شعر عن الرحيل
الرحيل الأكبر لمحمود درويش
يقول الشاعر محمود درويش :
- في الرَّحيل الْكبير أُحبك أَكْثَرَ عَمّا قَليلْ
- تُقْفلين الْمدينة لأقلب لي في يديْك وَلَا
- دَرْب يَحْمِلُني، في الرَّحيل الْكبير أَحبك أَكْثرْ
- لا حليب لرُمّان شُرْفَتنا بعد صَدْرِكِ خفَّ النَّخيلْ
- خَفَّ وَزْنُ التَّلال وخَفّتْ شوارِعُنا في الأَصيلْ
- خَفتَّ الأَرْضُ إِذْ وَدَّعَتْ أَرْضها خَفَّت الْكَلِمَاتْ
- والْحِكاياتُ خفَّت على دَرَج اللَّيْلِ لكنَّ قلْبي ثقيلْ
- فاتْرُكيهِ هُنا حوْل بيْتك يعوى وَيَبْكي الزَّمان الْجميلْ
- ليْس لي وَطنٌ غَيْرُهُ في الرَّحيل أُحبُّك أُكْثَرْ
- أفْرغُ الرّوح منْ آخِر الْكلمات: أُحبُّك أَكْثَر
- في الرحيل تَقودُ الفراشات أَرْواحَنا في الرَّحيلْ
- نتذكَّرُ زر الْقميص الَّذي ضاع منّا ونَنْسى
- تاجَ أَيّامنا نتذكَّرُ رائحة الْعرق الْمِشْمَشِيِّ ونَنْسَى
- رقْصة الْخيْل في ليْل أَعْراسِنا في الرَّحيلْ
- نتساوى مع الَّطيْرِ نَرْحَمْ أَيّامنا نكْتفي بالْقَليلْ
- أَكْتَفي منْك بالْخَنْجَر الذَّهبيِّ يُرَقِّص قَلْبِي الْقتيلْ
- فاقْتُليني على مَهَلِ كَيْ أُقول أُحبُّك أُكْثَرَ ممّا
- قُلْتُ قبل الرحيل الْكبير أُحبُّك لاشَيْءَ يوجِعُنِي
- لا الْهواء، ولا الْماءُ ولا حَبَقٌ في صباحكِ لَا
- زنْبقٌ في مَسائك يُوجِعُنِي بَعْدَ هذا الرَّحِيلْ
ليلة وداع لبدر شاكر السياب
يقول الشاعر بدر شاكر السياب :
أوصدي الباب فدنيا لست فيها
- ليس تستأهل من عيني نظرة
سوف تمضين وأبقى أي حسرة
- أتمنى لك ألا تعرفيها
آه لو تدرين ما معنى ثواني في سرير من دم
- ميت الساقين محموم الجبين
تأكل الظلماء عيناي ويحسوها فمي
- تائها في واحة خلف جدار من سنين وأنين
مستطار اللب بين الأنجم
- في غد تمضين صفراء اليد
لا هوى أو مغنم نحو العراق
- وتحسين بأسلاك الفراق
شائكات حول سهل أجرد
- مدها ذاك المدى ذاك الخليج
والصحارى والروابي والحدود
- أي ريش من دموع أو نشيج
سوف يعطينا جناحين نرود
- بهما أفق الدجى أو قبة الصبح البهيج للتلاقي
كل ما يربط فيما بيننا محض حنين واشتياق
- ربما خالطه بعض النفاق
آه لو كنت كما كنت صريحة
- لنفضنا من قرار القلب ما يحشو جروحة
ربما أبصرت بعض الحقد بعض السأم
- خصلة من شعر أخرى أو بقايا نغم
زرعتها في حياتي شاعره
- لست أهواها كما أهواك يا أغلى دم ساقي دمي
إنها ذكرى ولكنك غيرى ثائرة
- من حياة عشتها قبل لقانا وهوى قبل هوانا
أوصدي الباب غدًا تطويك عني طائرة
- غير حب سوف يبقى في دمانا.
شعر الجواهري عن الرحيل
يقول الشاعر محمد مهدي الجواهري:
نيتُ نزَلنا بوادي السِباعْ
- بوادٍ يُذيبُ حِديدَ الصِراع
يُعَيِّرُ فيه الجبانُ الشُجاع
- أنيتُ لقد حانَ يومُ الوداع
إليَّ إليَّ حبيبي أنيتْ
- إليَّ إليَّ بجيدٍ وليت
كأنَّ عُروقَهما النافِرات
- خُطوطٌ مِن الكلِم الساحِرات
إليَّ بذاكَ الجبينِ الصَلِيتْ
- تخافَقَ عنْ جانبيهِ الشَعَرْ
يبُثُّ إليَّ أريجَ الزَهَر
- سيَعبِقُ في خاطري ما حيَيِتْ
ويُذكِرُني صَبوتي لو نَسيِت
- إليَّ إليَّ حَبيبي أنيتْ
إليَّ إليَّ بذلكَ الذّراعْ
- أبضَّ تفايَضُ مِنهُ الشُعاع
أطِلَّي عليَّ بهِ كالشِراع
- فقد لَفحَتني سَمومُ العِراقْ
فألهينَ مِنَّيَ جُرحَ الفِراق
- إليَّ إليَّ به للعِناق
لغيرِ العِناقِ الذي تَعرِفينْ
- بحيثُ يلُزُّ الوتينُ الوتين
عَشِيَّةَ أهتِفُ أو تهتِفين
- لنجمِ القَضا ولسَهمِ القَدَرْ
وللمُستَقِرِّ بذاكَ المَقَرّ
- بأنْ لا يُميِّلَ هذا السَّفينْ
إلى حيثُ أرهَبُ أو تَرَهبين
- إلى وَحَلٍ من دُموعٍ وطين
إليَّ بصدِركِ ذاكَ الخِضمّ
- مِن العاطفاتِ العُجابِ الشِيَمّ
مِن العاصفاتِ بلحمٍ وَدَمّ
- تُلَوِّنُ وجهَكِ في كلِّ آنْ
بما لم تُلَوَّنْ فُصولُ الزّمان
- أحاسيسُ تُعرِبُ عن كلِّ شان
كأنَّ وُجوهاً عِداداً لديكِ
- تَرِفُّ ظِلالاً على مُقلَتيك
كأنَّكِ تُلقِينَ من عاتِقيك
- بتلكَ الظِلالِ القِباحِ الِلطافْ
وأشباحِهنَّ السِّمانِ العِجاف
- عناءَ الضميرِ وثِقْلَ السِنين
وجهلَ المصيرِ وعِلْمَ اليقين
- بلُطفِ الحياةِ
وجُهدِ الظّنين
- بساعاتِها أنّ يروحَ الحِمامْ
إلى الصمتِ يدفعُها والظَلام
- إليَّ إليَّ حبيبي أنيتْ
إليَّ بنبعِ الحياةِ المُميتْ
- إليَّ بذاكَ النظيمِ الشّتيت
بثغركِ ذاكَ العبوسِ الطروبْ
- يَرفُّ إذا ما علاهُ الشُّحوب
كأنِّيَ أقرأ سِفرَ الغُيوب
- على شفَتيكِ و سِرَّ الخفايا
كأنِّيَ أسمعُ عتبَ الذَّنوب
- عليكِ ووقعَ دبيبِ الرزايا
كأنِّيَ أشربُ كأسَ الخطايا
- وسؤرَ دمٍ مُهدَرٍ مِن سِوايا
كأنّيَ أمضُغُ لحمَ الضّحايا
- تناثَرُ مِن بينِ تلكَ الثّنايا
كأنَّ الزفيرَ بنفحِ الطُّيوبْ
- إذا امتَزجا يَكشِفانِ النّوايا
ويَستصْرِخانِ أثيماً يتوبْ
- على ما تَجَرَّمهُ مِن منايا
إليَّ هواني إليَّ هوايا
- إليَّ المُنى تُشتَرى بالمنايا
إليَّ إليَّ بتلك البقايا
- مِن المُسأراتِ بتلكَ الجُيوبْ
إليَّ بصَفوِ النعيمِ المَشوب
- بلَفح أُوارِ الجحيمِ الشَّبوب
إليَّ إليَّ أغيثي ظمايا
- فقد نالَ مِن شفتيَّ اللُغوبْ
أسمعي لي قبل الرحيل كلاما للرصافي
يقول الشاعر معروف الرصافي :
أسمعي لي قبل الرحيل كلاما
- ودعيني أموت فيك غراما
هاك صبري خذيه تذكرة لي
- وأمنحي جسمي الضني والسقاما
لست ممن يرجو الحياة إذا فا
- رق أحبابه ويخشى الحماما
لك يا ظبية الصريمة طرف
- شدّ ما أوسع القلوب غراما
حُبَّ ماءُ الحياة منك بثغر
- طائر القلب حول سمطَيه حاما
شغل الكاتبين وصفك حتى
- لا دويّاً أبقوا ولا أقلاما
كلما زاد عاذلي فيك عذلاً
- زدت في حسنك البديع هياما
أفاحظي بزَورة منك تشفي
- صدع قلبي ولو تكون مناما
ربّ ليل بالوصل كان ضياءً
- ونهارٍ بالهجر كان ظلاما
قد شربت السهاد فيه مداماً
- وتخذت النجوم فيه ندامى
ما لقبي إذا ذكرتك يهفو
- ولعيني تُذري الدموع سجاما
أن شكوت الهوى تلعثمت حتى
- خلتني في تكلّمي تمتاما
ثنَتْ عنك يومَ الرحيلِ العِنانا لابن قلاقس
يقول ابن قلاقس:
ثنَتْ عنك يومَ الرحيلِ العِنانا
- وبانَتْ وفي إثرِها الصبرُ بانا
ولمّا استقلتْ ضُحىً بالمَطيّ
- أبانَ لك البينُ ما قد أبانا
لعَمْري لئنْ رحلَ الظاعنونَ
- لقد أودَعوني الهَوى والهَوانا
ولما اعتنقنا بكتْ لؤلؤاً
- وأمطرتُ من مقلتيّ جُمانا
وكنتُ كتمْتُ الهَوى فاغتدت
- بهِ دمعُ عيني لها تَرْجُمانا
عَفا اللهُ عمنْ ذللتُ فعزّ
- وصلتُ فصدّ وفَيْتُ فَخانا
وجاد رسومَ ديارِ اللِوى
- سحابٌ يُحيلُ رُباها حَنانا
ديارٌ قطعتُ حبالَ الهُمومِ
- بها ووصلتُ الظباءَ الحِسانا
ورُبّ فلاةٍ تعسّفتُها
- على متْنها الليلُ ألقى الجِرانا
فما صدَّ ذلك عزمي بها
- ولا راعَ ذلك مني الجَنانا
وقلتُ لهوجاء زيافةٍ
- تُقطّعُ أطوادَها والرُعانا
أقلّي أنينَكِ يا هذه
- فما صعُبَ الخطْبُ إلا وهانا
وجِدّي الى من إليه المطيُّ
- تروحُ خِماصاً وتغدو بِطانا
الى حافظِ الدينِ والمُرتجى
- لدفعِ المُلمِّ إذا ما اعترانا
تيقنتُ أني إذا جئتُه
- أخذتُ من الحادثاتِ الأمانا
وإن أظلمَ الخطبُ جلّى حِجاهُ
- عوارضَ أشكالِه فاسْتَبانا
إذا جئتُه مستفيداً أفادَ
- وإن جئتُه مستعيناً أعانا
لأصبِحَ في السادةِ الأكرمين
- أعزّ جُواراً وأعلى مكانا
وأوضحَهُم في العُلا منهَجاً
- وأفصحهُم في مقالٍ لِسانا
وأوسعَهم للندى نادياً
- وأرفَهَهُم في ذُرى المجدِ شانا
فيا ناقلَ الجودِ عن حاتمٍ
- سَماعاً تحدّثْ بهذا عِيانا
هنيئاً مريئاً بصومِ أتاكَ
- يُقبّلُ من راحتيكَ البَنانا
وخُذْها قصائدَ قد زيّنَتْ
- بذكرِ صفاتِكَ فيها الزمانا
حدائقُ لو نفحَتْ ريحَها
- على عجلٍ يابسَ الصخرِ لانا
رَحَلتُ عَنكَ رَحيلَ المَرءِ عَن وَطَنِه للبحتري
يقول البحتري :
رَحَلتُ عَنكَ رَحيلَ المَرءِ عَن وَطَنِه
- وَرِحلَةَ السَكَنِ المُشتاقِ عَن سَكَنِه
وَما تَباعَدتُ إِلّا أَنَّ مُستَتِراً
- مِنَ الزَمانِ نَأَتهُ الدارُ عَن جُنَنِه
أُنسٌ لَوَ أَنّي بِنِصفِ العُمرِ مِن أَمَمٍ
- أَشريهِ ما خِلتُني أَغلَيتُ في ثَمَنِه
فَإِن تَكَلَّفتُ صَبراً عَنكَ أَو مُنِيَت
- نَفسي بِهِ فَهوَ صَبرُ الطَرفِ عَن وَسَنِه
وَما تَعَرَّضتُ مِن شَينوخَ عارِفَةً
- إِلّا تَعَرَّضَ عُثنونٌ عَلى ذَقَنِه
فَاِسلَم أَبا صالِحٍ لِلمَجدِ تَعمُرُهُ
- بِأَريَحِيَّةِ مَحمودِ النَثّا حَسَنِه