شرح حديث (كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان..)
شرح حديث (كلمتان خفيفتان على اللِّسَان ثقيلتان فِي الْمِيزَان)
نص الحديث
ثبت في صحيح البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (كلمتان خفيفتان على اللِّسَان ثقيلتان فِي الْمِيزَان حبيبتان إِلَى الرَّحْمَن سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ الله الْعَظِيم).
المعنى العام للحديث
يوجه النبي -صلى الله عليه وسلم- المسلمين إلى أهمية دوام التقرب من الله بدوام الذكر والتسبيح ، ويشجعهم إلى سمو النفس وتطهير القلوب بذكر الرحمن الرحيم، ويرشدهم إلى كلمتين خفيفتين يمكن قولهما في كافّة الأحوال بغير مشقّة ولا تكلف .
ومع سهولة وخفة هاتين الكلمتين على اللسان؛ لكنهما تقربّان العبد إلى الله بالمحبّة والرضى؛ باعتبار محبّة الله لهاتين العبارتين، ويُكتب لذاكرهما النجاة لما يشكِّلان ثقلاً في الميزان يوم القيامة .
معنى مفردات الحديث
ولشرح الحديث يجب أن نعرف معاني مفرداته، وذلك فيما يأتي:
- كلمتان
عبارتان أو جملتان مفيدتان، استهلّ بهما الرسول -صلى الله عليه وسلم- حديثه كخبر متقدم؛ لأجل تشويق السامع للمبتدأ المتأخر وهو: (سبحان الله) .
- خفيفتان على اللسان
أي سهلتان في اللفظ لا تحتاجان إلى تكلّف، ومشقّة، وجهد في النطق؛ لقلة حروفهما واتساقهما، وتقارب مخارج الحروف فيها.
- ثقيلتان في الميزان
عظيمتان في الأجر والثواب يوم القيامة حيث توزن الأعمال، قَالَ الطِّيبِيُّ -رحمه الله تعالى-: "الخفة مستعارة للسهولة، شبّه سهولة جريان هذا الكلام بما يخفّ على الحامل من بعض الحمولات فلا يشقّ عليه، فذكر المشبَّه وأراد المشبّه به، وأمّا الثقل فعلى حقيقته؛ لأن الأعمال تتجسّم عند الميزان، وقيل توزن صحائف الأعمال".
- حبيبتان إلى الرحمن
تتمتع هاتان الكلمتان بالمحبوبية عند الله لهما أو لقائلهما؛ لأنّهما تشتملان على تنزيه الله -تعالى- بصفاته وأفعاله، واستذكار رحمته وعظمته.
- سبحان الله وبحمده
أنزّه الله عما لا يليق بجلاله، وأثني عليه بصفة الحمد والشكر .
- سبحان الله العظيم
تكرار التسبيح؛ للإشعار بتنزيه الله -تعالى- على الإطلاق، ومعناها أنزه الله عمّا لا يليق بجلاله، وأبجلّه جلّ شأنه في عليائه وجلال قدره.
فوائد الحديث
لكل حديث فوائد شاملة ومهمة؛ فكلام النبي -صلى الله عليه وسلم- جاء لتوضيح وبيان تعاليم الإسلام ودين الحق، وفي هذا الحديث العديد من الفوائد التي لا بد من ذكر بعضها، ومنها:
- تشويق السامع، بتقديم الخبر وكثرة الأوصاف الجميلة .
- الإيمان بوجود الميزان يوم القيامة، وأن أعمال المخلوقات سوف توزن ، كما أن الكلام من الأعمال التي ستوزن؛ ليحاسب كلٌ على قدر عمله، ويدل الحديث أيضاً على أن الكلِم في الميزان لا يكون بكثرة الحروف؛ ولكن بعظم معناها.
- أهمية دوام تسبيح الله وتنزيهه وتعظيمه في الألسنة.
- بناء علاقة المحبّة بين العبد وربّه بدوام الذكر، وشعور الإنسان المسلم بالطمأنينة القلبية في حال ذكر الله.
- الأجر العظيم الذي يناله المؤمن بذكر الله، وبأحب صفاته إليه، وإضفاء معنى جديد للخفة، والثقل، والميزان؛ تتعلق بالجهد المعنوي القلبي .
- هذا الحديث الشريف ختم به البخاري كتابه الصحيح، وتبعه الأئمة من بعده.
فضائل ذكر الله تعالى
ومما سبق نرى أن لذكر الله -تعالى- والدوام عليه فضائل كثيرة؛ نذكر منها:
- الذاكرون يفوزون في الدارين ؛ دار الدنيا ودار الآخرة.
- الذكر حصنٌ وسلاح للمسلم ؛ يحميه ويحفظه من كل شر.
- ينال المسلم به رضا الله تعالى ، وهل من شيء أحب على المسلم من رضى ربه؟.
- زوال الهم والغم وكدر الحياة، وجلب السرور، والطمأنينة، والراحة للنفوس، كما أن الذكر يبعد الإنسان عن هموم الحياة؛ ليرتقي بروحه وتسمو نفسه.
- يقوي إيمان المسلم ويشتد تعلقه بربه؛ فيستحضره في كل أقواله وأفعاله.
- الذكر يغسل القلب ويطهره من الذنوب؛ فيعود أبيضاً نقياً؛ فكلما زاد الذكر زاد نقاء القلب، وكلما قلّ الذكر اسودّ القلب بالذنوب.
- الذكر ينير وجه الذاكرين ويزيدهم ضياءً.
- الذكر يزيل الفقر ويجلب الرزق.
- فيه إحياء للقلوب؛ فذكر الله تعالى سقيا للقلوب؛ لينبت فيها الخير والصلاح كما تحيي الماء الأرض وتنبت الزرع، فإذا صلح القلب صلحت الجوارح.
- الذكر يزرع الخشوع في القلوب ، ويزرع هيبة الله في النفوس.
- نجاة للعبد من عذاب الدنيا والآخرة.
- الذكر يشغل اللسان، ويبعده عن الغيبة والنميمة ؛ فيبقى مشغولاً بما يرضي ربه مترفعاً عما لا يليق بعبادة الله تعالى.
- من العبادات السهلة التي لا تحتاج لجهد عظيم، وفوق هذا تحفّه وتحيطه الملائكة.