شرح قصيدة: جئت لا أعلم من أين
شرح قصيدة جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت
قصيدة للشاعر إيليا أبو ماضي قال فيها:
- جِئتُ لا أَعلَمُ مِن أَين وَلَكِنّي أَتَيتُ
- وَلَقَد أَبصَرتُ قُدّامي طَريقاً فَمَشَيتُ
- وَسَأَبقى ماشِياً إِن شِئتُ هَذا أَم أَبَيتُ
- كَيفَ جِئتُ كَيفَ أَبصَرتُ طَريقي لَستُ أَدري
- أَجَديدٌ أَم قَديمٌ أَنا في هَذا الوُجود
- هَل أَنا حُرٌّ طَليقٌ أم أسير في قُيود
- هَل أَنا قائِدُ نَفسي في حَياتي أَم مَقود
- أَتَمَنّى أَنَّني أَدري وَلَكِن لَستُ أَدري
يبدأ الشاعر إيليا قصيدته بمجموعة من الأسئلة الوجودية التي يقضي الإنسان عمره في البحث عن إجاباتها، فهو يسير في الطريق الذي رُسم له ولكنه لا يدري إلى أين يسير، لا يعلم ما تؤول إليه الأمور، هو فقط يسير إلى ما قدر عليه.
- وَطَريقي ما طَريقي أَطَويلٌ أَم قَصير
- هَل أَن أَصعَدُ أَم أَهبِطُ فيه وَأَغور
- أَأَنا السائِرُ في الدَربِ أَمِ الدَربُ يَسير
- أَم كِلانا واقِف وَ الدَهرِ يَجري لَستُ أَدري
- لَيتَ شِعري وَأَنا في عالَمِ الغَيبِ الأَمين
- أَتَراني كُنتُ أَدري أَنَّني فيهِ دَفين
- وَبِأَنّي سَوفَ أَبدو وَبِأَنّي سَأَكون
- أَم تَراني كُنتُ لا أُدرِكُ شَيئاً لَستُ أَدري
يعود إلى طرح الأسئلة على نفسه وذاته، ترى هل هو الذي يشق طريقه للحياة أم الحياة التي تشق الطريق له أم أنّ الدهر هو الذي يُسير الأمور، ثم يتساءل عن الغيبيات وكيف كان قبل أن يولد وكيف سيكون بعد الموت .
- أَتُراني قَبلَما أَصبَحتُ إِنساناً سَوِيّاً
- أَتُراني كُنتُ مَحواً أَم تُراني كُنتُ شَيّا
- أَلِهَذا اللُغزُ حَلٌّ أَم سَيَبقى أَبَدِيّا
- لَستُ أَدري وَلِماذا لَستُ أَدري لَستُ أَدري
- قَد سَأَلتُ البَحرَ يَوماً هَل أَنا يا بَحرُ مِنكا
- هَل صَحيحٌ ما رَواهُ بعضهم عَنّي وَعَنكا
- أَم تُرى ما زَعَموا زورا وَبُهتانا وَإِفكا
- ضَحِكَت أَمواجُهُ مِنّي وَقالَت لَستُ أَدري
يعيد الدوران حول السؤال نفسه أترى قبل أن يولد هل كان محوًا أم تراه كان شيئًا آخر، ويبدأ بتجاذب ذلك السؤال عينه مع مظاهر الكون والطبيعة وأهمها البحر، الذي فيه أسرار عميقة لا يعلم بها إلا مَن خلقه.
- أَيُّها البَحرُ أَتَدري كَم مَضَت أَلفٌ عَلَيكا
- وَهَلِ الشاطِئُ يَدري أَنَّهُ جاثٍ لَدَيكا
- وَهَلِ الأَنهارُ تَدري أَنَّها مِنكَ إِلَيكا
- ما الَّذي الأَمواجُ قالَت حينَ ثارَت لَستُ أَدري
- أَنتَ يا بَحرُ أَسيرٌ آهِ ما أَعظَمَ أَسرَك
- أَنتَ مِثلي أَيُّها الجَبّارُ لا تَملِكُ أَمرَك
- أَشبَهَت حالُكَ حالي وَحَكى عُذرِيَ عُذرَك
- فَمَتى أَنجو مِنَ الأَسر وَتَنجو لَستُ أَدري
يتبادل الحديث الآن مع البحر ويُحاول أن يعلم السر منه ولكن للحظة يعود إلى رشده فيعلم أنّ البحر على عظمته إلا أنّه ليس مالك لأمره فهو صنع القدير، ويتساءل تُرى متى سيكون مالكًا لنفسه مع البحر.
- تُرسِلُ السُحبَ فَتسقي أَرضَنا وَالشَجَرا
- وَقَد أَكَلناك وَقُلنا قَد أَكَلنا الثَمَرا
- وَشَرِبناك وَقُلنا قَد شَرِبنا المَطَرا
- أَصَوابٌ ما زَعَمنا أَم ضَلالٌ لَستُ أَدري
- قَد سَأَلتُ السُحبَ في الآفاقِ هَل تَذكُرُ رَملَك
- وَسَأَلتُ الشَجَرَ المورِقَ هَل يَعرِفُ فَضلَك
- وَسَأَلتُ الدُرَّ في الأَعناقِ هَل تَذكُرُ أَصلَك
- وَكَأَنّي خِلتُها قالَت جَميعاً لَستُ أَدري
يبدأ الآن بالحديث مع البحر ويحكي فضله على هذه الدنيا ، فمنه يتشكل السحب ومنه يشرب الإنسان وعليه يُبحر والثمار تنبت من مائه، ولما بدأ الشاعر بسؤال تلك المظاهر عن فضل البحر عليها قالت لست أدري.
- يَرقُصُ المَوج وَفي قاعِكَ حَربٌ لَن تَزولا
- تَخلُقُ الأَسماكَ لَكِن تَخلُقُ الحوتَ الأَكولا
- قَد جَمَعتَ المَوتَ في صَدرِك وَالعَيشَ الجَميلا
- لَيتَ شِعري أَنتَ مَهدٌ أَم ضَريحٌ لَستُ أَدري
- كَم فَتاةٍ مِثلِ لَيلى وَفَتىً كَاِبنِ المُلَوَّح
- أَنفَقا الساعاتِ في الشاطِئ تَشكو وَهوَ يَشرَح
- كُلَّما حَدَّثَ أَصغَت وَإِذا قالَت تَرَنَّح
- أَحَفيفُ المَوجِ سِرٌّ ضَيَّعاهُ لَستُ أَدري
يكمل حديثه مع البحر متعجبًا من تلك المتناقضات التي جمعها في داخله، ففيه بداية الحياة وفيه الموت وفيه الجمال وفيه الخوف، وهو الذي يقف النّاس عنده ويشتكي العشاق على عتباته.
الصور الفنية في قصيدة جئت لا أعلم من أين
وردت في القصيدة مجموعة من الصور الفنية لعل أبرزها ما يأتي:
- الدَربُ يَسير
جعل الدرب مثل الإنسان الذي يسير، حذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه وهو استعارة مكنية .
- الدَهرِ يَجري
جعل الدهر مثل الإنسان الذي يجري ويتوقف، حذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه وهو استعارة مكنية.
- سَأَلتُ البَحرَ يَوماً
جعل البحر مثل الإنسان الذي يُسأل ويجيب، حذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه وهو استعارة مكنية.
الأفكار الرئيسة في قصيدة جئت لا أعلم من أين
وردت في القصيدة مجموعة من الأفكار الهامة وهي كالآتي:
- تساؤل الشاعر عن مبتدئ هذه الحياة ومنتهاها.
- تساؤل الشاعر عن الهيئة التي يسير بها هذا الكون بأسره.
- تجاذب الأسئلة مع مظاهر الكون عامة وبينها البحر.
- التعجب من جمال البحر وعظمته والمتضادات التي في داخله.
- تذكر العشاق وحالهم مع البحر.