شرح الطباق والجناس والمقابلة
الطِباق
يعد الطباق جزءًا من علم البديع ، وهو الجمع بين لفظين متقابلين في كلامٍ واحدٍ، ويسمى التطابق والتطبيق والتضاد والتكافؤ، ويكون هذا الجمع بين المتقابلين سواءٍ أكانا اسمين كقوله تعالى: {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} وقوله تعالى: {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ} فالطباق حصل في (الأول، الآخر) و(الظاهر، الباطن) و(أيقاظاً، رقود).
أو فعلين كقوله تعالى: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى، وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا} وكقوله تعالى: {ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى} فالطباق حصل في (أضحك، أبكى)، (أمات، أحيا)، (يموت، يحيا) أو حرفين نحو قوله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوف} فالطباق حصل في (لهن، عليهن ).
أو قد يقع بين اسم وفعلٍ، نحو قوله تعالى، {وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} فالطباق حصل بين الفعل (يضلل) والاسم (هاد) فالضلال عكس الهداية، وكقوله تعالى: {أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاه} فالطباق حصل بين الاسم (ميتاً) والفعل (أحييناه) والموت عكس الحياة.
أنواع الطباق
للطباق نوعان:
- طباق إيجاب
وهو ذكر الكلمة وضدها كالحياة والموت والليل والنهار وأعلى وأسفل والنور والظلام، كقوله تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ}
- طباق سلب
وهو ذكر الكلمة ونفيها أو الكلمة أو ذكر الأمر والنهي، كقوله تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}فالطباق بين (يعلمون، لا يعلمون) كلمةٌ ونفيها، وكقوله تعالى: {اتَّبِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِۦٓ أَوْلِيَآءَ ۗ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُون} فالطباق بين (اتبعوا، لا تتبعوا) أمر ونهي.
والتقابل في طباق الإيجاب يكون على أنواع:
- تقابل النقيضين
وهما كل أمرين لا يجتمعان في أمر واحدٍ ولا يخلو من أحدهما كالحياة والموت للإنسان فالإنسان لا يمكن أن يكون حياً وميتاً في نفس الوقت، ولا بد أن يكون حياً أو ميتاً.
- تقابل الضدين
وهما كل أمرين لا يجتمعان في أمرٍ واحدٍ وقد يخلو منهما، كأعلى وأسفل فالشيء لا يكون أعلى شيءٍ وأسفله وفي نفس الوقت وقد يكون بجانبه لا أعلاه ولا أسفله.
الجناس
يعد الجناس من الأساليب البلاغية وهو تشابه الكلمتين في اللفظ واختلافهما في المعنى، ويسمى التجنيس والتجانس والمجانسة، وأصله المشابهة والمشاكلة ومن هنا جاء المعنى الاصطلاحي لأن الكلمتين تتشابهان في اللفظ والجناس على نوعين:
الجناس اللفظي
وهو ما ذكرت فيه الكلمتين صراحةً ويكون على قسمين:
الجناس التام
ما تشابهت فيه الكلمتان بنوع الحروف وعددها وترتيبها وضبطها (تشكيلها) ومن أمثلة الجناس التام قوله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ ۚ كَذَٰلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُون} فالجناس حصل بين الكلمتين (الساعة، ساعة) فهما متماثلتان في اللفظ ومختلفتان في المعنى فالساعة الأولى تعني يوم القيامة والثانية تعني الفترة من الزمن وتشابهتا في نوع الحروف (سَ ـاْ ـعَ ـة) وعددها وترتيبها وتشكيلها و(أل) التعريف زائدة على الكلمة الأولى.
ومن أمثلته: قول أبي الفتح البستي:
فدارهم ما دمت بدارهم
- وأرضهم ما دمت بأرضهم
فالجناس حصل في (فدارهم، دارهم) فدارهم الأولى تعني تودد إليهم وتماشى معهم والثانية تعني منزلهم، وفي (وأرضهم، أرضهم) فأرضهم الأولى تعني اجعلهم يرضوت وأرضهم الثانية تعني مكان إقامتهم.
الجناس الناقص
وهو ما اختلفت فيه الكلمتين بأحد هذه الأمور:
- نوع الحروف
كقوله تعالى: {ذَٰلِكُم بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِى الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ} فالجناس وقع في كلمتي (يفرحون، يمرحون) وهو جناس ناقص اختلف فيه نوع الحروف.
- عدد الحروف
كقول أبي تمام :
يَمُدّونَ مِن أَيدٍ عَواصٍ عَواصِمٍ
- تَصولُ بِأَسيافٍ قَواضٍ قَواضِبِ
فالجناس وقع في كلمتي (عواصٍ، عواصم) فعواصٍ تعني عصية على الأعداء وعواصم تعني تحميهم من الأعداء، وكلمتي (قواضٍ، قواضب) فقواض تعني قاضية وقواضب تعني قاطعة وفي المثالين نوع الجنس ناقص لاختلاف عدد الحروف.
- ترتيب الحروف
ومن أمثلته قول أبي الطيب المتنبي :
سَما وحمى بني سامٍ وحامٍ
- فلَيْسَ كمثلِهِ سامٍ وحامِ
فالجناس وقع في (حمى، حامٍ) فحمى معناها حفظ وحامٍ هو حام بن يافث بن نوح وكلمتي (سما، سامٍ) فسما معناها ارتفع وعلا وسامٍ هو سام بن يافث بن نوح والجناس جناس ناقص لاختلاف ترتيب الحروف.
- ضبط الحروف
ومن أمثلته قول بطرس كرامة:
فقلت وفي ظل الأراكة والحمى
- وقد شجا كبدي الحرى افتراقهما
بالطُول والطَول يا طولي لو اعتدلا
فالجناس وقع في كلمتي (الطُول، الطَول) فالطُول معناه ارتفاع القامة والطَول معناه القدرة والجناس جناس ناقص لاختلاف ضبط الحروف.
ولهذه الأقسام تسميات واصطلحات تتناسب مع أوضاعها.
الجناس المعنوي
ما ذكرت فيه إحدى الكلمتين صراحةً والكلمة الثانية لم تذكر صراحة، ومنه جناس الإشارة فيذكر الكلمة الأولى صراحةً ويشير للأخرى، كقول الشاعر عبد الغني النابلسي :
يا حمزة اسمح بوصلٍ وامُنن علينا بقُربِ
- في ثغرِ اسمك أضحى مُصَحّفاً وبقلبي
فالكلمة المتجانسة المصرح بذكرها (حمزة) والكلمات المشار إليها بقوله (في ثغر اسمك أضحى مصحفاً) أي في بداية اسمك تصحيف (إضافة نقطة) لتصبح (خمرة) وتكون في ثغرك، وفي قوله (وبقلبي) أي يوجد تصحيف لاسمك (إضافة نقطة) لتصبح (جمرة) لتكون في قلبي.
المقابلة
جملتين إحداهما ضد الأخرى، والطباق يكون على مستوى الكلمات، والمقابلة على مستوى الجمل، ومن أمثلتها من القرآن الكريم قوله تعالى: {فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى، وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى، وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}، فالمقابلة كانت في ( أعطى، بخل) و(اتقى، استغنى) و(صدق، كذب) و(اليسرى، العسرى).
ومنها قول جرير:
وَباسِطَ خَيرٍ فيكُمُ بِيَمينِهِ
- وَقابِضَ شَرٍّ عَنكُمُ بِشَمالِيا
فالمقابلة كانت في (باسط، قابض) و(خير، شر) و(فيكم، عنكم) و(بيمينه، بشمالي).