شعر عن لبنان
شعر عن لبنان
اخترنا لكم مجموعة من الأشعار التي قيلت في لبنان، تنوعت ما بين حب للوطن، أو وصف لجمال الطبيعة وروعتها، وفي الآتي ذكر لباقة شعرية للبنان:
رآني الله ذات يوم في الأرض أبكي
الشاعر إيليا أبو ماضي هو شاعر من شعراء المهجر ولد في لبنان في قرية المحيدثة، هاجر إلى أمريكا أنشأ الرابطة القلمية هناك مع نخبة من الشعراء المهجريين، اتسم شعره بالعذوبة وبرقة المعاني، له العديد من المؤلفات الأدبية، منها تذكار الماضي والجداول والخمائل وديوان أبي ماضي، وغيرها، يقول في قصيدته (رآني الله ذات يوم) يصف غربته عن وطنه الحبيب لبنان:
رَآنِيَ اللَهُ ذاتَ يَومٍ
- في الأَرضِ أَبكي مِنَ الشَقاء
فَرَقَّ وَاللَهُ ذو حَنانٍ
- عَلى ذَوي الضُرِّ وَالعَناء
وَقالَ لَيسَ التُرابُ داراً
- لِلشِعرِ فَاِرجَع إِلى السَماء
وَشادَ فَوقَ السِماكِ بَيتي
- وَمَدَّ مُلكي عَلى الفَضاء
فَاِلتَفَّتِ الشُهبُ حَولَ عَرشي
- وَسارَ في طاعَتي الضِياء
وَصِرتُ لا يَنطَوي صَباحٌ
- إِلّا بِأَمري وَلا مَساء
وَلا تَسوقُ الغُيومَ ريحٌ
- إِلّا وَلي فَوقَها لِواء
فَالأَمرُ بَينَ النُجومِ أَمري
- لي الحُكمُ فيها وَلي القَضاء
لَكِنَّني لَم أَزَل حَزيناً
- مُكتَئِبَ الروحِ في العَلاء
فَاِستَغرَبَ اللَهُ كَيفَ أَشقى
- في عالَمِ الوَحيِ وَالسَناء
وَقالَ ما زال آدَمِيّاً
- يَصبو إِلى الغيدِ وَالطِلاء
وَمَسَّ روحي وَاِستَلَّ مِنها
- شَوقي إِلى الخَمرِ وَالنِساء
وَظَنَّ أَنّي اِنتَهى بَلائي
- فَلَم يَزِدني سِوى بَلاء
وَاِشتَدَّ نَوحي وَصارَ جَهراً
- وَكانَ مِن قَبلُ في الخَفاء
وَصارَ دَمعي سُيولَ نارٍ
- وَكانَ قَبلاً سُيولَ ماء
يا أَيُّها الشاعِرُ المُعَنّى
- حَيَّرَني داؤُكَ العَياء
هَل تَشتَهي أَن تَكونَ طَيراً
- فَقُلتُ كَلّا وَلا غَناء
هَل تَشتَهي أَن تَكونَ نَجماً
- أَجَبتُ كَلّا وَلا بَهاء
هَل تَبتَغي المالَ قُلتُ كَلّا
- ما كانَ مِن مَطلَبي الثَراء
وَلا قُصوراً وَلا رِياضاً
- وَلا جُنوداً وَلا إِماء
وَلَيسَ ما بي يا رَبُّ داءٌ
- وَلا اِحتِياجي إِلى دَواء
وَلا حَنيني إِلى القَناني
- وَ لا اِشتِياقي إِلى الظِباء
وَلا أُريدُ الَّذي لِغَيري
- ذا حِكمَةٍ كانَ أَم مَضاء
لَكِنَّ أُمنِيَّةً بِنَفسي
- يَستُرُها الخَوفُ وَالحَياء
فَقالَ يا شاعِراً عَجيباً
- قُل لي إِذَن ما الَّذي تَشاء
فَقُلتُ يا رَبِّ فَصلَ صَيفٍ
- في أَرضِ لُبنانَ أَو شِتاء
فَإِنَّني هَهُنا غَريبٌ
- وَلَيسَ في غُربَةٍ هَناء
فَاِستَضحَكَ اللَهُ مِن كَلامي
- وَقالَ هَذا هُوَ الغَباء
لُبنانُ أَرضٌ كَكُلِّ أَرضٍ
- وَناسُهُ وَالوَرى سَواء
وَفيهِ بُؤسي وَفيهِ نُعمى
- وَأَردِياءٌ وَأَتقِياء
فَأَيُّ شَيءٍ تَشتاقُ فيهِ
- فَقُلتُ ما سَرَّني وَساء
تَحِنُّ نَفسي إِلى السَواقي
- إِلى الأَقاحي إِلى الشَذاء
إِلى الرَوابي تَعرى وَتَكسى
- إِلى العَصافيرِ وَالغِناء
إِلى العَناقيدِ وَالدَوالي
- وَالماءِ وَالنورِ وَالهَواء
فَأَشرَفَ اللَهُ مِن عُلاهُ
- يَشهَدُ لُبنانَ في المَساء
فَقالَ ما أَنتَ ذو جُنونٍ
- وَإِنَّما أَنتَ ذو وَفاء
فَإِنَّ لُبنانَ لَيسَ طَوداً
- وَلا بِلاداً لَكِن سَماء
قف فوق رابية من طور لبنان
خليل اليازجي هو شاعر لبناني، له العديد من المؤلفات الأدبية، منها نسمات الأوراق، المروءة والوفاء، وهي مسرحية شعرية، والوسائل إلى إنشاء الرسائل، والصحيح بين العامي والفصيح، يقول في لبنان:
قف فوق رابيةٍ من طور لبنانِ
- وَقل سَلامٌ على أَرضٍ وَسُكّانِ
أرضٌ إذا ما سَقاها الغيثُ كادَ بها
- ان يَستَحيل إلى درٍّ وَمرجانِ
يا أهل لبنان ما لبنانكم جَبَلٌ
- لكنهُ قمَّة العلياء وَالشانِ
فيِهِ العشائر أصحاب المفاخر أر
- باب المآثر من مَجدٍ وَعرفانِ
إمارةٌ قد سمت فيهِ وَمَشيخةٌ
- نشَت أصولهما من عهد أَزمانِ
ملجأ الوباءِ وملجأ الحرِّ يقصدهُ
- مُصابُ هَذَين من قاصٍ ومن دانِ
وملجأُ المُبتَلى من كل ذي سقمٍ
- بطيب ماء وأهواء وجيرانِ
وفي خمائلهِ ذات النضارة ما
- تَشآؤُهُ من سوى نَخلٍ وَرُمّانِ
وفي عرانينه للثلج مُختَبأ
- بردٍ وريٍّ لحرّانٍ وَعَطشانِ
من جامدٍ حاملٍ للبرد ينقلهُ
- وَذائبٍ حاملٍ ريّا بخُلجانِ
وفي الحضيض سهولٌ رحبةٌ سُقيَت
- منها فجاءت بأثمار وأغصان
وعند أهليه من أنسٍ ومن دعةٍ
- ما يلزم المرءَ كَي يُدعى بإنسان
ومن مكارم أخلاق مجرَّدةٍ
- عَن التكلُّف في شيبٍ وَشُبّانِ
حيثُ الفَرَنجةُ لَم يبلُغ تمدُّنُها
- وَالحمدُ لِلَّه فهو الجار فالثاني
فَلا لِسانانِ في لبنان قاطبةً
- لكن لكلٍّ عيونٌ ليس عينانِ
ولا تفاقٌ ولا كذِقٌ ولا كَلِمٌ
- بذيئةٌ شأنُها تخديش آذانِ
وَلا تجارةَ رَسماً تَقتَضي عَجلاً
- يُنسي الفَتى نفسَهُ لا بعضَ إِخوانِ
وَتَقتَضي الجريَ في حكم الأصول فَلا
- يَرعى الخَليلُ خَليلاً عند إمكان
يُحِلُّ كلَّ نزيلٍ قد أتاه على
- رأَسٍ وَعينٍ لهُ حَفواً بضيفانِ
وكل شيءٍ بِهِ سَهلٌ تَناوُلُهُ
- باليُسر ما بين أَعيانٍ وأَثمانِ
وَالمركبات بِهِ تَجري ممهِّدةً
- وَعورَهُ بين قيعانٍ وَكُثبانِ
ومَن تمدَّن يَلقى فيهِ بُغيتهُ
- ايضاً ببعض القُرى من حسن إتقان
ووحدةٌ واختلاطٌ كيف شئتَ بِهِ
- وانت بالقرب من مدنٍ وبلدانِ
ودون ذاك صفاتٌ جمَّةٌ بقيت
- تزينُهُ بجَمالٍ باهر الشانِ
هَذا هو الوطن المحبوب اذكرهُ
- وما أنا بمُراعٍ حُبَّ أوطانِ
لبنان لم يبق فيك سواي
كاتب هذه القصيدة هو الشاعر وديع عقل صحفي لبناني، أحب الشعر وأجاد نظمه، وشارك في إصدار جريدة (الوطن) ثم (الراصد)، وكان من أعضاء مجلس النواب اللبناني لمدة بسيطة. توفي ببيروت، من أعماله الأدبية، دوينا شعري، وأربع رويات تمثيلية، ويقول في أبياته واصفاً حبه للبنان:
لبنان إن لم يبق فيك سواي مر
- تبعٌ فاني في ربوعك باق
أو غاب سقي الراح عنك ومستقي
- ه أبيتُ وحدي المستقي والساقي
لم يكف أنك ملءُ قلبي إنني
- أهواك ملء القلب والأحداق
الفقر فيك ولا الغنى في غربةٍ
- والموت فيك ولا حياة فراق
يا مهد آبائي وأجدادي الألى
- تخذوا جبالك للسماء مراقي
ما خلفونا بعدهم لتبيت من
- كوداً ونحن نهيم في الآفاق
من يبلغ النائين أن جباهنا
- عفرت وأن الحبل في الأعناق
ومن الجسوم على الحضيض قناطرٌ
- ومن الدماء جداول وسواقي
أسائل لبنان عما بقي
يقول وديع عقل أيضاً:
أُسائلُ لبنان عما بقي
- له عند هذا الخيال الشقي
قضيت له كل حقّ عليَّ
- قضاءَ رقيقٍ ولم أبق
ألم أبلِ ذهني عليه وقلبي
- ألم أبل ثوب الصبا الريق
ألبنان ماذا يفيدك مني
- على مثل حالي أن نلتقي
أنا غير ذلك الهزار الخلي
- المغني على عودك المورق
أنا غير ذاك الصبيّ الملاقي
- بناتك في زهوه الشيق
وما أنت أنت ولا نحن نحن
- كلانا افترقنا على مفرق
وصرنا إلى مأزقٍ واحدٍ
- ومتنا شهيدين في المأزقِ
أرى الحسن في لبنان أينع غرسه
معروف الرصافي معروف شاعر عراقيّ ولد ببغداد ونشأ بها في (الرصافة)، نظم أروع قصائده وكانت تصب في الثورة على الظلم، تميز شعره بالجزالة والأسلوب العالي، له العديد من المؤلفات، منها ديوان الرصافي، ودفع الهجنة، وهي رسالة في الألفاظ العربية المستعملة في اللغة التركية وبالعكس، كما له دفع المراق في لغة العامة من أهل العراق، ونفح الطيب في الخطابة والخطيب، ومحاضرات الأدب العربي، وغيرها من المؤلفات، يقول في قصيدة له
أرى الحسن في لبنان أينع غرسه
- وقارب حتى أمكن الكفّ لمسه
إذا ما رأته عين ذي اللبّ مشرقاً
- تنزّت به في مدرح الحبّ نفسه
زكا مغرساً فالذام ليس يؤمّه
- وطاب جنىً فالسوء ليس يمسّه
قسا صخره لكن تفجّر ماؤه
- فلان بكفّ العيش منه مجسّه
لقد لبس الجوّ اللطيف فزانه
- بما فيه من غرّ المحاسن لبسه
ففي الليل لم يزعجك برد نسيه
- وفي الظهر لم تلفحك بالحرّ شمسه
وقد عبّدت للسالكين طريقه
- وحرّر أهلوه وبورك أنسه
فمن كان في طرق التواصل عثرةً
- فقد جاز في شرع المحبّة دعسه
تضيء نجوم السعد واليمن فوقه
- فينجاب شؤم الدهر عنه ونحسه
ويهمس في أذن الطبيعة جوّه
- فيضحكها فوق الربا الخضر همسه
كأن النسيم الطلق بين جنانه
- غناء حبيب يطرب النفس جرسه
كأن جبال المَتن حدبة عابد
- هوى ساجداً شكراً وبيروت رأسه
يقال عن الأضواء في جوف ليله
- ببيروت إذ يغشى من الليل دمسه
تزوّج صنّين الفتى بنت جاره
- فأضواء بيروت الوسيطة عرسه
ونبع الصفا والقاع فيه كلاهما
- من الحسن ملأى بالبدائع كأسه
جرى الماء في واديهما متدفقاً
- بانشودة الأطراب تنطق خرسه
أن تَزُرِ الشاغور يوماً تجد به
- من الحسن ما قد خصّ بالفضل جنسه
جرى ماؤه العذب الزلال محاكياً
- به الماس صفواً أو هو الماس نفسه
ترى طبع واديه رؤوفا بأهله
- شديداً على ما يزعج النفس بأسه
فمن زاره مستوحشاً فهو أنسه
- ومن جاءه مستنزهاً فهو قدسه
فيا لائمي في حب لبنان إنني
- أحسّ لعمري منه ما لا تحسّه
إذا كان لبنان كليَلى محاسناً
- فلا تعجبوا من أنيي اليوم قيسه
وأن تحمدوا منهُ الأيادي فإنني
- أنا اليوم من بعد الأيادي قسَه
عجبت لمدفون به بعد موته
- ولم ينتفض حيّاً وينشقّ رمسه
فمن لم يزُره وهو ربّ استطاعة
- تحتّم في سجن الحماقة حبسه
ومن زاره مستشفياً زاره الشفا
- وإن كان قبلاً يائساً منه نطسه
ولو جاءه من فَيه مسّ وجنّة
- لما حلّه إلاّ وقد زال مسّه
وما حلّه مستوحش النفس واجم
- من الناس إلاّ تمّ بالضحك أنسه
محلّ اصطياف الأغنياء من الورى
- يعيش عزيزاً فيه من ذلّ فلسه
فمن يبذلِ الدينار فيما يريده
- فمأواه محمود وإِلاّ فعكسه
كمثل الذي لا تصرف الفلس كفُّه
- ولو كان دون الفلس يقلع ضِرسه
كتبت كتاب المدح في وصف حسنه
- فضاق ولم يستوعب الوصف طرسه
فما كل ما قالت به شعراؤه
- سوى ثلث ما يحويه بل هو خمسه
ألا أن في لبنان جوّاً مروّقاً
- إذا ما شفى المسلول لم يخش نكسه