شعر الهجاء في العصر العباسي الأول : سماته وأبرز أعلامه
سمات شعر الهجاء في العصر العباسي الأول
لقد برز شعر الهجاء في العصر العباسي الأول واحدًا من الأغراض الشعرية التي كان يتناولها الشعراء والأدباء في قصائدهم، ولكن كانت له سمات أخرى غير تلك التي كانت في الجاهلية ونحو ذلك، ومن بينها ما يأتي:
- شعر الهجاء في العصر العباسي الأول لم يعد نابعًا من العصبية القبلية حيث خفت تلك الحدة في ذلك العصر.
- الفخر في النسب والجنس صار أعلى من الفخر في القبيلة، أي نشأت فكرة التفاخر العربي على الموالي.
- ظهور النفس الشعوبي في قصائد الهجاء.
- هجاء الشعراء للخلفاء والوزراء والقادة الذين يحتجبون عنهم.
أعلام شعر الهجاء في العصر العباسي الأول
كان لشعر الهجاء في العصر العباسي الأول أعلام لا يُخطؤون، ومن بينهم ما يأتي:
عبد الصمد بن المعذل
هو واحد من رجال قبيلة عبد القيس وقد ذُكر أنّه نشأ في البصرة حيث إنّه ولد فيها، وقد ورث الشعر عن جدّه غيلان بن الحكم كما ذكر النقاد، وكان من أبرز أعلام الهجاء في العصر العباسي الأول وكان له أخٌ شاعر لكنّه كان ممن تتزاحم ركبهم في حلقات المعتزلة، ومن أشهر القصائد التي قالها عبد الصمد قصيدة عذيري من أخ قد كان بيدي:
عذيري من أخ قد كان بيدي
- على من لابس السلطان عتبه
وكان يذمهم في كل يوم
- يشي بالجهل والهذيان خطبه
فلما أن أتته دريهمات
- من السلطان باع بهن ربَّه
وغاب وخصيتاه كأكرتين
- وآب وخصيتاه كنصف دبه
كسبت أبا الفضول لنا معاباً
- وعاراً قد شملت به وسبه
ولم تر مالكاً أجدى عليه
- كما أجدى على النرسي شعبه
دعبل الخزاعي
واحد من الشعراء الذين ظهروا في العصر العباسي الأول وقد عُرف عنه سلاطة اللسان حتى أنّ امرأته لم تنج من هجائه، وقد عُرف في عصره أنّ أقاربه كانوا يتجنبونه خوفًا من سلاطة لسانه، وقد كان ديدنه هو هجاء الخلفاء والوزراء وأرباب الأمور، حتى أنّ الأموات والمدن لم تنج من لسانه، ومن أبرز القصائد التي قالها قصيدة ألام على بغضي لم بين حية:
أُلامُ عَلى بُغضي لِما بَينَ حَيَّةٍ
- وَضَبعٍ وَتِمساحٍ تَغَشّاكَ مِن بَحرِ
تُحاكي نَعيماً زالَ في قُبحِ وَجهِها
- وَصَفحَتُها لَمّا بَدَت سَطوَةُ الدَهرِ
هِيَ الضَرَبانُ في المَفاصِلِ خالِياً
- وَشُعبَةُ بِرسامٍ ضَمَمتَ إِلى النَحرِ
إِذا سَفَرَت كانَت لِعَينَيكَ سُخنَةً
- وَإِن بُرقِعَت فَالقَفرُ في غايَةِ القَفرِ
وَإِن حَدَّثَت كانَت جَميعَ مَصائِبِ
- مُوَفَّرَةٍ تَأتي بِقاصِمَةِ الظَهرِ
حَديثٌ كَقَلعِ الضِرسِ أَو نَتفَ شارِبٍ
- وَغُنجٌ كَحَطمِ الأَنفِ عيلَ بِهِ صَبري
وَتَفتَرُّ عَن قُلحٍ عَدِمتُ حَديثَها
- وَعَن جَبَلَي طَيٍّ وَعَن هَرَمي مِصرِ
أبو دلامة
اسمه زيد بن الجون وقد توفي في عام 161هـ، وقد عُرف أنّه كان يكسب المال من شعره ويُحاول الرزق بشتى أنواع الطرق ولو كان في بعض ذلك شيء من الخداع، وهجاؤه لامرأته كان من باب الدعابة وحث الخليفة على بذل المال والعطاء، ومن أبرز القصائد التي قالها في الهجاء قصيدة إن الخليط أجد البين فانتجعوا:
إنَّ الخَليطَ أجَدَّ البَينَ فانتَجعُوا
- يومَ الوَدَاعِ فما جَاؤُوا ومَا رَتَعُوا
واللهُ يعلَمُ أن كادَت لِبَينِهِمُ
- يومَ الفِراق حَصَاةُ القَلبِ تَنصَدِعُ
عَجِبتُ مِن صِبيَتي يوماً وأُمِّهِمُ
- أمِّ الدُلامَةِ لمّا هَاجَها الجَزَعُ
لا باركَ اللهُ فيها مِن مُنَبِّهَةٍ
- هبَّت تلُوم عِيَالي بَعدَما هَجَعُوا
ونَحنُ مُشتَبِهُوا الألوانِ أَوجُهُنَا
- سُودٌ قِبَاحٌ وفي أسمائِنا شَنَعُ
أذابَكَ الجُوعُ مُذ صَارَت عِيَالَتُنَا
- على الخَلِيفَةِ مِنهُ الرِّيُّ والشَّبَعُ
لا والَّذي يا أمِيرَ المُؤمِنينَ قَضَى
- لَكَ الخِلافَةَ في أسبَابِها الرَّفَعُ
ما زِلتُ أُخلِصُها كَسبِي فَتَأكلُهُ
- دُوني وَدُونَ عِيالِي ثمَّ تَضطَجِعُ
شَوهاءُ مَشنأةٌ في بَطنِها ثَجَلٌ
- وفي المَفَاصِلِ من أوصالها فَدَعُ
ذكّرتها بِكِتابِ اللهِ حُرمَتنا
- ولم تكن بِكِتابِ اللهِ تَنتَفِعُ
فاخرَنطَمَت ثمّ قالَت وهي مُغضَبَةٌ
- أَأَنتَ تَتلو كِتابَ اللهِ يا لُكَعُ
اخرُج لِتَبغِ لنا مالاً ومَزرَعَةً
- كَمَا لِجِيرانِنا مَالٌ ومُزدَرَعُ
واخدَع خَلِيفَتَنَا عَنها بِمسألَةٍ
- إنّ الخَلِيفَةَ لِلسُّؤال يَنخَدِعُ
تعريف شعر الهجاء
الهجاء هو عكس المديح ونقيضه وهو واحد من الفنون التي طُرقت منذ العصر الجاهلي ولم تقف عنده، حيث كان يتغذى على العصبيات القبلية وإثارة النعرات بين الأفراد والجماعات، وكانوا يتناولون في الهجاء العائلة والقبيلة والأجداد ولكن أشدها تلك التي يُتناول فيها النواقص لنفسية أو حتى الأخلاقية، والشعر الهجائي في عامته هو للتعبير عن الغضب والتنفيث عنه.