شرح حديث (ومن يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين)
شرح حديث (من يرد الله به خيراً يفقه في الدين)
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ، وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِم وَاللهُ يُعْطِي، وَلَنْ تَزَالَ هَذِهِ الأُمَّةُ قَائِمَةً عَلَى أَمْرِ اللهِ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ). وقد أخرج هذا الحديث الإمام البخاري في صحيحه، وكذلك الإمام مسلم في صحيحه في أبواب مختلفة.
ويبين الحديث الشريف فضل العلم والعلماء ، وفضل فهم الدين، ومعرفة أحكامه وأسراره، فمن يُرد الله هدايته وشرح صدره للإسلام يفهمه أحكام الشريعة، ويعرفه أحكامها،وأهل العلم وفقهاء الدين لا يزالون إلى ما يشاء الله.
مقاصد الحديث وشرحها
اشتمل هذا الحديث على ثلاثة جمل تفيد كل واحدة منها معنى خاصاً، على أنها تشترك في معانيها حول: إثبات الخير لمن تفقه في دين الله، وأن ذلك يكون من فضل الله على الإنسان بالفتح، وأن من يفتح الله عليهم بذلك هم في كل زمان حتى يشاء الله -تعالى-،وفيما يأتي بيان لذلك:
فضل التفقه في الدين
لقد أعلى الدين من قيمة الفهم والعلم، وكذلك أعلى من قيمة أصحاب العلم، وفضّل العلماء على سائر الناس، وفضّل الفقه في الدين على سائر العلوم؛ وإنما فضله الله -تعالى- لأنه يجعل المسلم المتفقه في الدين الفاهم له أكثر خشية لله -تعالى-، وأكثر التزاماً بطاعته، وتجنب معاصيه، قال الله -تعالى-: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ).
وقال ابن عمر -للذي قال له فقيهاً-: "إنما الفقيه الزاهد في الدنيا، الراغب في الآخرة، ولمعرفة العلماء بما وعد الله به الطائعين، وأوعد العاصين، ولعظيم نعم الله على عباده اشتدت خشيتهم".
المعطي في الحقيقة هو الله
الجملة الثانية في الحديث الشريف تتحدث حول ما يعتقده المسلم؛ حول الإرادة الربانية وتحقهها، فما قدّره الله وقضاه واقعٌ، وكذلك تفيد إثبات القضاء والقدر ؛ فلا مانع لما أعطى الله ولا معطي لما منع الله، وحصول قسمته بين الناس كما قسمه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو مما قضاه الله كوناً وقدراً، وأمر به شرعاً وديناً.
بعض هذه الأمة يبقى عَلى الحق أبدًا
إن الجمل الثلاث في الحديث جعلت أهل الحديث يوردونه في أبواب عديدة ومختلفة؛ فنجد الإمام البخاري وضع الحديث في كتاب العلم باب "من يرد به خيراً يفقه في الدين"، كما وأعاد ذكره في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة؛ للاستدلال بهذه الجملة على عدم خلو الأرض من معتصم بالكتاب والسنة حتى يأتي أمر الله، وأورد هذه الجملة فقط في كتاب المناقب؛ مشيراً إلى أن ذلك من علامات نبوة محمد -صلى الله عليه وسلم-، وهو منقبة لهذه الأمة.