شروط عقد البيع الصحيح
شروط عقد البيع الصّحيح
شروط انعقاد البيع
أركان انعقاد البيع ثلاثة أركانٍ نوضّحها فيما يأتي مع الشروط:
- أوَّلها: العاقدان وهما البائع والمشتري، وهناك ثلاثة شروط متعلِّقة بهما، وهي كما يأتي:
- أن يكون كِلا العاقدين جائز التَّصرُّف: بحيث يتَّصف كلٌّ منهما بالبلوغ والعقل والحريَّة والرُّشد، وقد دلَّ على ذلك قول الله -تعالى-: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ)، وقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (مَنِ ابْتَاعَ نَخْلًا بَعْدَ أنْ تُؤَبَّرَ، فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أنْ يَشْتَرِطَ المُبْتَاعُ، ومَنِ ابْتَاعَ عَبْدًا وله مَالٌ، فَمَالُهُ لِلَّذِي بَاعَهُ، إلَّا أنْ يَشْتَرِطَ المُبْتَاعُ)، لِذا فلا يصحُّ بيع وشراء الصَّبي، أو المجنون، أو المملوك بغير إذن سيِّده، وقال الحنفيَّة بعدم اشتراط الحريَّة والبلوغ لصحَّة انعقاد البيع.
- أن يكون كِلا العاقدين مختاراً للعقد: بحيث لا يصحُّ بيع وشراء المُكره إلَّا أن يكون مكرهاً بحقٍّ، وقد دلَّ على ذلك قول الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا)، وقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنما البيعُ عن تراضٍ).
- أن يكون كلا العاقدين مالكاً للمعقود عليه: أو أن يقوما مقام مالكه، وقد دلَّ على ذلك ما ثبت عن حكيم بن حزام -رضي الله عنه- قال: (أتيتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقلتُ: يأتيني الرَّجلُ يسألني منَ البيعِ ما ليسَ عندي أبتاعُ لَهُ منَ السُّوقِ ثمَّ أبيعُهُ قالَ: لاَ تبع ما ليسَ عندَكَ).
- ثانيها: المعقود عليه؛ وهي السلعة التي يمتلكها البائع والثَّمن الذي يمتلكه المشتري، ويُشترط في المعقود عليه ستّة شروطٍ، وهي كما يأتي:
- أن يكون المعقود عليه موجوداً وقت العقد: لِذا فلا يصحُّ بيع المعدوم؛ كبيع الحمل الذي ما زال في البطن، أو اللّبن الذي ما زال في الضِّرع، أو الثَّمر الذي لم ينعقد وينبت على الشَّجر، وذلك لوقوع الغرر* والجهالة فيه، وقد دلَّ على ذلك ما ثبت عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- قال: (نَهَى عنْ بيعِ المضامينِ، و الملاقِحِ، وحَبَلِ الْحَبَلَةِ)، وما ثبت في الحديث عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: (نَهى عن بَيعِ الغَرَرِ)، إلّا أنّ بيع السَّلَم يُستثنى من بيع المعدوم باتّفاق العلماء.
- أن يكون المعقود عليه مالاً يُباح الانتفاع به: فلا تصحُّ المبادلة بما ليس بمالٍ لانعدام النَّفع في ذلك، كما لا تصحُّ بما يحرُم الانتفاع به؛ كالخمر، والخنزير، والميتة، وما كان على نحوها، وقد دلَّ على ذلك قول الله -تعالى-: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّـهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ).
- أن يكون المعقود عليه مقدوراً على تسليمه: فلا يصحُّ بيع الطَّير في الهواء، أو السَّمك في الماء، أو أيِّ حيوانٍ شاردٍ في الأرض؛ لأنَّ ذلك يعدُّ كبيع المعدوم الذي يحمل في طيَّاته الغَرر المنهي عنه.
- أن يكون المعقود عليه معلوماً لكلا العاقدين: وذلك لمجانبة المنازعة التي قد يُفضي إليها بيع المجهول؛ كبيع شاةٍ من القطيع، لذا كان لا بدَّ من العلم بالمعقود عليه، وهو ما يتحقَّق برؤيته أو بتوضيح صفاته وما يميِّزه عن غيره.
- أن يكون المبيع مملوكاً في ذاته وملكاً للبائع: فلا يصحُّ بيع ما لا يُملَك كبيع الكلأ*، أو بيع ما لا يملكه البائع وإن ملكه فيما بعد، ويُستثنى من ذلك المبيع بالوكالة أو النِّيابة الشَّرعيَّة؛ كالوليِّ، والوصيِّ، والقيم.
- أن يكون المعقود عليه خالياً ممَّا يمنع صحَّته: فلا يصحُّ أن يكون في بيوعٍ محرَّمةٍ ومنهيٍّ عنها؛ وذلك كالبيوع الرَّبويَّة، كما لا يصحُّ بيع ما يشوبه الجهالة والغرر*.
- ثالثها: الصيغة؛ وهي الإيجاب والقبول من كلا العاقدين.
شروط صحّة البيع
يشترط لصحَّة عقد البيع خلوُّه من ستة أمورٍ، وهي:
- الجهالة: وهي عدم العلم بوصف المبيع أو الثَّمن ومقداره أو أجله في حال كونه مؤجَّلاً.
- الغرر: وهو احتمال وجود المبيع أو عدمه؛ وذلك كبيع الحَمْل أو نتاج النّتاج.
- الإكراه: وهو حمل أحد العاقدين على فعلٍ ما بالإجبار، وينقسم إلى نوعين: أوَّلهما الإكراه المُلجئ أو التَّام؛ كأن يُهدَّد الإنسان بالقتل أو الضَّرب المُبرِح، وثانيهما الإكراه غير المُلجئ أو النَّاقص؛ كأن يُهدّد الإنسان بالحبس أو الحرمان.
- التوقيت: وهو تحديد مدَّةٍ معيَّنةٍ للبيع، وذلك كبيع سيارة أو ثوب لمدّة شهرٍ أو سنةٍ، إلَّا أنَّ ذلك سبباً في فساد عقد البيع؛ لأنَّ من متطلباته ومقتضياته أن تكون ملكيَّة المبيع على الدوام دون توقيتها.
- الشُّروط المفسدة: وهي كلُّ شرطٍ لا يقتضيه العقد شرعاً أو عرفاً، ولا يعود بالنَّفع والفائدة على أحد المتعاقدين، كأن يشترط المشتري في العقد أن يُقرضه البائع ألفاً.
- الضَّرر: وهو الأذى الذي يعود على البائع ويَلْحق به بتسليم المبيع، كأن يكون خشبةً من سقف بيته، أو ذراعاً من ثوبه.
شروط نفاذ البيع
يُشترط لنفاذ عقد البيع شرطان، نوردهما فيما يأتي:
- أوّلهما: المِلك أو الولاية، أمَّا المِلك فهو اقتناء الشيء وحيازته بحيث لا يقدر أحد على التَّصرُّف فيه عند انتفاء المانع الشَّرعي سوى الحائز والمقتني له، والولاية فهي سلطةٌ شرعيَّةٌ تسمح بانعقاد العقد ونفاذه، وتنقسم إلى نوعين كما يأتي:
- أوَّلهما: ولاية أصليَّة؛ وهي أن يتمكَّن الإنسان من تولِّي أمور نفسه بنفسه.
- ثانيهما: ولايةً نيابيةً؛ وهي أن لا يتمكَّن الإنسان من تولِّي أمور نفسه لنقص أهليَّته، فيتولَّى ذلك شخصاً غيره، وقد تكون بإنابة المالك كالوكيل أو بإنابة الشَّارع كالأولياء، وبناءً على ما سبق فلا يصحّ للإنسان أن يبيع ما لا يملكه أو يقوم مقام مالكه.
- ثانيهما: انتفاء الحقِّ في المبيع لغير البائع، فلا ينفذ عقد البيع إن كان في المبيع حقٌّ لغير البائع؛ كبيع الرَّاهن* للمرهون، أو بيع المؤجِّر للمأجور، ويكون بيعاً موقوفاً على إجازة المرتهن أو المستأجر.
وتجدر الإشارة إلى توضيح أمرين كما يأتي:
- أوَّلاً: إنَّ البيع من حيث النَّفاذ والوقف قسمان: أوّلهما البيع النافذ؛ وهو البيع الذي توافرت فيه أركان العقد وشروط انعقاده ونفاذه، وثانيهما البيع الموقوف؛ وهو البيع الذي توافرت فيه أركان العقد وشروط انعقاده باستثناء شروط نفاذه.
- ثانياً: إنَّ شرط النَّفاذ قد يكون في المبيع؛ كبيع الفضولي* ما لا يملكه، وقد يكون في التَّصرُّف؛ كبيع وشراء الصَّغير أو المجنون.
شروط لزوم البيع
يشترط للزوم عقد البيع أن يكون خالياً من الخيارات التي تُمكِّن وتُسوِّغ لأحد العاقدين فسخه؛ وذلك كخيار الشَّرط*، والتَّعيين*، والوصف*، والغبن*، والعيب*، والرؤية* ونحو ذلك، فإذا وُجدت إحدى هذه الخيارات في العقد؛ فلا يلزم لمن اشترطها إمضاء العقد، فهو بالخيار بين إكمال البيع والشراء أو إلغائه، -وفي الهامش شرحٌ مختصرٌ لكلّ خيارٍ تمّ ذكره-.
الحِكمة من مشروعية البيع
ثبتت مشروعية البيع في القرآن الكريم ، ومن ذلك قول الله -تعالى-: (وَأَحَلَّ اللَّـهُ الْبَيْعَ)، وقوله -تعالى-: (وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ)، وكذلك في السنَّة النَّبويَّة، ومن ذلك قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (عملُ الرجلِ بيدِه، وكلُّ بيعٍ مبرورٌ)، وقوله -صلّى الله عليه وسلّم-: (التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مع النَّبيينَ والصِّدِّيقِينَ والشُّهَدَاءِ)، وبإجماع علماء المسلمين، وتكمن الحكمة في مشروعيَّته في عدم مقدرة الإنسان على العيش منفرداً ومنعزلاً عن الآخرين، بل يحتاج للتَّعاون والتَّعامل معهم للحصول على حاجته التي لا تُعطى إليه إلَّا ببدلٍ وعوضٍ.
_____________________________________________
الهامش
* الغرر: بيع الغرر هو بيع شيءٍ مجهولٍ بين المتعاقدين، أو مالٍ لا يُوثق بتسليمه.
* الكلأ: أي العُشْب.
* الرّهن: هو حبس شيءٍ عند الشخص حتى يستوفي حقّه من مالكه، فيُقال رهنت منه الشيء؛ أي جعلته عندي حتّى يردّ لي دَيْني.
* بيع الفضولي: هو أن يبيع الشخص مال غيره من غير توكيل أو ولاية.
* خيار الشرط: هو أن يشتري شخصٌ من آخر سلعة ثم يختار للبيع مدّةٍ معلومة حتى لو كانت طويلة، وإن شاء نفّذ البيع في تلك المدة، وإن شاء لغاه، وهذا الشرط جائز للعاقدين، أو لأحدهما إذا اشترطه.
* خيار التعيين: "أي حقّ اختيار المتعاقدين أو أحدهما محلّ العقد في مدة معلومة".
*خيار الوصف: هو أن يشتري شخصٌ من آخر سلعة لها وصفٌ معيّن، ولا يعرف ذلك الوصف إلا بالتجريب، فيقبل المشتري بالبيع إن وجد الوصف المرغوب، وله أن يُلغيه في حال لم يجده.
* خيار الغبن: هو حقّ يثبت للمشتري الخيار في منع أو إبقاء العقد إذا غُرّر به -أي خُدِع- في سعر السلعة أو وصفها.
* خيار العيب: هو حقّ يثبت للمشتري الخيار في منع أو إبقاء العقد إذا وجد عيباً في السلعة.
* خيار الرؤية: هو حقّ يثبت للمشتري الخيار في منع أو إبقاء العقد إذا لم يَرَ السّلعة عند العقد أو قبله.