شعراء الطبيعة في العصر العباسي
أبرز شعراء الطبيعة في العصر العباسي
في هذا المقال هنالك وقفة مع أبرز شعراء الطبيعة في العصر العباسي مع قراءة شيء من أشعارهم في هذا المجال، ومن أبرز شعراء الطبيعة في العصر العباسي ما يأتي:
الصنوبري
يكاد شعر الصنوبري يقتصر على وصف الطبيعة والرياض وما تحويه من أزهار وثمار وأشجار ومياه من أنهار أو غيره، كنيته أبو بكر، واسمه أحمد بن محمد بن الحسن بن مرّار الضبي الحلبي الأنطاكي، كان من الشعراء الذين يغشون مجلس سيف الدولة الحمداني ، وقد جُمع ديوانه في نحو 200 ورقة، وقد توفي نحو سنة 334هـ.
نموذج من شعره
من قصائد الصنوبري في وصف الطبيعة:
إن كان في الصيفِ ريحانٌ وفاكهةٌ
فالأَرضُ مستوقَدٌ والجوُّ تَنّورُ
وإِن يكنْ في الخريفِ النخلُ مُخْتَرفاً
فالأَرضُ عُرْيَانَةٌ والجوُّ مَقْرُور
وإِن يكنْ في الشتاءِ الغيثُ متَّصلاً
فالأَرضُ محصورةٌ والجوُّ محصُور
ما الدهرُ إلا الربيعُ المستنيرُ إِذا
أتى الربيعُ أتاكَ النَّورُ والنور
الأَرضُ ياقوتةٌ والجوُّ لؤلؤةٌ
والنبتُ فيروزجٌ والماءُ بَلُّور
ما يعدمُ النبتُ كأساً من سحائِبهِ
فالنبتُ ضربان سكرانٌ وَمَخمور
فيه لنا الوردَ منضودٌ مُؤزَّرُ ما
بين المجالسِ والمنثورُ منثور
ونرجسٌ ساحرٌ الأبصارِ ليس كما
كأنه من عَمَى الأَبصارِ مَسْحورُ
هذا البنفسجُ هذا الياسمينُ وذا النْـ
ـنِسرينُ ذا سوسنٌ في الحُسْنِ مشهور
تظلُّ تَنثرُ فيه السُّحْبُ لؤلؤَها
فالأَرضُ ضاحكةٌ والطيرُ مسرور
حيث التفتَّ فقمريِّ وفاختةٌ
فيه تُغَنِّي وشفنينٌ وَزَرْزُور
إذا الهزارانِ فيه صَوَّتا فهما السُّـ
ـرْنايُ والنايُ بل عودٌ وطنبور
تبارك اللهُ ما أحلى الربيعَ فلا
تَغْرَرْ فقائسُهُ بالصيفِ مَغرور
تطيبُ فيه الصحاري للمقيمِ بها
كما تطيبُ له في غيرِهِ الدور
في كلِّ أرضٍ هبطنا فيه دَسْكَرَةٌ
في كلِّ ظهرٍ عَلَوْنَا فيه ماخور
مَنْ شَمَّ ريحَ تحيّاتِ الربيع يَقُلْ
لا المسكُ مسكٌ ولا الكافورُ كافور
ابن المعتز
ابن المعتز هو الخليفة الأديب الشاعر عبد الله بن الخليفة المعتز بن الخليفة المتوكل بن الخليفة المعتصم بن الخليفة هارون الرشيد أعظم خلفاء بني العباس، تولى الخلافة يومًا وليلة وعزله أقرباؤه وقتلوه، صنَّفَ كتبًا في البلاغة وفي أمور متنوعة مثل وصف الرياض والطبيعة وطبقات الشعراء والصيد وغير ذلك، كان ميلاده نحو سنة 247هـ ومقتله عام 296هـ.
نموذج من شعره
من قصائده في الطبيعة ورياضها ومياهها ونحو ذلك:
وَسارِيَةٍ لا تَمَلُّ البُكا
جَرى دَمعُها في خُدودِ الثَرى
سَرَت تَقدَحُ الصُبحَ في لَيلِها
بِبَرقٍ كَهِندِيَّةٍ تُنتَضى
فَلَمّا دَنَت جَلجَلَت في السَما
ءِ رَعداً أَجَشَّ كَجَرِّ الرَحى
ضَمانٌ عَلَيها اِرتِداعُ اليَفا
عِ بِأَنوارِها وَاِعتِجارُ الرُبى
فَما زالَ مَدمَعُها باكِياً
عَلى التُربِ حَتّى اِكتَسى ما اِكتَسى
فَأَضحَت سَواءً وُجوهُ البِلادِ
وَجُنَّ النَباتُ بِها وَاِلتَقى
وَكَأسٍ سَبَقتُ إِلى شُربِها
عَذولي كَذَوبِ عَقيقٍ جَرى
يَسيرُ بِها غُصُنٌ ناعِمٌ
مِنَ البانِ مَغرِسَهُ في نَقا
إِذا شِئتَ كَلَّمَني بِالجُفو
نِ مِن مُقلَةٍ كُحِلَت في الهَوى
لَهُ شَعَرٌ مِثلُ نَسجِ الدُروعِ
وَطَرفٌ سَقيمٌ إِذا ما رَنا
وَيَضحَكُ عَن أُقحُوانِ الرِيا
ضِ وَيَغسِلُهُ بِالعَشِيِّ النَدى
وَمِصباحُنا قَمَرٌ مُشرِقٌ
كَتُرسِ اللُجَينِ يَشُقُّ الدُجى
البحتري
هو واحد من أقطاب الشعر في العصر العباسي، كان يشكل مع أبي تمام والمتنبي ثلاثي الشعر في العصر العباسي، اسمه الوليد بن عبيد بن يحيى الطائي، كنيته أبو عبادة، ولد في منبج شمال مدينة حلب عام 206هـ.
ارتحل إلى العراق وتقرب من عدد من الخلفاء العباسيين، وقبيل وفاته عاد إلى منبج ليُتوفَّى بها سنة 284هـ، وله أشعار في مُختلف الفنون الشعرية ومنها وصف الطبيعة والرياض ونحو ذلك.
نموذج من شعره
من أشهر قصائد البحتري في وصف الطبيعة قوله يصف بركة الخليفة المتوكل:
يامَن رَأى البِركَةَ الحَسناءَ رُؤيَتَها
وَالآنِساتِ إِذا لاحَت مَغانيها
بِحَسبِها أَنَّها مِن فَضلِ رُتبَتِها
تُعَدُّ واحِدَةً وَالبَحرُ ثانيها
ما بالُ دِجلَةَ كَالغَيرى تُنافِسُها
في الحُسنِ طَوراً وَأَطواراً تُباهيها
أَما رَأَت كالِئَ الإِسلامِ يَكلَؤها
مِن أَن تُعابَ وَباني المَجدِ يَبنيها
كَأَنَّ جِنَّ سُلَيمانَ الَّذينَ وَلوا
إِبداعَها فَأَدَقّوا في مَعانيها
فَلَو تَمُرُّ بِها بَلقيسُ عَن عُرُضٍ
قالَت هِيَ الصَرحُ تَمثيلاً وَتَشبيها
تَنحَطُّ فيها وُفودُ الماءِ مُعجَلَةً
كَالخَيلِ خارِجَةً مِن حَبلِ مُجريها
كَأَنَّما الفِضَّةُ البَيضاءُ سائِلَةً
مِنَ السَبائِكِ تَجري في مَجاريها
إِذا عَلَتها الصَبا أَبدَت لَها حُبُكاً
مِثلَ الجَواشِنِ مَصقولاً حَواشيها
فَرَونَقُ الشَمسِ أَحياناً يُضاحِكُها
وَرَيِّقُ الغَيثِ أَحياناً يُباكيها
إِذا النُجومُ تَراءَت في جَوانِبُها
لَيلاً حَسِبتَ سَماءً رُكِّبَت فيها
لا يَبلُغُ السَمَكُ المَحصورُ غايَتَها
لِبُعدِ ما بَينَ قاصيها وَدانيها
يَعُمنَ فيها بِأَوساطٍ مُجَنَّحَةٍ
كَالطَيرِ تَنفُضُ في جَوٍّ خَوافيها
لَهُنَّ صَحنٌ رَحيبٌ في أَسافِلِها
إِذا اِنحَطَطنَ وَبَهوٌ في أَعاليها
صورٌ إِلى صورَةِ الدُلفينِ يُؤنِسُها
مِنهُ اِنزِواءٌ بِعَينَيهِ يُوازيها
تَغنى بَساتينُها القُصوى بِرُؤيَتِها
عَنِ السَحائِبِ مُنحَلّاً عَزاليها
كَأَنَّها حينَ لَجَّت في تَدَفُّقِها
يَدُ الخَليفَةِ لَمّا سالَ واديها
وَزادَها زينَةً مِن بَعدِ زينَتِها
أَنَّ اِسمَهُ حينَ يُدعى مِن أَساميها
مَحفوفَةٌ بِرِياضٍ لا تَزالُ تَرى
ريشَ الطَواويسِ تَحكيهِ وَيَحكيها
وَدَكَّتَينِ كَمِثلِ الشِعرَيَينِ غَدَت
إِحداهُما بِإِزا الأُخرى تُساميها