شرح أبيات قصيدة وصف الحمى للمتنبي
شرح أبيات قصيدة المتنبي في وصف الحمى
كتب المتنبي قصيدته هذه بسبب إصابته بالحمى في مصر ، فكانت وصفًا عظيمًا للحمى ، وكان ذلك في ذي الحجة سنة ثمانٍ وأربعين وثلاثمئةٍ للهجرة (959 م).
معاني المفردات
- يجل: ينزه.
- ذراني: اتركاني.
- الهجيرة: حر الظهيرة.
- الإناخة: النزول.
- الرواحل: النياق.
- البغام: صوت الناقة.
- الرازحة: الساقطة من التعب.
- الخب: الخداع.
- الوسام: حسن الصورة.
- القد: القامة.
- الحد: البأس.
- ينبو: يكل.
- القضم من السيوف: المتثلم.
- الكهام: الذي لا يقطع.
- المطارف: جمع مطرفٍ، وهو رداءٌ من خزٍّ.
- الحشايا: جمع حشيةٍ، وهو الفراش المحشو.
- سجام: منسكبة.
- المستهام: المتحير الذاهب في الأرض على وجهه من عشقٍ.
- بنات الدهر: شدائده.
- الرقص: ضربٌ من سير الإبل.
- اللغام: الزبد يقذفه البعير من فمه.
- الفدام: ما يُجعل في فم الإبريق ليُصفى ما فيه.
- الجمام: الراحة.
- الكرى: النوم.
- الرجام: جمع رجمةٍ، وهي حجارةٌ تُنصب على القبر.
- ثالث الحالين: الموت.
شرح الأبيات (1 - 10)
ملومكما يجل عن الملام
- ووقع فعاله فوق الكلام
بدأ المتنبي قصيدته بمخاطبة صديقيه اللذين يلومانه على المخاطرة بنفسه في طلب المعالي، فيقول لهما: إن صاحبكما الذي تلومانه أجل من أن يُلام، لأن فعله يتجاوز القول، فلا يُدرك فعله بالوصف والقول، وذهب البعض إلى أن (الكلام) بكسر الكاف، بمعنى: الجراح. فكأنه يريد أن يقول: إن أثر قولكما أعظم من الجرح.
ذراني والفلاة بلا دليلٍ
- ووجهي والهجير بلا لثام
ما زال المتنبي يخاطب صديقيه؛ فيطلب منهما أن يتركاه مع الفلاة ( الصحراء ) بلا دليل معه، وأن يتركا وجهه مع حر الهجير (حر الظهيرة) بلا لثام يغطي وجهه.
فإني أستريح بذي وهذا
- وأتعب بالإناخة والمُقام
يتابع المتنبي حديثه عن الصحراء والهجير فهو يستريح بهما، فقوله: (بذي وهذا) أي في الصحراء والهجير، وهو يتعب بالإناخة (النزول) والإقامة.
عيون رواحلي إن حِرْتُ عيني
- وكل بُغام رازحةٍ بغامي
إذا حار المتنبي في طريقه ولم يعرف الوصول إلى وجهته فإنه يستعين بعيون ناقته؛ فعيون ناقته عيونه إذا حار في الطريق، وصوت الناقة يقوم مقام صوتي إذا احتجت أن أتكلم بصوتٍ مرتفعٍ، وهذا دليلٌ على ارتباط المتنبي الوثيق بناقته.
فقد أرد المياه بغير هادٍ
- سوى عدّي لها برق الغمام
يقول المتنبي هنا: لا أحتاج في ورود الماء إلى دليلٍ يدلني سوى أن أعد برق الغمام، وأستدل بذلك على المطر فأتبع موقعه، على عادة العرب في عد بروق الغمام؛ وذلك أن العرب كانوا إذا لاح البرق عدوا سبعين برقة، وقيل: مئة، فإذا كملت وثقوا بأن البرق برق ماطر، فرحلوا يطلبون موضع الغيث .
يُذم لمُهجتي ربي وسيفي
- إذا احتاج الوحيد إلى الذمام
من احتاج في سفره إلى ذمة ( العهد ) ليأمن بذلك فإني أكون في ذمة الله وذمة سيفي.
ولا أُمسي لأهل البخل ضيفًا
- وليس قرًى سوى مخ النعام
لا يحب المتنبي أن يمسي ضيفًا عند البخلاء ، حتى لو يكن عندي طعامٌ سوى مخ النعام.
ولما صار ود الناس خبًا
- جزيت على ابتسامٍ بابتسام
يقول المتنبي: لما فسد ود النس وصار خبًا ( خداعًا ) عاملتهم بمثل ما يعاملونني به، فإن عبسوا في وجهي أعبس في وجوههم، وإن ابتسموا أبتسم.
وصرتُ أشكُّ فيمن أصطفيه
- لعلمي أنه بعض الأنام
بسبب فساد ود الناس وحبهم الخادع صار المتنبي يشك فيمن يختاره لمودته، ولا يكون على ثقةٍ من مودته؛ لعلمه في النهاية أنه من الخلق.
يحب العاقلون على التصافي
- وحب الجاهلين على الوَسام
العاقل يحب من يحبه لأجل صفاء الود بينهما، أما الجاهل فإنه يحب على الوسام ( جمال الصورة )، وهذا حب الجاهلين؛ لأنه ليس كل منظرٍ جميلٍ يستحق المحبة.
شرح الأبيات ( 11 - 20 )
وآنف من أخي لأبي وأمي
- إذا ما لم أجده من الكرام
أبتعد عن أخي الذي هو من أبي وأمي إذا لم يكن من الكرام.
أرى الأجداد تغلبها كثيرًا
- على الأولاد أخلاق اللئام
إذا أصبحت الأخلاق لئيمة غلبت الأصل الطيب الكريم، حتى يكون صاحبها لئيمًا وإن كان من أصلٍ كريمٍ.
ولستُ بقانعٍ من كل فضلٍ
- بأن أُعزى إلى جدِّ هُمام
لا أرضى أن أُنْسب إلى جدٍّ فاضلٍ، إذا لم أكن فاضلًا بنفسي من الأصل.
عجبتُ لمن له قدٌّ وحدٌّ
- وينبو نبوة القضم الكهام
يتعجب المتنبي ممن توافرت فيه القوة والبأس، ثم لا يكون ماضيًا في الأمور.
ومن يجد الطريق إلى المعالي
- فلا يذر المطي بلا سنام
يقول المتنبي: عجبت لمن وجد الطريق إلى معالي الأمور، ولكنه لا يحاول قطعها ليصل إليها، ولا يجعل مطاياه ( إبله ) تتعب في ذلك الطريق حتى تذهب أسنمتها.
ولم أر في عيوب الناس شيئًا
- كنقص القادرين على التمام
يعتبر المتنبي هنا أن أعظم عيب في الإنسان عندما يكون قادرًا على الكمال، ولكنه لا يحاول الوصول إلى الكمال مع أنه قادرٌ.
أقمت بأرض مصر فلا ورائي
- تخبّ بي المطي ولا أمامي
هنا بدأ المتنبي يتحدث عن إقامته في مصر؛ حيث أقام فيها فترة لا تسير به الإبل إلى الأمام ولا إلى الخلف.
وملني الفراش وكان جنبي
- يمل لقاءه في كل عام
من شدة طول مرضه مل الفراش والفراش مله، وإن لاقاه جنبه في العام مرةً واحدةً؛ لأنه أبدًا كان يكون على سفرٍ.
قليلٌ عائدي سقمٌ فؤادي
- كثيرٌ حاسدي صعبٌ مرامي
قليلٌ من الناس من يزورني هنا في مصر؛ لأني غريبٌ، وقلبي مريضٌ لتراكم الأحزان عليه، وهناك الكثير من الناس يحسدونني لوفور فضلي، وتحقق غايتي صعب، وهو الوصول إلى الملك.
عليل الجسم ممتنع القيام
- شديد السُّكر من غير المُدام
جسمي مريضٌ، ولا أستطيع القيام من فراشي، وكأنني سكران من غير خمرٍ من شدة التعب.
شرح الأبيات (21 - 30)
وزائرتي كأن بها حياءً
- فليس تزور إلا في الظلام
المقصود بزائرتي: الحمى، فيقول المتنبي: إن هذه الحمى كأنها تستحي مثل الحبيبة، فلا تزورني إلا في الليل.
بذلتُ لها المطارف والحشايا
- فعافتها وباتت في عظامي
هذه الزائرة (الحمى) لا تبيت في الفراش وإنما تبيت في عظامي، مع أني وفرتُ لها مختلف أنواع الفراش.
يضيق الجلد عن نفسي وعنها
- فتُوسعه بأنواع السقام
جلدي لا يسع الحمى، وهي تزيد علي في أنواع الأسقام التي تتجاوز الجلد.
كأن الصبح يطردها فتجري
- مدامعها بأربعةٍ سجام
هذه الحمى تفارق المتنبي عندما يحل الصباح، فكأن الصباح يطردها، وهي تبكي على فراقه بكاءً مريرًا.
أراقب وقتها من غير شوقٍ
- مراقبة المشوق المُستهام
يراقب المتنبي وقت زيارة الحمى له من خوفه منها، ولا شوقًا لها
ويصدق وعدها والصدق شرٌّ
- إذا ألقاك في الكُرب العِظام
هذه الحمى صادقةٌ في مواعيد زيارتها له، فصدقها في هذه الحالة شرٌّ؛ لأنها تضر.
أبنت الدهر عندي كل بنتٍ
- فكيف وصلت أنت من الزحام
يتعجب المتنبي كيف استطاعت الحمى الوصول إليه من بين كل الشدائد المتزاحمة عليه.
جرحتِ مُجرحًا لم يبقَ فيه
- مكانٌ للسيوف ولا السهام
لقد جرحتِ جسد رجلٍ يشارك في الحروب كثيرًا؛ فلم يبق مكانٌ في جسمه لمواجهة السيوف والسهام في الحروب.
ألا ليت شعر يدي أتُمسي
- تصرف في عنانٍ أو زمام
يقول: ليت يدي علمت هل تتصرف بعد هذا في عنان خيلٍ أو زمام إبلٍ؟ يعني: ليتني علمتُ هل أصح وأبرأ فأسافر على الخيل والإبل؟
وهل أرمي هوايَ براقصاتٍ
- مُحلاة المقاود باللغام
يقول: هل أذهب إلى ما أحبه على إبلي التي جف عليها الزبد حتى بدا كالفضة من طول قعودها دون سفر.
شرح الأبيات (31 - 41)
فربما شفيت غليل صدري
- بسيرٍ أو قناةٍ أو حسام
يقول: لما كنتُ صحيحًا من الأمراض كنت أسافر وأقاتل فأشفي غليل صدري بالسير إلى ما أحب أو بالسيف والرمح.
وضاقت خطةٌ فخلصت منها
- خلاص الخمر من نسج الفدام
يقول: ربما ضاق علي أمرٌ فخلصت منه كما تخلص الخمر من النسيج الذي تُشد به أفواه الأباريق.
وفارقتُ الحبيب بلا وداعٍ
- وودعتُ البلاد بلا سلام
يقول: فارقتُ الحبيب بلا وداعٍ لعجلتي، فهناك أشياء يكرهها جعلته يسافر بسرعةٍ دون أن يودع الحبيب أو يسلم على أهل البلاد.
يقول لي الطبيب أكلت شيئًا
- وداؤك في شرابك والطعام
إن الطبيب يظن أن سبب دائي الأكل والشرب، فيقول: أكلت كذا وكذا مما يضر.
وما في طبه أني جوادٌ
- أضرّ بجسمه طول الجمام
يقول: لا يعلم هذا الطبيب أن الذي أضرني وجعلني هكذا هو طول الجمام (الراحة)، فطول مدة جلوسه وراحته هو الذي أضر به.
تعوّد أن يُغبر في السرايا
- ويدخل من قتامٍ في قتام
تعود المتنبي أن يثير الغبار في الجيوش، ويدخل من حربٍ إلى حربٍ.
فأُمسك لا يُطال له فيرعى
- ولا هو في العليق ولا اللجام
يقول: أمسك هذا الجواد لا أرخي له الحبل فيرعى، ولا أضع له العلف من اللجام الذي يحلق برأسه، وهذا مثلٌ لضربه لنفسه، وأنه حليف الفراش ممنوع من الحركة.
فإن أمرض فما مرض اصطباري
- وإن أُحمم فما حمّ اعتزامي
إن كنتُ قد مرضتُ في جسدي فلم يمرض صبري وعزمي.
وإن أسلم فما أبقى ولكن
- سلمتُ من الحمام إلى الحمام
إن سلمتُ من الحمى لم أبق خالدًا، ولكني أسلم من الموت بها إلى الموت بغيرها.
تمتع من سُهادٍ أو رُقادٍ
- ولا تأمل كرىً تحت الرجام
لا ترجموا قبري بل سووه بالأرض، فلا ترجُ النوم في القبر.
فإن لثالث الحلين معنًى
- سوى معنى انتباهك والمنام
يقول: إن الموت حالٌ غير حالي السهر والنوم فلا يمتع فيه بشيءٍ.