صحة حديث صيام يوم عرفة وفضله
صحة حديث صيام يوم عرفة وفضله
يومُ عرفة هو اليوم التاسعِ من ذي الحجّة، هو اليوم الذي يقفُ فيه الحاجّ في عرفة في ذلك الموقف المهيب العظيم والذي تقشعر له الأبدان، وصوم هذا اليوم لغير الحاج سُنَّة مؤكدة، وهو يكفِّر سنة مضت وسنة باقية، ويُسن فيه العمل الصَّالح، ومن هذا العمل الصَّوم.
وأمَّا ما جاء في شأنِ صِّيام يوم عرفة؛ فقد قالَ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (ثَلَاثٌ مِن كُلِّ شَهْرٍ، وَرَمَضَانُ إلى رَمَضَانَ، فَهذا صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ، صِيَامُ يَومِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ علَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتي بَعْدَهُ، وَصِيَامُ يَومِ عَاشُورَاءَ، أَحْتَسِبُ علَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتي قَبْلَهُ)، وهو حديثٌ صحيح أخرجه الإمام مسلم، ويدلّ على استحباب صوم عرفة.
شرح حديث صيام يوم عرفة
جاء في الحديث الآخر الصّحيح سؤال سيدنا عمر -رضي الله عنه- عن صيام يوم عرفة، فردّ عليه النّبي -صلّى الله عليه وسلّم-: (أَحْتَسِبُ علَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتي بَعْدَهُ)، ومعنى قوله -عليه الصّلاة والسّلام: "أحتسبُ على الله" أي أرجو من الله، وقوله: "أن يُكفِّر"، أي أن يكونَ صيام هذا اليوم كفَّارة للخطايا الصغيرة للسنة الماضية، وللصغائر في السنة المُقبلة.
والتّكفير هنا جاءت مُشدّدة، وهي بمعنى السِتر وإزالة هذه الذنوب عن العبد، والمقصود بالذّنوب هنا هي صغائر الذنوب دون الكبائر ، وحتى إن لم يكن له صغائر للسنة الحاليَّة؛ فإنَّ الله يحفظه من إتيان الصغائر، أو يرحمه ويعطيه من الأجر بقدر كفارته لو كان عليه ذنوب، والمراد بهذا أنَّ الله -تعالى- لا يترك له هذا الأجر ولا يُضيع صيامه هباءً منثوراً.
حكم صيام عرفة للحاج
لا يُستحب صيام يوم عرفة بالنسبة للحاج؛ وسبب ذلك المشاق والصّعاب التي يتكبّدها في هذا اليوم، ولأنّ عليه عبادات أخرى في حقّه؛ مثل الوقوف بعرفة والدُّعاء، لذا يُستحب له عدم الصّيام حتى يتقوَّى على العبادة في هذا اليوم.
وهذا ما فعله النَّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، وهو أيضاً قول الجمهورِ من المالكية، والشافعية، والحنابلة، وهذا الحكم بعدم استحباب صيام يوم عرفة إنّما يكون في حق الحاجّ الذي وقف في عرفة نهاراً، وأمَّا من وقف فيها ليلاً فيُسنُّ له الصِّيام.
والصِّيام الواجب هو صيام شهر رمضان المبارك، أو صيام قضاء النذر وغيره من الكفارات، أمَّا غيره من الصيام فهو مستحب، وإن كان صيام أيام عن غيرها أكثر استحباباً، مثل يوم عرفة؛ فهو أشدُّ استحباباً، وأكثرُ أجراً، وآكد الأيام صياماً لغير الحاجّ.
وقد ورد أنَّ قوماً من الحجيج اشتكوا من صيام يوم عرفة، وعندما علِم النبيُّ -صلّى الله عليه وسلّم- ذلك شرب في ذلك اليوم، ولم يُعلم عن الصحابة أثناء حجّهم أيضاً أنّهم صاموا، وهذا هو مذهب الجمهور في المسألة، ولكن من وجد في نفسه القدرة على الصيام فيستطيع ذلك ولا حرج عليه، مع أنَّ الأولى الاقتداء بهديِّ النَّبيِّ -صلَى الله عليه وسلَم-،
فضل يوم عرفة للحاج وغير الحاج
إن ليوم عرفة فضائل عدة، ومنها:
- إنَّ هذا اليوم هو أكثر الأيام التي يعتقُ الله فيها عباده الصائمين القائمين من النَّار
قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (ما مِن يَومٍ أَكْثَرَ مِن أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فيه عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِن يَومِ عَرَفَةَ، وإنَّه لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بهِمِ المَلَائِكَةَ، فيَقولُ: ما أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟).
- في هذا اليوم العظيم نزلت الآية الكريمة: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).
- وغفرة الذنوب الصغائر لسنة قبل وسنة بعد، كما أنَّ أجر الأعمال فيها أفضل من الجهاد في سبيل الله.
- هذا اليوم واحد من الأيام التي كان النَّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- يحرص على التَّعبد فيها إلى أن توفّاه الله، وهي أيام عيد عند المسلمين ، وهذه الأيام العشر بما فيها يوم عرفة هي أفضل أيام الصِّيام والعمل الصالح.
ويُستحبُّ في الأيام العشر من ذي الحجة على وجه العموم -ويوم عرفة على وجه الخصوص- أن يُكثر العبد فيها من الأعمال الحسنة؛ من صومٍ، وصلاة نفلٍ، وذكر لله -تعالى-، واستغفارٍ، ودعاء، وصدقةٍ يتقرَّب بها العبدُ من ربِّه.
ويضاف إلى ذلك استحباب إظهار التكبير في يوم عرفة؛ لكونه يوماً من أيام العيد عند المسلمين، كما ينزل الله -تعالى- بركاته ورحماته في هذا اليوم ويُباهي الملائكة بعباده، وإلى جانب ذلك كله فإنَّ يوم عرفة هو خير يوم يدعو فيه المسلم لنفسه ولغيره .