شرح قصيدة صفي الدين الحلي لا يمتطي المجد
شرح أبيات قصيدة صفي الدين الحلي لا يمتطي المجد
يقول الشاعر:
لا يَمتَطي المَجدَ مَن لَم يَركَبِ الخَطَرا
- وَلا يَنالُ العُلى مَن قَدَّمَ الحَذَرا
وَمَن أَرادَ العُلى عَفواً بِلا تَعَبٍ
- قَضى وَلَم يَقضِ مِن إِدراكِها وَطَرا
لا بُدَّ لِلشَهدِ مِن نَحلٍ يُمَنِّعُهُ
- لا يَجتَني النَفعَ مَن لَم يَعمَلِ الضَرَرا
يقول صفي الدين الحلي في قصيدته أنّ الإنسان لا بدّ أن يخوض غمار المخاطر من أجل الوصول إلى مبتغاه، ولا يمكن لأيّ كان أن يحصد النجاح من دون أن يقدم أجره وهو عرق التعب، وحتى العسل تحرسه النحول ولا يُجنى إلا بشق الأنفس.
لا يُبلَغُ السُؤلُ إِلّا بَعدَ مُؤلَمَةٍ
- وَلا يَتِمُّ المُنى إِلّا لِمَن صَبَرا
وَأَحزَمُ الناسِ مَن لَو ماتَ مِن ظَمَأ
- لا يَقرَبُ الوِردَ حَتّى يَعرِفَ الصَدَرا
وَأَغزَرُ الناسِ عَقلاً مَن إِذا نَظَرَت
- عَيناهُ أَمراً غَدا بِالغَيرِ مُعتَبِرًا
لا يُمكن للإنسان أن يصل إلى مطلبه فقط لأنّه يرغب بذلك، بل لا بدّ له من الجهاد والعاقل هو مَن لا يقرب إلى أمر ما لم يعرف مصدره، وخير النّاس مَن اعتبر بنفسه قبل أن يعتبر به لناس.
فَقَد يُقالُ عِثارُ الرِجلِ إِن عَثَرَت
- وَلا يُقالُ عِثارُ الرَأيِ إِن عَثَرا
مَن دَبَّرَ العَيشَ بِالآراءِ دامَ لَهُ
- صَفواً وَجاءَ إِلَيهِ الخَطبُ مُعتَذِرا
يَهونُ بِالرَأيِ ما يَجري القَضاءُ بِهِ
- مَن أَخطَأَ الرَأيَ لا يَستَذنِبُ القَدَرا
الإنسان إذا أعمل عقله بالشكل الصحيح وخطّط جيدًا لأموره الحياتية اليومية فإنّه لا بدّ أن يصل إلى الصواب من الأمور، ولكن لو كان غير حكيم ولا يتمتع برجاحة العقل فلا يلومنّ القضاء على ما يحل به من المصائب.
مَن فاتَهُ العِزُّ بِالأَقلامِ أَدرَكَهُ
- بِالبَيضِ يَقدَحُ مِن أَعطافِها الشَرَرا
بِكُلِّ أَبيَضَ قَد أَجرى الفِرِندُ بِهِ
- ماءَ الرَدى فَلَوِ اِستَقطَرتَهُ قَطَرا
خاضَ العَجاجَةَ عُرياناً فَما اِنقَشَعَت
- حَتّى أَتى بِدَمِ الأَبطالِ مُؤتَزِرا
والشخص الذي لم توفقه الحياة لطلب العلم والمكوث على الرّكب في المساجد فيستطيع أن يقطف الأمجاد في المعارك الدائرة، حيث يقطف بسيفه العزة والكرامة من أيدي الأعداء الغاشمين.
لا يَحسُنُ الحِلمُ إِلّا في مَواطِنِهِ
- وَلا يَليقُ الوَفا إِلّا لِمَن شَكَرا
وَلا يَنالُ العُلى إِلّا فَتىً شَرُفَت
- خِلالُهُ فَأَطاعَ الدَهرَ ما أَمَرا
كَالصالِحِ المَلِكِ المَرهوبِ سَطوَتُهُ
- فَلَو تَوَعَّدَ قَلبَ الدَهرِ لَاِنفَطَرا
لا يكون الحلم خيرًا سوى في موضعه الصحيح أمّا لو كان في غير موضعه لسمّاه النّاس جبنًا، والوفاء لا يكون خيرًا إلا مع الأشخاص الأوفياء، ولا بدّ للإنسان أن يحظى بهيبة تنفطر منها قلوب أعدائهم لمّا يتوعدهم.
لَمّا رَأى الشَرَّ قَد أَبدى نَواجِذَهُ
- وَالغَدرَ عَن نابِهِ لِلحَربِ قَد كَشَرا
رَأى القِسِيَّ إِناثاً في حَقيقَتِها
- فَعافَها وَاِستَشارَ الصارِمَ الذَكَرا
فَجَرَّدَ العَزمَ مِن قَتلِ الصَفاحِ لَها
- مَلكٌ عَنِ البيضِ يَستَغني بِما شُهِرا
لمّا رأى ذلك الرجل أنّ النّاس قد جهروا له بسيوف الغدر وكشروا عن أنيابهم واستحال الرجال إناثًا من شدة الخوف، تسلح بعزيمته وقوته وجلدته واستغنى عن تلك السيوف بما يملكه من الإصرار.
يَكادُ يُقرَأُ مِن عُنوانِ هِمَّتِهِ
- ما في صَحائِفِ ظَهرِ الغَيبِ قَد سُطِرا
ما جادَ لِلناسِ إِلّا قَبلَ ما سَأَلوا
- وَلا عَفا قَطُّ إِلّا بَعدَما قَدَرا
لاموهُ في بَذلِهِ الأَموالَ قُلتُ لَهُم
- هَل تَقدِرُ السُحبُ أَلّا تُرسِلَ المَطَرا
إِذا غَدا الغُصنُ غَضّاً في مَنابِتِهِ
- مَن شاءَ فَليَجنِ مِن أَفنانِهِ الثَمَرا
وكأنّ الناس قد قرؤوا النصر في جبين ذلك الرجل المغوار الذي سطّر بهمته معاني الإباء والصمود، وهو يتمتع بصفات قلما تُجمع في رجل واحد فلا يعفوا عن أحد إلا بعد أن يقدر عليه، وهو كريم على الآخرين كرم السحاب بل أكثر من ذلك حتى.
معاني المفردات في قصيدة لا يمتطي المجد
وردت في القصيدة مجموعة من المفردات التي لا بدّ من الوقوف عليها وبيانها وهي كالآتي:المفردة | المعنى |
الفِرِندُ | أي السيف. |
العَجاجَةَ | أي مكان المعركة الذي يُثار الغبار فيه. |
القِسِيَّ | أي الرجل الذي يكون ثابتًا في المواقف. |
أَعطافِها | أي جنباتها. |
الصور الفنية في قصيدة لا يمتطي المجد
وردت في القصيدة مجموعة من الصور الفنية لعل من أبرزها ما يأتي:
- لا يَمتَطي المَجدَ
جعل المجد مثل الشيء الذي يُمتطى، حذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه وهو استعارة مكنية .
- لا يَجتَني النَفعَ
جعل النفع مثل الشيء الذي يُجنى، حذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه وهو استعارة مكنية.
- أَتى بِدَمِ الأَبطالِ مُؤتَزِرا
جعل دم الأبطال مثل الشيء الذي يأتزر النّاس به، حذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه وهو استعارة مكنية.