صحة حديث (ليس من البر الصوم في السفر)
صحة حديث (ليس من البر الصوم في السفر)
صحّ عن جابر بن عبدالله -رضي الله عنه- أنّه قال: (كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في سَفَرٍ، فَرَأَى زِحَامًا ورَجُلًا قدْ ظُلِّلَ عليه، فَقالَ: ما هذا؟ فَقالوا: صَائِمٌ، فَقالَ: ليسَ مِنَ البِرِّ الصَّوْمُ في السَّفَرِ)، وهذا الحديث ثابتٌ في صحيح الإمام البخاري -رحمه الله-، فحكمه صحيح.
شرح الحديث
يتضمّن الحَديث عن رخصة الإفطار في السّفر، فالصوم هو إمساك الإنسان عن الأكل والشرب والجماع وعن كل ما يدخل إلى جسمه من الفجر الصادق إلى المغرب، وقصد الحديث الشريف صيام شهر رمضان تحديداً؛ أي الشهر الفضيل الذي فُرِضَ علينا، فمن رحمة الله ورأفته بعباده أن شرع لهم هذه الرخصة حتى يعفيهم من المشقة والتعب، وأن يقوموا بصيام قضاء هذه اليوم في أيام أخرى من السنة.
وقد قال ابن حجر -رحمه الله-: "فالحاصل أنّ الصوم لمن قوي عليه أفضَل من الفطر، والفطر لمن شَقَّ عليه الصوم أو أعرض عن قبول الرّخصَة أفضل منَ الصّوم وأنّ من لم يتحقّقِ المَشقّةَ يخيّرُ بين الصّوم".
والسفر الذي ذكره جابر -رضي الله عنه- قصد به سفر النبي في إحدى غزواته؛ وهي غزوة الفتح التي كانت في شهر رمضان عام 8هـ، وعندما رأى النبي - صلى الله عليه وسلم- تزاحم الناس وبينهم رجل قد ظُلّل عليه، فسأل عن أمره، فأخبره الصحابة أنه رجل صائم، وقد ظلّلوا عليه بسبب شدة عطشه، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ليسَ مِنَ البِرِّ الصَّوْمُ في السَّفَرِ).
وقد قال أحد أهل العلم: "وهو -سبحانه- حين كلّف عباده بهذه التكاليف، ومنها الصيام، لم يكلفهم بما يشقّ عليهم ويسبّب لهم الضيق والحرج، فهو -سبحانه- لا يكلّف نفساً إلا وسعها، وهو -تبارك وتعالى- ييسّر الأمور، ومن لطفه وتيسيره أنه أباح لعباده قصر الصلاة والإفطار في السفر الطويل، وذلك للمشقة في الغالب، فرخص في ذلك تيسيراً وتسهيلاً ورفعا للحرج".
الفوائد المرجوة من الحديث الشريف
يُستفاد من الحديث عِظم رحمة الله بعباده ، والتخفيف عنهم، وإعفاؤهم من المشقة المصاحبة لهم في السفر، وهذه الرخصة من السنن التي عمل بها النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكما أنّ الصّوم عبادة، فالعمل بالرُخص التي شرعها -سبحانه- عبادة أيضاً، وجاءت غالبا حتى لا يرمي الإنسان نفسه في التهلكة.
وفي حديث شريف روته عائشة أم المؤمنين: (قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: إنَّ اللهَ يُحِبُّ أنْ تُؤتَى رُخَصُه كما يُحِبُّ أنْ تُؤتَى عَزائِمُه، قالت: قُلتُ: يا رسولَ اللهِ، وما عَزائِمُه؟ قال: فَرائِضُه)، فإتيان الرّخص عبادة كما القيام بالفرائض، ويؤجر المرء عليها.