شعر ميخائيل نعيمة
خصائص شعر ميخائيل نعيمة
ميخائيل نعيمة؛ أديب لبناني وهو من شعراء المهجر ، اتسمت أشعاره بما اتّسمت به أشعار هذه المجموعة من الشعراء، فقد خرجوا عن المألوف من الشعر، وتتلخص خصائص شعر ميخائيل نعيمة فيما يأتي:
نظام القصيدة في شعر ميخائيل نعيمة
كان ميخائيل نعيمة شاعرًا مهجريًّا ممّن وضع بصمةً خاصةً بأشعاره وبأسلوبه، وقد أسهم كغيره من شعراء المهجر بتطوّر القصيدة العربيّة وتجديدها، ولعلّ أبرز الخصائص التي ميّزت شعره هي تجرؤه على أوزان الخليل بن أحمد الفراهيدي، إذ وظف شعر التفعيلة في قصائده، فجدّد في الموسيقا الشّعريّة، وخرج عن نظام الشطرين.
حجّم العروض الذي كان يُعد العنصر الرئيس في موسيقا الشّعر، وتوجّهت أنظار ميخائيل ومن معه نحو موسيقا جديدة تختلف في مزاياها عمّا جاء به الفراهيدي، فبعد أن كانت القصيدة محكومةً بوزن وقافية معيّنة وروي، توسّعت النظرة حول موسيقا النص، فقد اعتنى ميخائيل بالناحية الموسيقية للنص الأدبي، ونوع في الأوزان والقوافي، ومثال ذلك قوله:
- والحَوْر ينسى ما اعتراه من المصائبِ والمحن
- ويعود يشمخ أنفه ويميس مخضـرّ الفنن
- وتعود للصفصافِ بعد الشيب أيام الشبـاب
- فيغرد الحسّـونُ فوق غصونه بدل الغـراب
كانت معظم أشعاره من شعر التفعيلة، وقد كان يرى أنّ الشعر على ارتباط تام بالموسيقا، كما يرى أنّ الحياة أهزوجة يُغنّيها بأشعاره، وقد وضع كتاب "الغربال" ووضّح فيه التّجديد الذي أقامه شعراء المهجر على الشّعر العربي، ورأى أيضًا أنّ الشّعر هو عبارة عن ترجمة العواطف والأحاسيس ضمن عبارات موزونة.
الإيقاع والموسيقى الداخلية في شعر ميخائيل نعيمة
يرى ميخائيل نعيمة أنّ الحياة هي عبارة عن أهزوجة يُعبّر عنها بكلمات ممزوجة بأعذب الألحان، ويكشف عن أهميّة الموسيقا للشعر، فقد اعتنى ميخائيل اعتناءً كبيرًا بموسيقا الشعر ولا سيّما الدّاخليّة، وقد ظهرت الموسيقا الدّاخليّة في قصائده في نواحٍ متعدّدة، وهذه النواحي هي كالآتي:
- التكرار
لجأ ميخائيل لإغناء موسيقا النص لديه إلى التكرار بأنواعه المختلفة، فظهر بشكل ملحوظ لديه، وهذا شيء طبيعي، فهو شاعر رومانسي، والرومانسية لا تهتمّ بالمعنى قبل اهتمامها بالمبنى، ومن ذلك قوله:
سقف بيتي حديد
- ركن بيتي حجر
فاعصفي يا رياح
- وانتحب يا شجر
- التدوير
استخدم ميخائيل نعيمة خاصيّة التدوير في قصائده التي تعتمد نظام التفعيلة، فقد ورد ذلك عفوًا، وقد لجأ إلى الربط العضوي بين الإيقاع والمحتوى الفكري والعاطفي للقصيدة، ومن أمثلة ذلك قوله:
بالأمس كنت إذا سمعـ
- ـت تنهّدي وتوجّعي
تبكي، وها أبكي أنا
- وحدي ولا تبكي معي
الأساليب اللغوية في شعر ميخائيل نعيمة
نوّع الشّاعر ميخائيل نعيمة في أشعاره من الأساليب النحوية والصّرفية وذلك بحسب الغرض الذي تحدّث به، وبحسب ما تطلبه مشاعره، فمن ذلك أنّه مزج بين الأفعال في أزمانها الثّلاثة، وذلك بحسب المقام، فقد استخدم الفعل الماضي للدلالة على ثبوت الأمر وتحقّقه، كما استخدم الفعل المضارع للدّلالة على الاستمرار والتّجدّد.
لجأ كذلك إلى تكرار بعض الأفعال، وذلك في سبيل تقوية المعنى والتّأكيد عليه وإثراء الفكرة وإيضاحها، واستخدم فعل الأمر في مقامه المناسب له، ونوّع بين الجمل الفعليّة والجمل الاسميّة وأشباه الجمل، واستخدم المشتقّات بأنواعها المختلفة بما يدعم المعنى المراد، فاستخدم اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبّهة ومبالغة اسم الفاعل واسم الزّمان واسم المكان وغيرها.
استخدم أيضًا الضّمائر؛ الغائب والمتكلّم والمخاطب، وذلك بحسب ما يتطلّبه الموضوع الذي يكتب فيه، سواء أكانت هذه الضّمائر متّصلة أو منفصلة، ومن ذلك قوله في قصيدة صدى الأجراس:
بالله شكوكي خليني
- وحدي ذا الصوت يناديني
ذا صوت صباي يردده
- الوادي وشواهق صنّيني
سمعًا دن دن
- سمعًا دن دن
قولوا لرفاقي يجتمعوا
- فالشمس رويدًا ترتفع
الانزياح الأسلوبي في شعر ميخائيل نعيمة
الانزياح هو الخروج عن المألوف وتجاوز السائد والمتعارف عليه لدى الناس في أذهانهم عن الأشياء، ويُقسم إلى عدة أقسام كالآتي:
- الانزياح الموضوعي والشامل
هو ما يُؤثر على نسبة محدودة من سياق القصيدة أو على القصيدة كاملة.
- الانزياح الداخلي والخارجي
يكون الانزياح الداخلي عند انفصال وحدة لغوية عن القاعدة، والخارجي عند اختلاف النص عن القاعدة.
- الانزياح السلبي والإيجابي
يكون الانزياح السلبي عندما تُخصص القاعدة العامة وتُقصر على حالات، بينما الإيجابي يكون عند إضافة قيود معينة على ما هو قائم في النص.
يدلّ هذا على أنّ الانزياح يشمل أجزاء النص المتنوعة، ولعلّ الهدف الأساسي من الانزياح هو ما يُثيره من مفاجأة لدى المتلقي تُثير في نفسه مشاعر الفرح، وقد تميّز الانزياح في شعر ميخائيل نعيمة أنّه متداخل مع الخيال والفكر مع اللغة والشّعور، فقد اتّخذ من الخيال وسيلةً في تقريب المعنى من ذهن المتلقي.
هذه الصور ما هي إلّا تمثيل لمشاعر ذاتيّة يشعر بها الكاتب؛ إذ يُقارب بين الطّبيعة وبين ما يجول داخله من مشاعر، فيلبس ما يشعر به للطبيعة المقابلة له، كما برع في استخدام التّشبيهات الاستعارية، فألبس الأشياء ما ليس لها، وقد كانت صوره مليئةً بالعاطفة؛ إذ من الطبيعي أن يمتلئ النص الشّعري بالتصوير المصحوب بالمشاعر.
تبدأ هذه الصّور على شكل صور جزئيّة مستقاة من الطبيعة، ثمّ تتكاثف تلك الصّور لتُشكّل الصورة الكليّة، وأكثر أنواع الانزياحات وجودًا في شعر ميخائيل نعيمة هي الاستعارات والتشبيهات والمجاز والكناية، فقد وظّف هذه الانزياحات جميعها في خدمة المعنى الذي يرنو إليه، ومن ذلك قوله:
- ترصدي البرق إلى أن تخطفي منه لظاه
- ويكفّ الرعد لكن تاركًا فيه صداه
- هل من البرق انفصلت؟
- أم مع الرعد انحدرت؟
بلاغة الصمت في شعر ميخائيل نعيمة
إنّ الصّمت هو عنصر من عناصر التواصل يلجأ إليه الإنسان عندما يرفض الكلام مع الطرف الآخر، وقد يكون الصّمت في بعض الأحيان أشد بلاغة من الكلام، يقول أبو العتاهية عن الصّمت:
يخوض أناسٌ في الكلام ليوجزوا
- وللصّمتُ في بعض الأحايين أوجزُ
إذا كنتَ عن أن تُحسنَ الصّمت عاجزًا
- فأنت عن الإبلاغ في القول أعجز
إنّ الصمت لا يعني الضّعف، إنّما فيه بلاغة تتجاوز بلاغة الكلام، وقد اتّخذ الصّمت أشكالًا عديدةً في أشعار ميخائيل، ومن هذه الأشكال ما يأتي:
- الصّمت الصريح
هو تلك الألفاظ المباشرة التي عبّرت عن الصمت، وذلك مثل: "صمت، سكون، سكوت"، ومن ذلك ما جاء في قوله:
- قم بنا فالرياح تكاد
- تجعل الدّمع منا جماد
- وتعال ننم
- في سرير الندم
- علّ ستر الظلم
- في المنام يزاح
- اسكتي اسكتي يا رياح
- الصّمت غير الصّريح
هو ما يُفهم من العبارة، ومن هذا ما جاء في قوله:
إذا سماؤك يومًا
- تحجّبت بغيوم
أغمض جفونك تبصر
- خلف الغيوم نجوم
والأرض حولك إمّا
- توشحت بالثلوج
أغمض جفونك تبصر
- تحت الثلوج مروج
قارن ميخائيل في الأبيات السّابقة بين الحياة الدّنيا التي يتعذّب بها المرء، وبين الآخرة التي يبحث فيها عن الاطمئنان، وذكر أنّ هذا العالم الغائب يستوجب الصمت.
النزعة الرومانسية في شعر ميخائيل نعيمة
إنّ الشّاعر ميخائيل نعيمة هو شاعر من شعراء الرومانسية ، وإن نظر إلى شعره يتبيّن السّمات الدالة على ذلك بشكل واضح وجلي، فقد غلب الحزن والكآبة على معانيه، كما اعتمد على الطّبيعة في تصوير آلامه، كما ظهرت ذاتيته المتشائمة بشكل كبير.
فيما يتعلّق بلغته الشّعريّة فقد كانت لغةً سهلةً قد خلت من كل ما هو صعب، وفيما يتعلّق بموسيقا النص فقد اعتمد نظام التّفعيلة أكثر من الشطرين إذ يجد به مساحةً كافيةً للتّعبير عن النفس، ومثال ذلك قوله:
تدبين دبّ الوهن في جسمي الفاني
- وأجري حثيثًا خلف نعشي وأكفاني
فأجتاز عمري راكضًا متعثّرًا
- بأنقاض آمالي وأشباح أحزاني
المقصود بالنزعة الرومانسية هنا هو ما تحمله الرومانسية من معانٍ اتفق عليها أصحابها من حضور الحزن والكآبة والشعور باقتراب الموت ونحو ذلك، وهذا ما يُرى في هذه القصيدة التي يتخيل فيها الشاعر نفسه ميتًا وأنّ دودةً تأكل لحمه، فيروي ما يرويه في جوّ من الحزن والكآبة وحضور روح الموت في الأبيات المذكورة.
جدلية الحياة والموت في شعر ميخائيل نعيمة
نظر ميخائيل نعيمة نظرةً مختلفةً للموت والحياة، فلم يرَ أنّ الحياة ضد الموت، بل رأى أنّ الموت هو مكمّل للحياة، وضد الموت الولادة، أمّا الحياة فهي المدة الفاصلة بين الأمرين؛ لذا رأى أنّ الإنسان ينبغي عليه أن يخطو نحو الموت بخطى ثابتة وبقوة دون تردد.
تبيّنت وجهة نظره في قوله مخاطبًا أوراق الشجر التي تسقط في شهر الخريف:
- تناثري تناثري يا بهجة النظر
- يا مرقص الشمس ويا أرجوحة القمرِ
- يا أرغن الليل ويا قيثارة السحرِ
- يا رمز فكر حائرٍ ورسم روح ثائر
- يا ذكر مجد غابرٍ وقد عافك الشجر
- تناثري تناثري
- عودي الى حضن الثرى وجددي العهود
- وانسي جمالًا قد ذوى ما كان لن يعود
- كم أزهرت من قبلك وكم ذوت ورود
- فلا تخافي ما جرى و لا تلومي القدرا
- عودي الى حضن الثرى
نماذج من شعر ميخائيل نعيمة
من أبرز قصائد ميخائيل نعيمة ما يأتي:
- يقول ميخائيل نعيمة في قصيدة النهر المتجمد:
يا نهر، هل نضبت ميا
- هك فانقطعتَ عن الخرير؟
أم قد هرمتَ وخار عز
- مك فانثنيت عن المسير؟
لا أمس كنتَ مرنـ
- ـنمًا بين الحدائق والزّهور
تتلو على الدّنيا وما
- فيها أحاديث الزهور.
- يقول ميخائيل نعيمة في قصيدة أخي:
- أخي إن ضجّ عد الحرب غربيٌّ بأعماله
- وقدّس ذكر من ماتوا وعظّم بطش أبطاله
- فلا تهزج لمن سادوا، ولا تشمت بمن دانا
- بل اركع صامتًا مثلي بقلبٍ خاشعٍ دامٍ
- لنبكي حظّ موتانا
- أخي إن عاد بعد الحرب جندي لأوطانه
- وألقى جسمه المنهوك في أحضان خلّانه
- فلا تطلب إذا ما عدت للأوطان خلّانا
- لأنّ الجوع لم يترك لنا صحبًا نناجيهم
- سوى أشباح موتانا
- أخي من نحن لا وطن ولا أهل ولا جار
- إذا نمنا إذا قمنا رِدانا الخزي والعار
- لقد خمّت بنا الدنيا كما خمّت بموتانا
- فهات الرفش واتبعني لنحفر خندقًا آخر
- نواري فيه موتانا.
- يقول ميخائيل نعيمة في قصيدة جبل التمني:
نتمنى وفي التمني شقاء
- وننادي يا ليت كانوا وكنّا
ونصلّي في سرّنا للأماني
- والأماني في الجهر يضحكن منّا
غير أنّي وإن كرهت التمنّي
- أتمنّى لو كنت لا أتمنى
نتمنّى وما التمني سوى مهماز
- دهر يحثّنا للمسير
فصغيرًا قد كنتُ أطلب لو كنت
- كبيرًا ولي صفات الكبير
وكبيرًا لو عدت طفلًا صغيرًا
- واستردّت نفسي نعيم الصغير.