شرح حديث (طهرة للصائم من اللغو والرفث)
شرح حديث (طهرة للصائم من اللغو والرفث)
نص الحديث
جاء عن ابن عباس -رضي الله عنه-: (فرضَ رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- زكاةَ الفطرِ طُهرةً للصَّائمِ؛ منَ اللَّغوِ والرَّفثِ وطُعمَةً للمساكينِ، من أدَّاها قبلَ الصَّلاةِ فهيَ زكَاةٌ مقبولةٌ ومن أدَّاها بعدَ الصَّلاةِ فهيَ صدَقةٌ منَ الصَّدقاتِ).
وحديث النبي -صلى الله عليه وسلم- جاء محدداً عن زكاة الفطر ، وبيّن الحديث الشريف حكمها والحكمة التي شرعت لأجلها، والوقت الذي تؤدى فيه حتى لا تكون من قبيل الصدقة، بل لتعتبر زكاة للفطر عن صيام شهر رمضان المبارك.
ما هي زكاة الفطر
زكاة الفطر هي صدقة معلومة بمقدار معلوم، من شخص مخصوص، بشروط مخصوصة، عن طائفة مخصوصة، لطائفة مخصوصة، تجب بالفطر من رمضان؛ طهرة للصائم من اللغو، والرفث، وطعمة للمساكين.
حكم زكاة الفطر
هي واجبة عند جمهور أهل العلم من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، والأصل في وجوب زكاة الفطر عموم الكتاب وصريح السنة و الإجماع ، كما يأتي:
- من عموم الكتاب
قول الله -تعالى-: (قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى)، وعموم قول الله -تعالى-: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ).
- من السنة
ما ذكرناه سابقاً من حديث ابن عباس؛ بأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد فرض زكاة الفطر.
- من الإجماع
أجمع أهل العلم أن صدقة الفطر فرض، قال الإمام ابن المنذر-رحمه الله-: "وأجمعوا على أن صدقة الفطر فرض، وأجمعوا على أن صدقة الفطر تجب على المرء، إذا أمكنه أداؤها عن نفسه، وأولاده الأطفال، الذين لا أموال لهم، وأجمعوا على أن على المرء أداء زكاة الفطر عن مملوكه الحاضر".
والإسلام، ويسر الحال شرطٌ لوجوب زكاة الفطر ، قال النووي في المجموع: "مذهبنا أنه يشترط أن يملك فاضلاً عن قوته وقوت من يلزمه نفقته ليلة العيد ويومه"، فلا تجب على الفقراء، ومن لا يكفيهم قوت يومهم.
الحكمة من فرض زكاة الفطر
فرض الله -تعالى- زكاة الفطر لحكم متعددة، وسنذكر بعض هذه الحكم بشيءٍ من التفصيل فيما يأتي:
طهرة للصائم من اللهو والرفث
فضّل الله -عز وجل- بعض الأوقات والمواسم على بعضها؛ فحث المسلم على الزيادة في الطاعات والبعد عن اللهو وتضييع الأوقات فيها؛ لما لها من خصوصية وأفضلية عنده -عز وجل-، وجعل من أفضل هذه الأوقات شهر رمضان الذي هو شهر العبادة والطاعة بامتياز.
ولأن الله -عز وجل- يعلم من خلق، وبأن طبع الإنسان يميل إلى اللهو والغفلة واللغو في الحديث بما لا ينفع، فقد كان من حكمته -تعالى- بأن فرض زكاة الفطر قبل انتهاء رمضان دون غيره من المواسم ليكون بمثابة التطهير للعبد.
وإن الصائم أو المسلم ليس معصوماً، فقد يقع منه بعض تلك الأشياء التي لا قد تبطل الصوم؛ ليست بأكل ولا شرب ولا وطء، فصومه صحيح، ولكنه مجروح، فتأتي زكاة الفطر وتعالج تلك الجراح التي وقعت على صومه في نهار رمضان.
يقول بعض العلماء: "زكاة الفطر بالنسبة إلى الصوم كسجدتي السهو؛ فسجدتي السهو تجبر ما كان من نقص أو خلل في الصلاة بالزيادة أو النقص، وصدقة الفطر تجبر أيضاً ما كان من الصائم من خلل في صومه، فهناك بعض الأمور التي يغفل عنها الصائم: كلمة بلسانه، أو نظرة بعينه، أو حركة بيده أو نحو ذلك".
طعمة للمساكين
جعل الله -عز وجل- يوم العيد يوم فرحة وسرور لعامة المسلمين، كبيرهم وصغيرهم، نسائهم ورجالهم، وكذلك غنيهم وفقيرهم، ولأن الإسلام دين العدل والمساواة الداعي دائماً لفكرة التكافل الاجتماعي، فقد جعل في زكاة الفطر مواساةً لفقراء المسلمين وإسعاداً لهم، لذلك خصص وقتاً لزكاة الفطر تؤدى فيه.
وهو قبل انتهاء شهر رمضان وقبل صلاة العيد ؛ وذلك لضمان إدخال السرور على قلوب المساكين وعدم انشغالهم بفكرة الحاجة والعوز، الأمر الذي من شأنه أن ينغص عليهم فرحة العيد، ويدفعهم للانصراف عن لذة العبادة في ذلك اليوم المبارك.
وإذا تأملنا في قول الله -تعالى-: (خُذ مِن أَموالِهِم صَدَقَةً تُطَهِّرُهُم وَتُزَكّيهِم بِها)، فإننا نجد في هذه الآية الكريمة معنى تطهير نفس المسلم بإخراجه للزكاة بعمومها ومن ضمنها زكاة الفطر.
وزكاة الفطر من الهدي النبوي الشريف في استحباب إظهار الفرح للأمة جمعاء في أيام العيد دون أن يستثني أحداً من المسلمين، ولما فيه من إبعاد للمشاحنة والبغضاء والحقد والحسد في النفوس بين أفراده؛ لتسود المحبة والوئام وتظهر معاني الأخوة بينهم.
وقت أداء زكاة الفطر
تجب زكاة الفطر بغروب الشمس من آخر يوم من رمضان على كل شخص بنفسه، وإذا أخرجها الأب عن أسرته أو غيرهم بإذنهم ورضاهم جاز، وهو مأجور؛ وذلك لضمان حصول الثواب والأجر العظيم بدفعها لمستحقيها في وقتها المحدد، حيث بيّن الحديث الشريف بأن تأخير زكاة الفطر إلى ما بعد صلاة العيد يخرجها عن كونها زكاة للفطر، وتعتبر من الصدقة التي يؤجر عليها كأي صدقة في الأيام العادية.
ولأن زكاة الفطر تحديداً لا تكون إلا في شهر رمضان الذي أنعم الله - سبحانه وتعالى- علينا به، وجعل في زكاته زكاة للبدن، حيث أبقاه الله -تعالى- شهراً واحداً من العام؛ وفيه استوى الكبير والصغير، والذكر والأنثى، والغني والفقير، وأنعم علينا في زكاته مرةً واحدة كذلك في هذا الشهر الفضيل وهو ما يظهر به العبد المسلم معاني الشكر لله -عز وجل- على إتمامه لفريضة الصيام.