، وكان -عليه الصلاة والسلام- قد بُعث في أُمّةٍ أُمّيّة كما قال -تعالى-: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ)، وهذا الوصف يَحمل في معانيه الإعجاز والتفرّد والشرف الذي ناله محمّد تحقيقاً وتأييداً لمعجزته -صلى الله عليه وسلم-؛ وهي القرآن الكريم، وتحقيقاً لبشارة بعثته كنبيٍّ أُمّيّ كما ذُكر في الكتب السماوية السّابقة؛ كالتوراة والإنجيل، فقد وُصف في كتبهم بأنّه نبّيٌّ أُمّيّ، وسيأمرهم بالمعروف، وينهاهم عن المنكر، ويُحلّ لهم ما أحل الله، ويُحرّم ما حرّم الله -تعالى-.
أخلاق وصفات أخرى للنبي في القرآن
ذُكرت في القرآن الكريم صفاتٌ وأخلاقٌ أُخرى تحلّى بها الرسول محمد -عليه الصلاة والسلام-؛ كخُلق الحياء، فقد ذُكر في قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَـكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّـهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ)، وكان -عليه السلام- يتحلَّى بالشجاعة والجُرأة والثبات، فلما انسحب جزء من المسلمون يوم أُحد كان النبيّ يُناديهم ويدعوهم إليه ليصمُدوا ويُكملوا القتال، وقد وصف الله -تعالى- الموقف في قوله: (إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَىٰ أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِّكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّـهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)، واتّصف -عليه الصلاة والسلام- بالصّبر على البلاء والأذى مُتيقناً بأنّ الله سينصره ولو بعد حين، قال -تعالى-: (وَاصبِر وَما صَبرُكَ إِلّا بِاللَّـهِ وَلا تَحزَن عَلَيهِم وَلا تَكُ في ضَيقٍ مِمّا يَمكُرونَ).
وقد تميّز -عليه الصلاة والسلام- بالكلام الحسن والأسلوب الطيّب مُبتعداً عن أسلوب العنف والخشونة والشّدة، وكان يعفو عن الزّلات، ويتوكّل على الله وحده في كل أموره امتثالاً لأمره -تعالى- في سورة آل عمران : (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)، وقد اعتمد -عليه الصلاة السلام- في دعوته على اتّباع أسلوب الحكمة والنّصح والإرشاد، قال -تعالى-: (ادعُ إِلى سَبيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجادِلهُم بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبيلِهِ وَهُوَ أَعلَمُ بِالمُهتَدينَ)، وبذلك يكون الله -تعالى- قد شهد لنبيّه بكمال الصفات والأخلاق في كتابه الكريم، وأبْعَد عنه كل خلقٍ ذميمٍ تكريماً وتشريفاً له -عليه الصلاة والسلام-، ومن واجب أُمّته اتّباعه والتخلّق بأخلاقه؛ فهي السّبيل للخير والصلاح والفوز برضا الله في الدنيا وجنّته في الآخرة.
أهمية الاقتداء بالنبي
أحسن الناس خُلقاً هو نبيّنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، فقد حثّنا الله -تعالى- على الاقتداء به في أخلاقه وصفاته؛ لأنها طريق الصلاح والفلاح، قال -تعالى-: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّـهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّـهَ كَثِيرًا). وعندما سُئلت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- عن رسول الله ذكرت أنّ خُلقه القرآن، فالاقتداء بأخلاق رسول الله التي مَنبعُها ومَرجِعُها كتاب الله -تعالى- هُوَ الطريق الصواب الذي يجب على كل مسلم السير فيه، فعن عائشة -رضي الله عنها-: (دخلنا على عائشةَ فقلنا: يا أمَّ المؤمنين، ما كان خُلُقُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم؟ قالت: كان خُلُقُه القرآنُ).
ووصّى الله -تعالى- عباده بالاقتداء بالأنبياء المُهتدين بالمفهوم العام في قوله: (أُولـئِكَ الَّذينَ هَدَى اللَّـهُ فَبِهُداهُمُ اقتَدِه قُل لا أَسأَلُكُم عَلَيهِ أَجرًا إِن هُوَ إِلّا ذِكرى لِلعالَمينَ)، واختصّ النبيّ محمد -صلى الله عليه وسلم- بالكمالات؛ بوصف خُلُقه بالعظيم في قوله: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ). فالاقتداء بالأنبياء بشكلٍ عام وبالنبيّ محمد بشكلٍ خاص يكون باتّباع منهجهم وما أنزله الله -تعالى- على عباده في القرآن الكريم ، وقد أمرنا الله -تعالى- باتّباع سيرة النبيّ في أفعاله وأقواله وصفاته بالتفصيل؛ لتكون سيرته المنهج والطريق الذي ستسلكه أمّته، فتكون خير الأمم وأصلحها.