شرح قصيدة العباس بن الأحنف ألم تعلمي يا فوز
شرح مطلع القصيدة وفصل الغزل
قال الشاعر:
أَلَم تَعلَمي يا فَوزُ أَنّي مُعَذَّبُ
- بِحُبِّكُمُ وَالحَينُ لِلمَرءِ يُجلَبُ
وَقَد كُنتُ أَبكيكُم بيَثرِبَ مَرَّةً
- وَكانَت مُنى نَفسي مِنَ الأَرضِ يَثرِبُ
أُؤَمِّلُكُم حَتّى إِذا ما رَجَعتُمُ
- أَتاني صُدودٌ مِنكُمُ وَتَجَنُّبُ
يأمل الشاعر من حبيبته فوز أن تبادله الحب الذي يبادله إيّاها ولكنّها لم تفعل ذلك، حيث كان الصدود هو الجواب على محبته لها وهو الذي أمضى عمره يبكي من أجلها في يثرب وفي غير يثرب.
فَإِن ساءَكُم ما بي مِنَ الضُرِّ فَاِرحَموا
- وَإِن سَرَّكُم هَذا العَذابُ فَعَذِّبوا
فَأَصبَحتُ مِمّا كانَ بَيني وَبَينَكُمُ
- أُحَدِّثُ عَنكُم مَن لَقيتُ فَيَعجَبُ
وَقَد قالَ لي ناسٌ تَحمَّل دَلالَها
- فَكُلُّ صَديقٍ سَوفَ يَرضى وَ يَغضَبُ
يدعو الشاعر حبيبته إلى التفاعل مع الحال التي يعيشها، فلو كان يُعجبها فلمتضي في عذابها ولو كان يسيئها فلتكف عن ذلك، وهو يبالغ في الحديث عنها حتى أنّ أصدقاءه نصحوه بتحمل دلالها لعلها تعود إلى رشدها.
وَإِنّي لَأَقلى بَذلَ غَيرِكِ فَاِعلَمي
- وَبُخلُكِ في صَدري أَلَذُّ وَأَطيَبُ
وَإِنّي أَرى مِن أَهلِ بَيتِكِ نُسوَةً
- شَبَبنَ لَنا في الصَدرِ ناراً تَلَهَّبُ
عَرَفنَ الهَوى مِنّا فَأَصبَحنَ حُسَّداً
:::يُخَبِّرنَ عَنّا مَن يَجيءُ وَيَذهَبُ
يذكر الشاعر لحبيبته أنّ النساء لا يبخلن في الحب عليه لكنّه لا يُبالي بهنّ بل إنّ بخلها محبب على بذلهن، ويذكر لها حسد أهل بيتها على الحب الذي يعيشه وإيّاها ولا بدّ من انتباهها إلى ذلك.
شرح فصل الوشاية
يُكمل العباس بن الأحنف قصيدته قائلا:
وَإِنّي اِبتَلاني اللَهُ مِنكُم بِخادِمةٍ
- تُبَلِّغُكُم عَنّي الحَديثَ وَتَكذِبُ
وَلَو أَصبَحَت تَسعى لِتوصِلَ بَينَنا
- سَعِدتُ وَأَدرَكتُ الَّذي كُنتُ أَطلُبُ
وَقَد ظَهَرَت أَشياءُ مِنكُم كَثيرَةٌ
- وَما كُنتُ مِنكُم مِثلَها أَتَرَقَّبُ
يأتي الآن على ذكر الخادمة التي تعمل بالوشاية بينه وبين المحبوبة وتسعى بالتفريق بينهما، وتنقل الأخبار غير الصحيحة بين الاثنين، وكان يتمنى لو أنّها حثت جهودها على الجمع لا التفريق، وقد أطلعته على أمور ما كان ليتمنى أن تظهر في حبيبته.
شرح أبيات العودة إلى ذكر الآلام
يقول الشاعر:
فَلَم أَرَ يَوماً كانَ أَحسَنَ مَنظَراً
- وَنَحنُ وُقوفٌ وَهيَ تَنأى وَنَندُبُ
فَلَو عَلِمَت فَوزٌ بِما كانَ بَينَنا
- لَقَد كانَ مِنها بَعضُ ما كُنتُ أَرهَبُ
أَلا جَعَل اللَهُ الفِدا كُلَّ حُرَّةٍ
- لِفَوزِ المُنى إِنّي بِها لَمُعَذَّبُ
يعيد الشاعر ذكر الآلام التي يُعاني منها من جفاء فوز له وهو الذي تعرض النساء الود عليها ولا يأبى ذلك إلا من أجل فوز وحبها، وهو الرجل الذي ما عرف قلبه من حب النساء سوى حب فوز.
فَما دونَها في الناسِ لِلقَلبِ مَطلَبٌ
- وَلا خَلفَها في الناسِ لِلقَلبِ مَذهَبُ
وَإِن تَكُ فَوزٌ باعَدَتنا وَأَعرَضَت
- وَأَصبَحَ باقي حَبلِها يَتَقَضَّبُ
وَحالَت عَنِ العَهدِ الَّذي كانَ بَينَنا
- وَصارَت إِلى غَيرِ الَّذي كُنتُ أَحسَبُ
وَهانَ عَلَيها ما أُلاقي فَرُبَّما
- يَكونُ التَلاقي وَالقُلوبُ تَقَلَّبُ
يعلم الشاعر أنّ حال فوز منه هو حال الجفاء والبعد والبين، ولو أرادت هجره وأخلفت العهد الذي كان بينها وبين حبيبها وصارت إلى غيره من النّاس وهان عليها كل العذاب الذي يُلاقيه فلا بدّ أن الأيام ستدور وأنّ الحال بينهما سيعود إلى أحسنه.
وَلَكِنَني وَالخالِقِ البارئِ الَّذي
- يُزارُ لَهُ البَيتُ العَتيقُ المُحَجَّبُ
لَأَستَمسِكَن بِالوُدِّ ما ذرَّ شارِقٌ
- وَما ناحَ قُمريٌ وَما لاحَ كَوكَبُ
وَأَبكي عَلى فَوزٍ بِعَينٍ سَخينَةٍ
- وَإِن زَهِدَت فينا نَقولُ سَتَرغَبُ
وَلَو أَنَّ لي مِن مَطلَعِ الشَمسِ بُكرةً
- إِلى حَيثُ تَهوي بالعَشِيِّ فَتَغرُبُ
أُحيطُ بِهِ مُلكاً لِما كانَ عِدلَها
- لَعَمرُكِ إِنّي بِالفَتاةِ لَمُعجَبُ
ولو حدث كل ذلك وما اختارت فوز إلا البعد والجفاء فإنّه سيبقى متمسكًا بالود القديم وسيبكي عليها بكاءً مرًّا ولن يتوان عن ذلك فهي المرأة التي أُعجب بها ولن يكون قلبه لامرأة أخرى سواها.
شرح المفردات في القصيدة
وردت في القصيدة مجموعة من المفردات التي لا بدّ من شرحها وهي كالآتي:المفردة | المعنى |
شارق | أي الشمس. |
ذرَّ | أي طلع وظهر. |
الحَينُ | أي الموت والهلاك. |
لَأَقلى | أي أتجافى وأبتعد. |
الصور الفنية في القصيدة
وردت في القصيدة مجموعة من الصور الفنية ولعل من أبرزها الآتي:
- عَرَفنَ الهَوى مِنّا
جعل الهوى مثل الإنسان الذي يُعرف ويُجهل، حذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه وهو استعارة مكنية .
- لِلقَلبِ مَطلَبٌ
جعل القلب مثل الإنسان الذي يطلب أمرًا، حذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه وهو استعارة مكنية.
- البَيتُ العَتيقُ المُحَجَّبُ
جعل البيت مثل الإنسان الذي يُحجب، حذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه وهو استعارة مكنية.