شرح قصيدة الأمير الدمشقي
شرح قصيدة الأمير الدمشقي
قال الشاعر نزار قباني في رثاء ابنه توفيق قباني:
- مكسرة كجفون أبيك هي الكلمات..
- ومقصوصة كجناح أبيك، هي المفردات
- فكيف يغني المغني؟
- وقد ملأ الدمع كل الدواه..
- وماذا سأكتب يا بني؟
- وموتك ألغى جميع اللغات..
- لأي سماء نمد يدينا؟
- ولا أحدا في شوارع لندن يبكي علينا..
يرثي الشاعر ابنه في موقفٍ كَسَرَ مفردات القباني ولغته، فلا مقام هنا سوى للدموع، وهو الذي يواجه موت ابنه البكر.
- يهاجمنا الموت من كل صوب..
- ويقطعنا مثل صفصافتين
- فأذكر، حين أراك، عليا
- وتذكر حين تراني الحسين
- أشيلك، يا ولدي، فوق ظهري
- كمئذنة كسرت قطعتين..
- وشعرك حقل من القمح تحت المطر..
- ورأسك في راحتي وردة دمشقية .. وبقايا قمر
يأتي الشاعر على ذكر تفاصيل ما بعد خبر الوفاة، فيرى فيه علي الذي قُتل، وهو الذي أخذ دور الحسين في الحزن والألم مع انقلاب الأدوار، فالحزن الآن هو سيد الموقف، وهو يحمل ابنه وشعره متدلٍ إثر آخر مطر يطرق شعره، وهو الذي يشبه دمشق في جمالها.
- أواجه موتك وحدي..
- وأجمع كل ثيابك وحدي
- وألثم قمصانك العاطرات..
- ورسمك فوق جواز السفر
- وأصرخ مثل المجانين وحدي
- وكل الوجوه أمامي نحاس
- وكل العيون أمامي حجر
- فكيف أقاوم سيف الزمان؟
- وسيفي انكسر..
يُحاول نزار أن يُخفى الآن آخر معالم ابنه ويتلمس جواز سفره لكنّ كل ما حوله يفرض عليه ألّا ينساه، فكل الوجوه بلا حياة الآن سوى وجه ابنه، وكيف يُحارب الزمان وقد كُسر سيفه وبات من دون سلاح.
- سأخبركم عن أميري الجميل
- سأخبركم عن أميري الجميل
- عن الكان مثل المرايا نقاء، ومثل السنابل طولا..
- ومثل النخيل..
- وكان صديق الخراف الصغيرة، كان صديق العصافير
- كان صديق الهديل..
- سأخبركم عن بنفسج عينيه..
- هل تعرفون زجاج الكنائس؟
- هل تعرفون دموع الثريات حين تسيل..
- وهل تعرفون نوافير روما؟
- وحزن المراكب قبل الرحيل
يأتي الشاعر الآن على ذكر صفات ابنه، وتتضارب الصورة في ذاكرته، فتارة يراه ذلك الطفل الصغير صديق الخراف، وأخرى يراه سيد الأناقة والجمال، وهو الذي يُشبه معالم البهجة على هذه الأرض.
- سأخبركم عنه..
- كان كيوسف حسنا.. وكنت أخاف عليه من الذئب
- كنت أخاف على شعره الذهبي الطويل
- وأمس أتوا يحملون قميص حبيبي
- وقد صبغته دماء الأصيل
- فما حيلتي يا قصيدة عمري؟
- إذا كنت أنت جميلا..
- وحظي جميلا..
- لماذا الجرائد تغتالني؟
- وتشنقني كل يوم بحبل طويل من الذكريات
- أحاول أن لا أصدق موتك، كل التقارير كذب
- وكل كلام الأطباء كذب.
- وكل الأكاليل فوق ضريحك كذب..
- وكل المدامع والحشرجات..
يُعيد الشاعر على مسامع النّاس صفات ابنه الذي يراه يوسف، ويرى في نفسه يعقوب، وقد جاؤوا بقميص ابنه، إلّا أنّه يأبى أن يُصدق ذلك، فالكل كاذبون وهو لا يُريد أن يرى عين الحقيقة، ولكنّ الجرائد لم ترحم مشاعره وضعفه، والتقارير لم تأبه لألمه فكلهم شركاء في تلك الحقيقة الموجعة.
- أحاول أن لا أصدق أن الأمير الخرافي توفيق مات..
- وأن الجبين المسافر بين الكواكب مات..
- وأن الذي كان يقطف من شجر الشمس مات..
- وأن الذي كان يخزن ماء البحار بعينيه مات..
- فموتك يا ولدي نكتة .. وقد يصبح الموت أقسى النكات
يُحاول الشاعر جاهدًا أن يُكذب تلك الحقيقة المرة الأليمة، ولكن هيهات أن يكون ذلك، ربما كان ذلك مثل النكتة الجادة، ولكن يا لقساوة تلك النكتة.
- أحاول أن لا أصدق ها أنت تعبر جسر الزمالك
- ها أنت تدخل كالرمح نادي الجزيرة، تلقي على الأصدقاء التحية
- تمرق مثل الشعاع السماوي بين السحاب وبين المطر..
- وها هي شفتك القاهرية، هذا سريرك، هذا مكان
- جلوسك، ها هي لوحاتك الرائعات..
- وأنت أمامي بدشداشة القطن، تصنع شاي الصباح
- وتسقي الزهور على الشرفات..
- أحاول أن لا أصدق عيني..
- هنا كتب الطب ما زال فيها بقية أنفاسك الطيبات
- وها هو ثوب الطبيب المعلق يحلم بالمجد والأمنيات
- فيا نخلة العمر .. كيف أصدق أنك ترحل كالأغنيات
- وأن شهادتك الجامعية يوما .. ستصبح صك الوفاه
لا يُمكن لنزار أن يُصدق حقيقة موت ابنه، فهو يراه في كلّ مكانٍ ألفه فيه، يراه في الصباح حين كان يُشاركه كأس الشاي، ويُحاول أن يتلمس الكتب التي ما زال فيها بقايا من أنفاسه، ولكن مع الأسف لن يستلم شهادته الجامعية؛ لأنّ صك الوفاة قد سبق.
الأفكار الرئيسة في قصيدة الأمير الدمشقي
وردت في القصيدة مجموعة من الأفكار الرئيسة، وهي كالآتي:
- عجز الشاعر عن رثاء ابنه والاستعانة بالكلمات.
- ذكر حالة الشاعر وهو يحمل ابنه على يمينه بعد موته.
- ذكر صفات ابنه الذي يرثيه الخَلقية والخُلقية.
- عدم قدرة الشاعر على تصديقه موت ابنه.
الصور الفنية في قصيدة الأمير الدمشقي
ورد في القصيدة مجموعة من الصور الشعرية الفنية التي لا بدّ من الوقوف عليها، وهي التي استعان بها نزار ليُصور حجم الأمل داخله، وهي كالآتي:
- مكسرة كجفون أبيك هي الكلمات
تشبيه تام الأركان، حيث شبه الكلمات بالزجاج المكسور، وهذه هي حالة جفونه، فأبقى على المشبه والمشبه به وأداة التشبيه ووجه الشبه.
- يهاجمنا الموت
جعل الموت مثل الإنسان الذي يهاجم، فحذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه، وهو استعارة مكنية .
- وشعرك حقل من القمح
تشبيه بليغ، حيث شبه شعر ابنه بالحقل، فأبقى على المشبه والمشبه به وحذف أداة التشبيه ووجه الشبه.