شرح قصيدة المومس العمياء لبدر شاكر السياب
شرح قصيدة المومس العمياء لبدر شاكر السياب
قصيدة المومس العمياء إحدى القصائد ذائعة الصيت للشاعر العراقي بدر شاكر السياب ، وفيما يأتي شرح لها:
شرح قصيدة المومس العمياء
يقول بدر شاكر السياب في قصيدة المومس العمياء:
:الليل يطبق مرّة أخرى، فتشربه المدينه
- والعابرون، إلى القرارة مثل أغنية حزينه
- وتفتّحت، كأزهار الدّفلى، مصابيح الطّريق
- كعيون "ميدوزا" تحجّر كلّ قلب بالضغينه،
- وكأنّها نذرٌ تبشّر أهل "بابل" بالحريق
ها هوا اللّيل يغطّي جميع أنحاء المدينة، فيحتضن العمى البلاد كلّها، وها هم جميع المارين في ظلال هذا اللّيل يحولون إلى القاع في أمرهم، وكأنّهم أهزوجة حزينة يرثى لها ولأمرها، ولم يبقَ في هذا الطّريق إلا مصابيح تشبه في سوئها رأس ميدوزا، فكأنّها أفاعٍ تبثّ سمّها في المدينة، وتملأ قلب كلّ من ينظر إليها بالحقد والكره، وتزفّ بشرى الخراب لأهل العراق.
:من أي غاب جاء هذا الليل؟ من أي الكهوف
:من أي وجر للذّئاب؟
:من أي عش في المقابر دفّ أسفع كالغراب
:"قابيل" أخفى دم الجريمة بالأزاهر والشفوف
:وبما تشاء من العطور أو ابتسامات النساء
:ومن المتاجر والمقاهي وهي تنبض بالضّياء
ترى من أين جاء هذا الليل المظلم الحزين، هل جاء من الغابات أم جاء من وكر الذئاب أم جاء من الكهوف في الجبال؟ لقد بدأت هكذا حياة البشر، فقد بدأ قابيل بقتل هابيل ، ثمّ أخفى معالم جريمته بالأزاهر وابتسامات النساء، فكان الغرض وراء القتل هو المال والشّهوة، وها هو ذا الأمر يتكرّر في عصرنا الحالي، فالناس في هذه المدينة المظلمة يتبعون آثار من قبلهم.
- عمياء كالخفّاش في وضح النهار، هي المدينه
- واللّيل زاد لها عماها
- والعابرون
- الأضلع المتقوّسات على المخاوف والظّنون
- والأعين التعبى تفتّش عن خيالٍ سواها
- وتعد آنية تلألأ في حوانيت الخمور
- موتى تخاف من النشور
- قالوا سنهرب ثمّ لاذوا بالقبور من القبور
إنّ هذه المدينة عمياء مظلمة كالخفّاش لا ترى في النهار، وحتى إذا ما جاء الليل زاد في عماها، والمارون في ليل هذه المدينة يمشون بحذر وخوف مما هو آت، يحاولون أن يلجؤوا إلى الخمور كموتٍ مؤقّت، يخافون من الحياة التي تبشّرهم بموت حقيقي.
- من هؤلاء العابرون؟
- أحفاد "أوديب" الضّرير ووارثوه المبصرون
- "جوكست" أرملة كأمس، وباب طيبة ما يزال
- يلقي "أبو الهول" الرهيب عليه، من رعب ظلال
- والموت يلهث في سؤال
- باقٍ كما كان السؤال، ومات معناه القديم
- من طول ما اهترأ الجواب على الشفاه
- وما الجواب؟
- "أنا" قال بعض العابرين
هؤلاء المارون يمثّلون سلالة "أوديب" الذين كان لهم أجلٌ محتوم وهو الهلاك، فالظّلم موجود ومحروس بكائن قوي عظيم مثل "أبو الهول" والجارية شأنها كشأن أوديب الذي ارتكب ذنبًا وفقأ عينيه، وكذلك الجارية فقد حلّ ظلام الأيام عليها.
- وانسلّت الأضواء من باب تثاءب كالجحيم
- تطفو عليهنّ البغايا كالفراشات العطاس
- يبحثن في النيران عن قطرات ماء عن رشاش
ها قد خرجت الأضواء من باب تخرج منه أصوات كأصوات جهنم، وتظهر في ذلك الجحيم الفاجرات كأنّهنّ فراشات عطشى يبحثن داخل هذا الجحيم عم قطيرات من الماء يروين بهنّ رمقهنّ ليبقين على قيد الحياة.
- لا تثقلنّ خطاك فالمبغى "علائي" الأديم
- أبناؤك الصّرعى تراب تحت نعلك مستباح
- يتضاحكون ويعولون
- أو يهمسون بما جناه أبٌ يبرّئه الصّباح
- مما جناه ويتبعون صدى خطاك إلى السّكون
لا تغيّر وجهتك فإنّ رغباتك هي متأصّلة في نفس وموروثة عمّن سبقك، فهي كما كان يرى أبو العلاء المعري من عماه أمرًا موروثًا، وكذلك الأمر بالنسبة إلى البشر، فإنّ الشر أمرٌ موروثٌ أيضًا، وهؤلاء الأبناء هم فانون ومعذّبون من بعدك، وهم يتحمّلون جناية آبائهم وأسلافهم، ويتهامسون فيما بينهم بما جناه أسلافهم الذين غُفر ذنبهم وتحمّله الأبناء، وهكذا يصمتون إلى أن يهلكوا وتنتهي حياتهم.
- الحارس المكدود يعبر، والبغايا متعبات
- النون في أحداقهن يرفّ كالطّير السّجين
- وعلى الشفاه أو الجبين
- تترنّح البسمات والأصباغ ثكلى باكيات
- متعثّرات بالعيون وبالخطى والقهقهات
- وكأنّ عارية الصّدور أوصال جندي قتيل كلّلوها بالزّهور
- وكأنّها درج إلى الشّهوات، تزحمه الثّغور
- حتّى تهدّم أو يكاد... سوى بقايا من صخور
هكذا يمرّ الحارس المكلّف بحماية هؤلاء الأبناء لكنّه لا يستطيع أن يقدّم لهم شيئًا، وها هنّ البغايا قد تعبن مما يعانينه، إذا نظرتَ إلى أعينهنّ رأيتَ نورًا وأملًا بالخلاص يلتمع داخلها كأنّه طير سجين لا يملك من أمر نفسه شيئًا، ويصدرن الابتسامات والضّحكات وقلوبهنّ حزينة باكية، وكأنّ هذه الفتيات بقايا جندي مقتول قد زيّن بالورود، وكأنّها محطّ للشهوة تتزاحم عليها الرجال حتّى تفنى شيئًا فشيًا أو تكاد تفنى.
الأفكار الرئيسة في قصيدة المومس العمياء لبدر شاكر السياب
مرّ في قصيدة المومس العمياء بعض الأفكار الرئيسة، ومنها:
- تصوير الظّلام في المدينة.
- تصوير الشّر المتأصّل في نفوس البشر.
- تصوير حال قاطني المدينة في ظل الظلم و الفساد القائم فيها.
- تحمّل الأبناء ذنوب أسلافهم>
- حال المومس العمياء التي أصبحت كجثة هامدة.
الصور الفنية في قصيدة المومس العمياء لبدر شاكر السياب
من أبرز الصور الفنية في قصيدة المومس العمياء:
- تشربه المدينة
شبّه المدينة بإنسان يشرب، فحذف المشبّه به الإنسان وأبقى شيئًا من لوازمه "الشرب" على سبيل الاستعارة المكنية .
- مصابيح الطّريق كعيون ميدوزا تحجّر كل قلب
المشبّه: مصابيح الطريق، والمشبّه به: عيون ميدوزا، ووجه الشّبه: التحجّر، الأداة: الكاف، ونوع التّشبيه: تام الأركان.
- عمياء كالخفاش
المشبّه: المدينة، والمشبّه به: الخفاش، ووجه الشّبه: عمياء، والأداة: الكاف، ونوعه: تام الأركان.
- الموت يلهث
شبّه الموت بإنسان يلهث، فحذف المشبّه به الإنسان، وأبقى شيئا من لوازمه "يلهث" على سبيل الاستعارة المكنية.
شرح المفردات في قصيدة المومس العمياء لبدر شاكر السياب
من المفردات التي تحتاج إلى شرح في القصيدة:
المفردة | معنى المفردة |
يطبق | أطبق الشيء على الشيء إذا ضمّهما على بعضهما بعضًا. |
القرارة | القرارة هي العمق والقعر. |
الضّغينة | الضّغينة هي الكره والحقد. |
ثكلى | الثكلى هي الأم التي فقدت ابنها. |
انسلّت | انسلّت هنا تعني خرجت. |
المبغى | هي المكان الذي تُمارَس فيه الدعارة. |
المكدود | المكدود هو المتعب. |