شرح حديث العلماء ورثة الأنبياء
شرح حديث العلماء ورثة الأنبياء
إنّ الأنبياء هم خير الناس، وقد تركوا موروثاً عظيماً لا يقدر بثمن؛ حيث ورثوا العلم والحكمة وسبل الهداية للناس، وكانوا مشاعل نور تهدي إلى توحيد الله، وفيما يأتي التدليل على ذلك.
اللفظ الصحيح للحديث الشريف
لقد ورد هذا الحديث بطرق متعددة منها الصحيح ومنها الضعيف، والحديث بهذه الصيغة حديث ضعيف ؛ فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (العلماءُ ورثةُ الأنبياءِ، يحبُّهم أهلُ السماءِ، وتستغفرُ لهم الحيتانُ في البحرِ إذا ماتوا إلى يومِ القيامةِ).
أما الصيغة الصحيحة للحديث فهذه هي: (من سلَكَ طريقًا يبتغي فيهِ علمًا سلَكَ اللَّهُ بِهِ طريقًا إلى الجنَّةِ، وإنَّ الملائِكةَ لتضعُ أجنحتَها رضاءً لطالبِ العلمِ، وإنَّ العالمَ ليستغفرُ لَهُ من في السَّمواتِ ومن في الأرضِ، حتَّى الحيتانُ في الماءِ، وفضلُ العالمِ على العابدِ كفضلِ القمرِ على سائرِ الكواكبِ، إنَّ العلماءَ ورثةُ الأنبياءِ، إنَّ الأنبياءَ لم يورِّثوا دينارًا ولا درْهمًا؛ إنَّما ورَّثوا العلمَ فمَن أخذَ بِهِ فقد أخذَ بحظٍّ وافرٍ).
وهذا الحديث قد صححه الشيخ الألباني -رحمه الله-، وقد رواه الترمذي وابن ماجة، وأبو داود وغيرهم -رحمهم الله- في سننهم، وكلها قد ثبتت بطرق صحيحة كما بينها أهل العلم، وقد ترجم الإمام البخاري -رحمه الله- في صحيحه بقوله: (وإن العلماء ورثة الأنبياء) في باب العلم قبل القول والعمل، من كتاب العلم.
المعنى العام للحديث
إنّ الأنبياء قد أرسلهم الله -تعالى- لهداية الناس، وإخراجهم من الظلمات إلى النور، ولم يبعثهم ليجمعوا متاعاً من متاعات هذه الدنيا، ولا ليكون همهم ما سيورثونه من مال ومتاع لمن بعدهم من الأهل؛ لذلك فقد كان همهم إبلاغ رسالة الله للعالمين، وهدايتهم للإيمان والتوحيد، تقول أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: (ما تَرَكَ رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- دِينَارًا، وَلَا دِرْهَمًا، وَلَا شَاةً، وَلَا بَعِيرًا، وَلَا أَوْصَى بشيءٍ).
والنبي -صلى الله عليه وسلم- لم يورث من متاع الدنيا شيئاً كما أخبرت بذلك أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-، وهي أقرب الناس للنبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد بيّن النبي -صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف أن العلم إرث، وأن العلماء هم ورثة الأنبياء الذين يرثون هذا العلم.
وظيفة العلماء في ميراث النبي صلى الله عليه وسلم
بما أنّ العلماء ورثة الأنبياء فقد تقع على عاتقهم مسؤولية عظيمة؛ إذ عليهم أن يأخذوا العلم الذي تركه النبي -صلى الله عليه وسلم- بحقه، ولا يتركوه ولا يفرطوا في شيء منه، ثم بعد أن يأخذوا هذا العلم عليهم أن يبلغوه للناس وينشروه بينهم، ولا يكتمون منه شيئاً، ويسعون لهداية الناس إلى هدي الأنبياء، فهكذا تكون وراثة الأنبياء لهذا العلم.
ثم إنّ العلماء بهذا الميراث قد نالوا شرفاً عظيماً لم ينله أحد سواهم؛ فلهم مرتبة الشرف العظمى باستحقاقهم ميراث خير خلق الله، ولأنهم حازوا هذا الشرف العظيم فإن عليهم أن يعملوا بهذا العلم ويجعلوه منهاج حياة لهم كما كان الأنبياء علماء عاملين؛ ليكونوا بذلك قدوات يهتدي بها الناس كما كان الأنبياء منارات للهداية.
وكذلك فإن العالم إذا مات فعلى الناس أن يذكروا منه ما تركه؛ من هدي، وعلم، ومنهج عملي نحو الربانية ، وإلا فإنه لم يكن وريثاً حقيقياً للنبي -صلى الله عليه وسلم-، فها هم الأئمة الكرام؛ ك البخاري ، ومسلم، وأبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وابن حنبل، والثوري، وابن عيينة -رحمهم الله- وغيرهم؛ ماذا ورثوا غير العلم والهداية؟.
فضائل أهل العلم
لقد بين الحديث الشريف في شقه الأول فضائل العلم وأهله، ويمكن إجمال هذه الفضائل بما يأتي:
- العلم سبب لدخول الجنة
وهو أحد الطرق المؤدية إليها، والعلم المقصود به هو العلم النافع الذي يقصد به وجه الله تعالى فتنتفع منه الأمة.
- حفظ الملائكة لطالب العلم
والرضا عليه والدعاء له، وبسط أجنحتها لطالب العلم إكراماً له ولصنيعه.
- استغفار الملائكة وكل ما في السماوات والأرض للعلماء
وأهل العلم الذين ورثوا الأنبياء حق الميراث، وكفى بهذا شرفاً لمن استحقه.
- تفضيل العلماء على سائر الخلق
بل وعلى العُبَّاد، وقد جعلهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بمنزلة القمر أمام الكواكب، والقمر إنما يهتدي الناس بنوره في ظلمات الليل البهيم.