شروط سجدة الشكر
شروط سجدة الشكر
تتعدّد آراء العلماء في الشُّروط الواجبة لسجدة الشُّكر، فمنهم من يرى أنّ ما يُشترط لسجدة التِّلاوة هو ذاته ما يُشترط لسجدة الشُّكر؛ أي أنَّها تَفتقر إلى طهارةٍ، واستقبال للقِبلةٍ ، وسترٍ للعَورة، وإباحةٍ للوقت، بينما لم يوجب البعض الآخر من العُلماء ذلك في سجدة الشُّكر، بل أجازها دون اشتراط ذلك وصحَّحها على أيَّة حالٍ يُؤتى بها، ومن الشُّروط التي تمَّ اشتراطها لسجود الشُّكرما يأتي:
شرط حصول نعمة أو دفع نقمة
يُشترط لسجدة الشُّكر أن يَسبقها أحدُ أمرين، الأول: حُصول نعمةٍ ما يَسعد بها الإنسان، سواءً تعلَّقت في دينه أم في دُنياه، وسواءً تعلَّقت به أو بغيره من المسلمين، فيسجُد عندها لله -تعالى- شكراً له على هذه النِّعمة ، وطمعاً بالمزيد منها، حيث توعَّد الله -تعالى- عباده الشَّاكرين بالزِّيادة في العطاء، والسَّبب الثاني لسُجود الشُّكر اندفاع نِقمةٍ عن الإنسان؛ مثل نجاته من غرقٍ، أو حريقٍ، أو مرضٍ، ونحو ذلك، أو اندفاع نقمةٍ عن عموم المسلمين؛ مثل اندحار العدوِّ وانهزامه، فيقوم عندها بالسُّجود لله -تعالى- شكراً له على زوال هذه الغُمَّة وانجلاء هذه الكُربة.
شرط الطهارة والوضوء
إن من العلماء من اشترط لسُجود الشُّكر الطُّهارة والوضوء، والقائلين بهذا الشَّرط هم الشَّافعيّة والحنابلة، وذلك لأنَّهم قاسوا سُجود الشُّكر على الصَّلاة، فأوجبوا له ما هو واجبٌ للصَّلاة، ومن العلماء من لو يُوجب كلًّا من الطَّهارة والوضوء لسُجود الشُّكر، وهم المالكيَّة والحنفيَّة، وأجازوا سجود الشُّكر بدونها، لأنَّ سجود الشُّكر ليس بصلاة، فلا يصحُّ قياسه على الصَّلاة العاديّة، ولا أن يُوجب له الوضوء والطَّهارة كما تُوجب للصَّلاة ، ولكن يُستحب له ذلك استحباباً لا وجوباً. وقد اختار ابن تيمية الرأي القائل بعدم اشتراط الطهارة والوضوء لسجود الشكر.
شرط ستر العورة
اشترط الشَّافعيّة والحنابلة في سجود الشُّكر سَتر العَورة؛ وذلك لأنَّهم قاسوا سجود الشُّكر على الصَّلاة فأوجبوا له ما يَجب للصَّلاة من سترٍ للعورة، فمن لم تكن عورته مَستورة لم يَجز له أن يسجد سُجود الشُّكر .
شرط الوقت المباح
إن من الشُروط المُتَّفق عليها في سُجود الشُّكر أن تكون في وقتٍ مباح، ويُقصد بذلك أن تكون مُنفردة وألَّا يؤتى بها ضِمن الصَّلاة، بل تكون خارجها، إذ يَحرم سُجود الشُّكر في الصَّلاة باتِّفاق العلماء، وسبب ذلك أنَّ سجود الشُّكر ليس من الصَّلاة ولا من توابعها، فإن سجد المُصلِّي شُكراً في صلاته مُتعمِّداً بطُلت صلاته، إلا إن كان ذلك من باب النِّسيان أو جهلاً منه بالتَّحريم. كما يُكره أن يُؤتى بسجود الشُّكر خارج الصَّلاة في الأوقات التي يُكره فيها صلاة النَّفل عموماً، ولا يُكره في غير هذا الوقت من الأوقات.
شرط استقبال القبلة
اشترط الشَّافعية والحنابلة لسُجود الشُّكر استقبال القِبلة، حيث إنَّهم أوجبوا لسُجود الشُّكر كلَّ ما يجب للصَّلاة من باب القياس عليها، ومن ذلك استقبال القِبلة. واستدلَّ القائلون بهذا الشَّرط في سجود الشُّكر بالحديث الشَّريف -وهو حديث ضعيف-: (الكعبةُ قبلَتُكم أحياءً وأمواتًا)، حيث قالوا إنَّ السُّجود كلَّه لا يكون إلَّا للقِبلة، ويدخل في هذا العُموم سجود الشُّكر؛ لأنَّ الحديث لم يُقيِّد وجوب استقبال القبلة في السُّجود الدَّاخل في الصَّلاة فقط.
حكم سجدة الشكر وكيفيتها
تُعرَّف سجدة الشُّكر على أنَّها السَّجدة التي يقوم بها المسلم لله -تعالى- من باب الشُّكر والامتنان، وذلك عند حصول نعمةٍ ما له أو لغيره من المسلمين، أو عند اندفاع وزوال نقمةٍ عنه أو عن غيره من المسلمين.
حكم سجدة الشكر
سجود الشُّكر مُستحبٌّ عند حصول النِّعم أو عند دفع وزوال النِّقم، وبهذا قال الشافعيّة والحنابلة، كما عدُّوا سجود الشُّكر سُنَّةٌ من السُّنن الواردة عن النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-، ودليلهم في ذلك ما رُوي عن أبي بكرة -رضي الله عنه- أنَّ النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- كان يسجد شُكراً لله -سبحانه وتعالى- عند حصول أمرٍ يسرُّه ويَسعد به، وللحديث الوارد عن عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- قال: (رأيتُ رسولَ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ- سجَدَ سجدةً فأطالَ فرفعَ رأسَهُ فسألتُهُ عن ذلِكَ فقالَ إنَّ جبريلَ لقِيَني فقالَ من صلَّى عليْكَ صلَّى اللَّهُ عليْهِ ومن سلَّمَ عليْكَ سلَّمَ اللَّهُ عليْهِ قالَ أحسبُهُ عشرًا قالَ فسجَدتُ للَّهِ شُكرًا)، وهو حديث فيه ضعف.
كما روى البُخاري في قصِّة الصَّحابي كعب بن مالك -رضي الله عنه- أنَّه خرَّ ساجداً لله -تعالى- عندما علم بقَبول توبته، إذ جاء في الحديث على لسانه: (فَبيْنَا أنَا جَالِسٌ علَى الحَالِ الَّتي ذَكَرَ اللَّهُ، قدْ ضَاقَتْ عَلَيَّ نَفْسِي، وضَاقَتْ عَلَيَّ الأرْضُ بما رَحُبَتْ، سَمِعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ، أوْفَى علَى جَبَلِ سَلْعٍ بأَعْلَى صَوْتِهِ: يا كَعْبُ بنَ مَالِكٍ، أبْشِرْ، قَالَ: فَخَرَرْتُ سَاجِدًا، وعَرَفْتُ أنْ قدْ جَاءَ فَرَجٌ، وآذَنَ رَسولُ اللَّهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- بتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى صَلَاةَ الفَجْرِ)، وذكر سعيد بن منصور أنَّ أبا بكر الصِّديق -رضي الله عنه- سجد لله -تعالى- عندما علم بنبأ مَقتل مُسيلمة.
وأمَّا عند المالكية فقد قالوا بكراهة سُجود الشُّكر، كما قال الحنفيَّة إنَّها مكروهةٌ عند أبي حنيفة فاعلها لا يُثاب عليها وتركها أولى، وعلَّتُهم في كراهة سُجود الشُّكر أنَّ نِعم الله -عز وجل- لا تكاد تُحصى أو تحصر، لذا لا يجوز رَبطها بسجود الشُّكر. غير أنَّ المُفتى به بالمذهب الحنفي هو الاستحباب لا الكراهة، وتكره فقط عقب الصَّلاة مباشرةً حتى لا يظنَّ العامَّة أنَّها جزءٌ من الصَّلاة وتبعٌ لها، ولكي لا يعتقدوا بوجوبها، كما تكره في أوقات الكراهة التي يُكره فيها صلاة النَّفل عموماً.
كيفية سجدة الشكر
هيئة سُجود الشُّكر كهيئة سجود التِّلاوة ، فهي سجدةٌ واحدةٌ بالعدد لا سجدتان، مثلُها مثل سجدة التِّلاوة، وتؤدَّى بلا تكبيرةٍ في أوَّلها ولا تسليمةٍ في آخرها، وللمسلم أن يسجد بحسب حاله؛ قاعداً أو قائماً، وسواءً كان على طهارةٍ أو غير طهارة، مُحدثاً أم غير محدث، على أنَّ الطَّهارة فيها أفضل. ولا يجوز الإتيان بسجود الشُّكر في الصَّلاة، بل يكون محلُّها خارج الصَّلاة، وإن فعلها في الصَّلاة تبطل الصَّلاة، وإن نواها في ركوعه أو في سجوده ضِمن صلاته لم تُجزئ. كما يجدر الإشارة إلى أنَّ سجدة الشَّكر تصحُّ على الرَّاحلة للمسافر، حيث يجوز للمُسافر وهو على راحلته أن يُومئ إيماءً بسجود الشُّكر.