شمس الدين التبريزي (شاعر متصوف)
نشأة شمس الدين التبريزي
شمس الدين التبريزي؛ اسمه بالكامل محمد بن علي بن ملك دادا، أحد المتصوفين المعروفين، وهو شاعر عباسي برز في مجال الشعر و الأدب ، عاش شمس الدين التبريزي ما بين ( 1185م- 1248م)، يُنسب شمس الدين إلى تبريز؛ ولهذا يُقال عنه التبريزي، وهي واحدة من الولايات التي تُنسب إلى خراسان في إيران.
لم تكن أصول والد شمس الدين التبريزي من تبريز ، غير أنّه قد مكث فيها مدّة لا بأس بها بقصد التجارة، وهناك في تلك المدينة ولد شمس الدين، لم يتزوج شمس الدين التبريزي في قُبالة حياته؛ بسبب منهجه المتصوف الذي يُعزف فيه عن الماديات وبهرجة الحياة، ويصبو إلى التصوف والعزلة والروحانيات.
قَبل موت شمس الدين بعام واحد؛ أيّ في عام 1247م، تزوج من امرأة شابة نشأت في بيت جلال الدين الرومي واسمها كيميا، ولكنّ القدر لم يجمعهما طويلًا؛ إذ إنّها قد تُوفيت سريعًا بعد زواجها، ولحق بها شمس الدين التبريزي ليُلاقي ربّه بعد زواج لم يدُم أكثر من عام واحد، وكان التبريزي يبلغ من العمر حينها ثلاثة وستين عامًا.
تعليم التبريزي وترحاله
كان والد شمس الدين التبريزي رحالةً يجوب الأقطار والبلاد كافة باسم التجارة، فورث شمس الدين هذه الصنعة عن والده، واشتغل في التجارة والترحال ما بين البلاد، وكان التبريزي يرتدي زيّ التجارة ويُسافر في البلاد من مكان إلى مكان، فيظهر تاجرًا ولكنّ في باطنه أمراً آخرًا، وهو طلب العلم وطلب الحقيقة من مصدرها.
كان شمس الدين لا يحمل معه إلا حصيرًا، ولكن أمام العامة يضع ذلك الحصير في غرفة وضع عليها قفلًا ضخمًا حتى يظن النّاس أنّ معه شيئًا ثمينًا، ومع ذلك لم يترك نفسه عالة على أحد، بل كان ينسج شيئًا من الملابس ويبيعها ويعيش من ثمنها، واشتغل كذلك في الحدادة، وعمل في بيع سِلال الخيزران التي كان لها زبائن كثر.
كان شمس الدين يحمل مشحذًا للسكاكين يتكسب منه قوت يومه، ألمّ بمجموعة من العلوم المختلفة؛ حيث برع شمس الدين التبريزي ب علوم الفقه واللغة والتفسير والحديث جامعًا بين يديه خيوط علم الكلام، فاهمًا للغة العربية مُتقنًا إيّاها، ودرّس أهل الروم في غير مكان، واطلع على علومهم، وأفادهم من علومه.
تصوف التبريزي
سلك شمس الدين التبريزي طريق الصوفية في شبابه وأحبّها، حيث اتّضحت نزعته الدينية منذ طفولته؛ إذ كان يقول إنّه يرى الله تعالى ويرى الملائكة ويرى الغيبيات، ويظنّ أنّ جميع النّاس يرون مثلما هو يرى، ولكنّ لما أصبح شابًا وخالط الحياة عَلم أنّ فيه ما ليس في غيره.
شُغف شمس الدين التبريزي بسيرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتّى إنّه كان يمكث مدة أربعين يومًا دون طعام وهو يتدارسها، ودون أن يشعر بجوع، أو ينتبه إلى جوعه، وكان شمس الدين التبريزي في بدايته مريدًا أيّ متعلم عند أبي بكر السلال في تبريز، وأدرك كذلك صُحبة الشيخ ركن الدين السجاسي، وأيضًا بابا كمال الجندي.
روحانيات شمس الدين التبريزي
كان شمس الدين التبريزي شديد الاعتداد بالروحانيات، وزعم أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ألبسه خِرقة في منامه، وكان يُجاهد نفسه مجاهدة عظيمة حتى أدركه مرة صوت لا يعلم أين مصدره، يقول له: إنّ لنفسك عليك حقًا.
يملك التبريزي في دواخله نفسًا متمردة تحرق ما حولها، ففي داخله نزعة القيادة ، وكانت شخصيته غامضةً تشوبها علامات الاستفهام، ولم يستطع أحد من الصوفية أن ينجو عن نقده اللاذع، ولم يستطع التبريزي أن يكون فيما بعد مريدًا عند أحد، حيث لم يرَ شيخه النور الذي في داخله ولم يُقدّر ما يحمله بين خلجات نفسه.
كانت نفس شمس التبريزي تائقة إلى تصوف من نوع آخر، غير ذلك الذي عهده عند النّاس أو حتى عند المتصوفين الذي سبقوه، سواء أكانوا من العامة أم من الخاصة، حيث إنّه طمح إلى أن يُشبع روحه من العشق الجامح الذي يكاد أن ينفجر في دواخله ليُضيء كلّ ظلمة لم تُبصر النور بعد.
علاقة التبريزي بجلال الدين الرومي
كان شمس الدين التبريزي متشوقًا للقاء الصالحين وصحبة أولياء الله، وجاء مرة هاتف له أيّ صوت يُسمع دون أن يُرى في المنام، يذكر له أنّه موعود بصحبة رجل صالح في أرض الروم فعزم أمره على السفر إلى هناك، نُسجت روايات كثيرة حول لقاء شمس الدين التبريزي بجلال الدين الرومي، ولكنّ شمس الدين وصل إلى قونية عام 642م.
كان جلال الدين الرومي يمرّ كل يوم من أمام خان الحلوانية، ومعه جماعة من مريديه والفضلاء من حوله، فاستوقف شمس الدين جلال الدين الرومي وقال له: مَن هو أعظم أبو يزيد البسطامي أم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟
قال له: بل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسأله وكيف ذلك؟ مع أنّ رسول الله قال ما عرفناك حق معرفتك، وأبو يزيد قال: سبحاني ما أعظم شأني!
قال له جلال الدين الرومي: إنّ أبا يزيد قد طلب السقيا وشعر بالارتواء فتحدث عن ارتوائه، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- شعر بالعطش وتحدث عن عطشه، ففي كل يوم يزداد قُربًا لربه تبارك وتعالى، فصاح شمس الدين من بعد كلامه صيحةً وقع من أثرها، كان الرومي مرآة لشمس الدين ظهر من خلاله وعلا.
قواعد العشق الأربعون
رواية قواعد العشق الأربعون من تأليف إليف شافاق، اتبعت فيها خطة معينة، إذ إنّها قارنت ما بين قصتين إحداهما تجري في العصر الحاضر، والثانية جرت فيما مضى من الزمن ما بين جلال الدين الرومي وشمس الدين التبريزي.
هذه الرواية جعلت للعشق أربعين قاعدة، وسارت الحكايتان في خطين متوازيين لا يلتقيان إلا ليفترقا؛ حيث إنّ الأحداث تُعيد نفسها وتتوالى العصور.
ذُكرت في الرواية قصة لقاء جلال الدين الرومي بشمس الدين التبريزي بنَفَسِ روائيّ لا يخلو من العاطفة والأخيلة ونحو ذلك لتبدأ الرواية بقولها: "عندما كنت طفلًا، رأيت الله، رأيت الملائكة، رأيت أسرار العالمين العلوي والسفلي، ظننت أنّ جميع الرجال رأوا ما رأيته، لكني سرعان ما أدركت أنهم لم يروا".
مؤلفات التبريزي
معظم المؤلفات التي تركها شمس الدين التبريزي من ورائه كانت باللغة الفارسية حيث إنّها لغته الأصلية، ومن بين كتبه:
- أنا والرومي
كتاب من تأليف شمس الدين التبريزي، وهو بمثابة السيرة الذاتية التي أتى فيها الكاتب على توثيق حياته الشخصية والحياة التي اشترك فيها جلال الدين الرومي معه، ترجم هذا الكتاب ويليام شيتك، حيث إنّه استطاع ببراعة قلمه أن ينقل علاقة جلال الدين الرومي وشمس الدين التبريزي إلى معالم النور بعد أن كانت غير واضحة.
- مرغوب في القلب
كتاب من تأليف شمس الدين التبريزي، وما يزال في اللغة الفارسية، وهو مخطوط مكون من إحدى عشرة صفحة أتى فيها شمس الدين التبريزي على ذكر أهم الأفكار والركائز التي يُؤمن بها، ويحكي عنها ويعتقد بها في الشريعة، وما هي الدائرة العرفانية الصوفية التي وهبها جسده وروحه وكيف استطاع أن يخرج من بوتقة العادات في تلك الآونة.
- ديوان شمس الدين التبريزي
ديوان شمس الدين التبريزي هو مؤلف من مجموعة من الأبيات الشعرية، وصل عددها إلى اثنين وأربعين ألف بيت، تنوعت القصائد ما بين الحكمة والغزل وكتبه باللغة الفارسية، حيث يُعبر فيها عما يدور في خلجات نفسه من الأمور، ثم تخيّر جلال الدين الرومي من هذه الأبيات مجموعة من القصائد جمعها في كتاب واحد فيما بعد.
أقوال التبريزي
ظهرت للتبريزي مجموعة من الأقوال التي أحبها النّاس، فكانت بمثابة النور المضي لهم، ومن بينها:
- لا يوجد فرق كبير بين الشرق والغرب، الشمال والجنوب، فمهما كانت وجهتك يجب أن تجعل الرحلة التي تقوم بها رحلة في داخلك، فإذا سافرت في داخلك، فسيكون بوسعك اجتياز العالم الشاسع وما وراءه.
- كلُّ فسادٍ وقع في العالمِ، فإنّ مبعثه اعتقادُ إنسانٍ بإنسانٍ بطريق التّقليد، وإنكارُ إنسانٍ لإنسانٍ بطريق التقليد.
- لم يوجد الله حتى الآن على هذه الأرض من يمكن أن يكون شيخًا لمولانا جلال الدين الرومي .
- يا أيها المسافر لا تعلق القلب بمنزل ما، بحيث تحزن عندما تغادره.
وفاة التبريزي
لم تأتِ الكتب على ذكر حقيقة وفاة شمس الدين التبريزي، حيث غاب عن قونية في عام 645م، وتحدث بعض النّاس عن قتله، وآخرون عن موته، وآخرون عن غيابه بطريقة سرية، ولم يُثبت حتى الآن شخص طريقة موته، وبذلك تكون نهايته سرًا من أسرار الثقافة الفارسية.