شرح سبب نزول سورة الممتحنة للأطفال
بين يدي سورة الممتحنة
هي سورة مدنية عدد آياتها ثلاثة عشر، وعدد كلماتها ثلاثمئة وثمانية وأربعون كلمة، ترتيبها الستون بحسب الرسم القرآني في الجزء الثامن والعشرون بعد سورة الحشر، تحدثت سورة الحشر عن المعاهدين من أهل الكتاب وعن موالاة المؤمنين بعضهم بعضاً.
وموالاة الذين نافقوا للذين كفروا من أهل الكتاب ، فابتدأت سورة الممتحنة بنهي المؤمنين عن اتخاذ الكافرين أولياء، وتحدثت عن المعاهدين من المشركين؛ لأنها نزلت في صلح الحديبية.
وافتتحت سورة الحشر بنهي المؤمنين عن اتخاذ الكافرين أولياء ؛ حتى لا يشبهوا المنافقين في ذلك وفي السورة توضيحه وبيانه، حتى ختمت السورة فكانت بغاية الاتصال؛ ففصل بها أي سورة الممتحنة، بين سورتي: الحشر والصف، واللاتي مطلعهن مشترك بكلمة (سَبَّحَ).
تسميتها
قيل إنها سميت بالممتحِنة بكسر الحاء أي المختبرة؛ ولأنه ذُكر بأحد آياتها، قوله -تعالى-: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ)، أي من الامتحان، أما الممتحَنة بفتح الحاء فنسبة إلى المرأة التي نزلت فيها السورة، وهي أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، وقيل أن اسمها سورة براءة والفاضحة؛ وذلك لكشفها عن عيوب المنافقين.
أسباب نزولها
كان القرآن ينزل على الرسول -صلى الله عليه وسلم- لحاجة أو مصلحة، أو ينزل بسبب حدث كقول أو فعل، أو سؤال وقع ممن عاصروا التنزيل، واليوم سيتناول مقالنا حَدَثين كانا السبب في نزول سورة الممتحنة، وسنتحدث عنهما كلٌ بِحسب اسم الصحابي الذي كان سبباً فيها:
حاطب بن أبي بلتعة
نزلت الآية الأولى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ)، في رجل يًقال له حاطب بن أبي بلتعة، قام بكتابة صحيفة إلى أهله وعشيرته في مكة يخبرهم أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمسلمين عازمين على فتح مكة ، بعد نقضهم للعهد الذي كان بينهم وبين المسلمين.
واستأجر لذلك امرأة وأعطاها الصحيفة، وأمرها أن لا تخبر أحداً عنها، فأخبر الله رسوله بها، فطلب من علي بن أبي طالب والزبير بن العوام والمقداد أن يلحقا بالمرأة إلى روضة خاخٍ، فأدركوها وجيء بالصحيفة.
وعندما فتح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الصحيفة وجد فيها من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من قريش يخبرهم بأمر الرسول، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ما هذا يا حاطب؟)، فأخبره أنه لم يفعل ذلك ارتداداً عن دينه أو كفرٌ به.
إنما بعثه خشية على ولده وأهله، فالتمس الرسول من صوته الصدق، ولكن هذا الفعل أغضب عمر بن الخطاب فأراد أن يضرب عنقه لنفاقه؛ فقال له الرسول: (إنَّه شَهِدَ بَدْرًا وما يُدْرِيكَ؟ لَعَلَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ اطَّلَعَ علَى أهْلِ بَدْرٍ فَقالَ: اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ فقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ).
أم كلثوم بنت عقبة
قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).
(وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُم مِّثْلَ مَا أَنفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ* يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).
نزلت هذه الآيات في أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، وهي أول من هاجر من النساء إلى المدينة بعد هجرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولم يعلم بقُرشية خرجت من عند أبويها مسلمة مهاجرة إلى الله ورسوله سواها، هاجرت من مكة إلى المدينة ماشية وحدها.
وتبعها أخويها الوليد وعمارة ليرداها، ولكنّ الله -تعالى- منعهما، فطلباها من الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولكنه رفض أن يردها، مخبراً أن الصلح فيما بينهم كان بشأن الرجال، ولم يكن للنساء فيه أي شأن.